أمام مدخل مركب سينمائي وسط العاصمة الرباط في أحد مساءات أكتوبر الباردات، وقف شابان في طابور طويل ينتظران دورهما لاقتناء تذكرتين لمشاهدة فيلم «الجوكر» للمخرج الأمريكي تود فيليبس، والذي أثار الجدل بخصوص صلاحية عرضه أمام شريحة الأطفال والمراهقين، وأسال الكثير من المداد عن «الأداء الخرافي» لبطله فينيكس خواكين. عند بلوغهما الشباك، يسأل الشابان المشرف عن بيع التذاكر عن مقعدين متجاورين لمتابعة الفيلم، فيأتيهما الجواب بأن القاعة غاصة عن آخرها ولم يتبق سوى ثلاثة مقاعد متفرقة في مواقع قد لا تتيح الفرجة على نحو جيد. يتشاور الشابان فيما بينهما ثم يقبلان على مضض وعزاؤهما في ذلك ما سمعاه عن فيلم «استثنائي ملأ الدنيا وشغل الناس». واحد من المؤشرات التي رسمت هذا الانطباع عن الفيلم كونه حظي في عرضه الأول في إطار مهرجان البندقية لسنة 2019، بتصفيق الجمهور لمدة ثماني دقائق متوالية، وفاز بجائزة «الأسد الذهبي» الجائزة الكبرى للمهرجان. علاوة على أنه خلق جدلا كبيرا في الولاياتالمتحدة حول ما إذا كان ينطوي على دعوة مباشرة للعنف ويجب منع عرضه، أو تعبيرا صريحا عن تناقضات الإنسان الحديث، وصرخة للأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا للمجتمع. يحكي فيلم «الجوكر» قصة شخص يدعى آرثر فليك، وهو رجل مصاب بداء الضحك القهري، يسعى لأن يكون كوميديا هدفه إسعاد الناس، فيجد نفسه مهرجا يتعرض للتنمر والتهكم والاعتداء من طرف المجتمع. يعمل آرثر بنصيحة زميل له في الشركة التي يعمل بها حين زوده بمسدس وطلب منه أن يستعمله دفاعا عن نفسه، وهو بالضبط ما سيقوم به حين تعرض لاعتداء من طرف ثلاثة أشخاص في عربة (الميترو) فقتلهم جميعا، ليتحول بعدها إلى قاتل متسلسل يقضي على من تهكم عليه أو تسبب له في ألم نفسي بمن فيهم المرأة التي كان يعتقد أنها والدته. وإذا كانت قصة الفيلم وحبكته، تجعل المشاهد يتعاطف بشكل أو بآخر مع بطله «المجرم»، ومع العنف الذي استهدف ضحاياه، إلا أنها تنطوي على رسائل جمة منها ما هو مبطن ومنها ما هو صريح، تتمثل أبرزها في رأي من تابعه من عشاق السينما، في ضرورة تحفيز الوعي بمعاناة المرضى النفسيين، وإشاعة قيم التماسك بين مختلف الطبقات الاجتماعية، والتنديد بالمظاهر السلبية لما يسمى بالرأسمالية المتوحشة، وغيرها. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء عن الدروس التي يمكن استلهامها من «الجوكر»، تقول الطالبة الجامعية هدى عند خروجها رفقة صديقة لها من إحدى قاعات عرض الفيلم، إن «الذي لفت انتباهي بشكل أكبر هو اللقطات التي يركض فيها البطل.. أعتقد أنها أربع أو خمس لقطات لا أذكر بالضبط. صحيح أن طريقته في الركض كمهرج تثير الضحك لكنها تنطوي على رسائل قوية بالنسبة لي».