نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا للصحافية لارا سيليغمان، تقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدى نصائح كبار مستشاريه الأمنيين، وصادق ليلة الأحد على عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، ممهدا الطريق أمام هجوم على الأقلية الكردية هناك، وعودة محتملة لتنظيم الدولة. ويشير التقرير إلى أن القوات الأمريكية غادرت المنطقة الحدودية بعد هذا التحول المفاجئ في السياسة، الذي جاء بعد مكالمة هاتفية بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتلفت سيليغمان إلى أن المسؤولين الأمنيين الأمريكيين سعوا لإبقاء قوة أمريكية صغيرة في المنطقة للاستمرار في العمليات ضد تنظيم الدولة، وحماية قوات سوريا الديمقراطية ضد التهديدات التركية المستمرة بالغزو، مستدركة بأن «نصائحهم على ما يبدو لم تجد قبولا». وتورد المجلة نقلا عن بيان صادر عن البيت الأبيض، قوله: «ستقوم تركيا قريبا بالمضي قدما في عملية خططت لها لوقت طويل في شمال سوريا، ولن تدعم القوات الأمريكية تلك العملية أو تشارك فيها، وكون القوات الأمريكية هزمت تنظيم الدولة فإنها لن تبقى في المنطقة المباشرة». وينوه التقرير إلى أنه نظر إلى القرار الأمريكي بسحب القوات الأمريكية على أنه بمثابة ضوء أخضر من ترامب لأردوغان لدخول الشمال السوري، إلا أن المسؤولين في الإدارة قاوموا تصوير بيان البيت الأبيض على أنه مصادقة على العمل التركي. وتنقل الكاتبة عن المتحدث باسم البنتاغون، جوناثون هوفمان، قوله: «لقد أوضحت وزارة الدفاع لتركيا -كما فعل الرئيس- بأننا لا نصادق على العملية التركية في شمال سوريا»، مشيرا إلى أن وزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي «كرروا القول لنظرائهم الأتراك بأن القيام بفعل من طرف واحد يخلق مخاطر لتركيا». وتستدرك المجلة بأن المسؤولين يقولون بأن هذا القرار فاجأ وزارة الدفاع، حيث قال إسبر للمراسلين الأسبوع الماضي بأن القوات الأمريكية والتركية أحدثتا تقدما في إنشاء آلية أمنية على الحدود التركية في شمال شرق سوريا، وبأنها مستمرة في تسيير الدوريات المشتركة التي بدأت الشهر الماضي. ويشير التقرير إلى أن قيادات البنتاغون أجمعت على معارضة هذا التحرك، بحسب مسؤول كبير طلب عدم ذكر اسمه، وقال المسؤول: «كنا قلقين، لكننا لم نفكر بأن (ترامبٍ) سيستسلم.. فقيادة وزارة الدفاع كلها ضد المصادقة (على العملية التركية) والانسحاب». وتلفت سيليغمان إلى أن هذا التحرك فاجأ الأكراد أيضا، مشيرة إلى قول عاهد الهندي، وهو محلل مقرب من المجلس الديمقراطي السوري، الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، إن وزارة الخارجية طمأنت زعيم المجموعة بأن تركيا لن تهاجم الأكراد، والآن مع مغادرة القوات الأمريكية لتل أبيض إلى رأس العين، فإن تركيا «على أهبة الاستعداد»، وأضاف: «كانت ذلك مفاجئا للجميع.. لقد تم إخلاء نقاط المراقبة الأمريكية كلها». وتذكر المجلة أن ترامب أكد، في سلسلة من التغريدات يوم الاثنين، هذا القرار، ووعد بأن يعيد القوات الأمريكية إلى الوطن، واعترف بدور الأكراد في مكافحة تنظيم الدولة، وقال إنه «دفع لهم مبالغ كبيرة من الأموال والمعدات للقيام بذلك»، وغرد ترامب قائلا: «لقد حان الوقت للخروج من هذه الحروب الغبية التي لا نهاية لها، وكثير منها قبلية، وإعادة جنودنا إلى الوطن»، وأضاف: «نحن على بعد 7000 ميل، وسوف نسحق تنظيم الدولة مرة أخرى إن اقتربوا منا». ويورد التقرير نقلا عن مسؤول في وزارة الدفاع، قوله إن إسبر وميلي كانا على اتصال خلال عطلة نهاية الأسبوع مع فريق الأمن القومي في البيت الأبيض، بما في ذلك وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي روبرت أوبرايان، وأضاف أن إسبر سيتصل بالحلفاء والشركاء المتأثرين، مشيرا إلى أنه لدى سؤاله إن كان من بين الحلفاء قوات سوريا الديمقراطية، فإن المسؤول لم يقدم جوابا. وتستدرك الكاتبة بأن المسؤولين يخشون بأن يفتح قرار ترامب المتهور الباب لعودة تنظيم الدولة، لافتة إلى قول المتحدث باسم قوات سوريا الحرة، مصطفى بالي، يوم الاثنين، بعد الإعلان، بأن القوات اضطرت لسحب بعض قواتها التي تحرس معتقلي تنظيم الدولة «لمواجهة الغزو التركي». وتنقل المجلة عن مسؤول في الإدارة، قوله: «لقد قلبت تركيا عامين من الجهود لهزيمة تنظيم الدولة». ويورد التقرير نقلا عن المتحدثة باسم البنتاغون، الملازم كارلا غليسون، قولها يوم الاثنين بأن مركز العمليات الجوية المشترك ومركز القيادة والسيطرة للعمليات الجوية في الشرق الأوسط، قاما بتنحية تركيا من عملية ترتيب المهمات الجوية، وأوقفت معلومات عمليات التجسس والمراقبة عن أنقرة، الأمر الذي يعني أن تركيا ممنوعة من الأجواء على الحدود السورية، ما يصعب من القيام بهجوم منسق. وتنوه سيليغمان إلى أن دعم أمريكا للأكراد السوريين كان مصدر توتر بين أنقرة وواشنطن منذ بدأت أمريكا في دعم المجموعة عام 2014، مشيرة إلى أن الذراع العسكري لقوات سوريا الديمقراطية يقود وحدات حماية الشعب الكردية، وهي مليشيا كردية تنظر اليها أنقرة على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي قاد تمردا على مدى ثلاثة عقود في تركيا. وتشير المجلة إلى أن أردوغان دفع لفترة طويلة نحو إنشاء «منطقة آمنة» تسيطر عليها تركيا على الحدود التركية السورية، لطرد مليشيا وحدات حماية الشعب، التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، لافتة إلى أن المسؤولين الأمريكيين حاولوا في الأسابيع الأخيرة العمل على تطبيق آلية أمنية مصممة لإرضاء تركيا وطمأنة الأكراد بخصوص تهديدات أردوغان المتكررة بالقيام بهجوم عسكري، لكن أردوغان أعلن مؤخرا عن خيبة أمله من الجهود المبذولة لتطبيق الاتفاق. وينقل التقرير عن مسؤول في الإدارة، قوله للمراسلين في وقت متأخر من يوم الاثنين، بأن الرئيس علم عن نية تركيا في سوريا، بما في ذلك العملية العسكرية، وربما الجهود لإعادة اللاجئين السوريين يوم الأحد، مشيرا إلى أن الرئيس قرر نقل «50 إلى 100» جندي من القوات الخاصة قرب الحدود خارج المنطقة؛ لئلا يكونوا في خطر إن اندلع قتال بين الأتراك والأكراد. وأكد المسؤول قائلا: «هذا لا يشكل انسحابا من سوريا.. نحن نتحدث عن عدد صغير من الجنود الذين سينقلون إلى قواعد أخرى في سوريا». وتفيد الكاتبة بأن الأكراد يخشون من أنه دون الوجود الأمريكي على الحدود، فإن الأتراك أو القوات التي تدعمها تركيا، سيجتاحون شمال شرق سوريا، ويقتلون المدنيين، كما فعلوا العام الماضي في حملة دموية في عفرين شمال غرب سوريا. وتورد المجلة نقلا عن المسؤول البارز في الإدارة، قوله للمراسلين بأن ترامب حذر تركيا من مهاجمة الأكراد، وأشار إلى تغريدة رئاسية سابقة، قال فيها ترامب بأنه سوف «يدمر الاقتصاد التركي» إن وقع مثل ذلك الهجوم، وأضاف المسؤول بأنه «لا معلومات لديه تشير» إلى أن تركيا ستقوم بمثل ذلك الفعل. ويستدرك التقرير بأنه في مؤشر على الأزمة الإنسانية القادمة، فإن الأممالمتحدة دعت تركيا لعدم الإضرار بالمدنيين، لافتا إلى أن الأممالمتحدة تقوم حاليا بتقديم المساعدات لسبعمئة ألف شخص في شمال شرق سوريا. وتقول سيليغمان إن هذه ليست هي المرة الأولى التي يصدر فيها ترامب إشارات بأنه سيتخلى عن الأكراد، ففي تحرك تسبب باستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس ومبعوثه الخاص للتحالف العالمي ضد تنظيم الدولة، بريت ماكغيرك، أعلن ترامب في كانون الأول/ ديسمبر 2018 بأنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو قرار تراجع عنه جزئيا منذ ذلك الحين، وفي تغريدة في يناير وعد ترامب أردوغان بالسيطرة على منطقة آمنة عرضها 20 ميلا على الحدود. وتلفت المجلة إلى أن عدد القوات الأمريكية في سوريا تراجع منذ تلك التغريدة من 2000 إلى حوالي 1000، بحسب مسؤول وزارة الدفاع، بينهم حوالي 150 جنديا في قاعدة التنف، وهي قاعدة نائية في جنوب شرق سوريا بالقرب من الأردن، والبقية في شمال شرق سوريا. وينقل التقرير عن المسؤول الكبير في الإدارة، قوله متحدثا إلى المراسلين يوم الاثنين: «هدفنا النهائي هو إخراج القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، والسماح للأطراف المختلفة في المنطقة بتقرير مستقبلها.. لكن ليس هذا هو الوقت لمثل هذا التحرك حالا، سنحرك 50 جنديا داخل سوريا». وتنوه الكاتبة إلى أن ماكغيرك غرد يوم الاثنين، قائلا: «دونالد ترامب ليس القائد العام، إنه يتخذ قرارات متهورة دون علم ولا استشارة، ويرسل الجنود إلى المخاطر دون دعم، ويقوم بالتوعد، لكنه يترك حلفاءنا مكشوفين عندما يقوم الخصوم بتحديه أو حين يواجه مكالمة هاتف قوية». وتورد المجلة نقلا عن الباحث الزائر لمركز كارنيغي في أوروبا، سنان أولغين، قوله ل»فورين بوليسي»، إنه أكثر من أي شيء آخر، فإن التحرك الأمريكي يسمح «لترامب بأن يعود إلى قراره الأصلي بالانسحاب الكلي من سوريا». وتختم «فورين بوليسي» تقريرها بالإشارة إلى قول أولغين: «إنه لا يرى أن لسوريا أهمية استراتيجية لأمريكا، بالإضافة إلى أنه لم يرد أن ينفر تركيا تماما، في وقت وصلت فيه سياسة الاحتواء تجاه إيران إلى مرحلة حرجة، وفي المحصلة اضطر أردوغان ترامب أن يختار بين تركيا أو وحدات حماية الشعبة الكردية.. يبدو أن ترامب اختار تركيا». من سيملأ الفراغ الذي ستتركه أمريكا؟ نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالا لمؤسس شبكة «غلوبال وونك» والزميل غير المقيم في معهد السياسة الخارجية في جامعة هوبكنز، بلال بلوتش، يقول فيه إن الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا يعلم بداية الصراع على سوريا ما بعد أمريكا. ويشير بلوتش في مقاله إلى أن «الانسحاب الأمريكي هذا الأسبوع أدى إلى نقاشين داخل عواصم المنطقة، النقاش الأول والملح حول المدى الذي يمكن فيه الثقة في الولاياتالمتحدة بصفتها شريكة في ضوء تخليها عن الأكراد، مع أن الصورة عن أمريكا بصفتها حليفة لا يوثق بها تسبق المناورة المفاجئة لدونالد ترامب». ويلفت الكاتب إلى أن «النقاش الثاني غير محدد، لكنه يترك تبعاته الكبرى، وهو ما يتعلق باللاعبين المتبقين في سوريا، فالخروج الأمريكي يخلق فوضى أخلاقية في الحرب السورية، التي مضى عليها أكثر من ثمانية أعوام، ولا يوجد ما يشير إلى اللاعب الذي سيستفيد من الخروج الأمريكي، ففي الوقت الذي انهارت فيه شراكات فإن شراكات أخرى تعمقت». ويجد بلوتش أن «من الواضح أن هناك خلافات ستظهر بين الدول الثلاث اللاعبة الأخرى في المشهد السوري، وهي روسياوإيرانوتركيا، التي اتحدت في الماضي ضد الولاياتالمتحدة ومصالحها في المنطقة، مع أن هذه الدول تعمل منذ وقت على حل للنزاع، من خلال ما يعرف بمجموعة أستانة، وضمن إطار اللجنة الدستورية التي تشرف عليها روسيا، ولم يتم التقدم على هذه الساحة بسبب الخلافات بين موسكو وطهران وأنقرة. «ويلفت الكاتب إلى أنه «مع بدء العملية التركية في المناطق، التي كانت تحت سيطرة الأكراد، حلفاء أمريكا، فإن الرد الروسي بدا مزيجا من الخوف المبطن والمواقف الصريحة الداعية للحفاظ على وحدة الأرض السورية وضبط النفس». ويرى بلوتش أن «إحباط الكرملين من تركيا سيزداد؛ لأن العملية العسكرية ستعرض المحادثات حول الدستور للخطر، وستؤثر على جهود بشار الأسد في تعزيز سيطرته على ما خسره من البلاد». وينوه الكاتب إلى أنه «في العواصم العربية، خاصة السعودية والإمارات، فإنه تم تلقي الانسحاب الأمريكي بنوع من الذعر، فلم يمض سوى عام على إعادة الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، وفتح سفارتها في دمشق من جديد، واستخدمت الإمارات وضعها الجديد للمساعدة في العملية السياسية، من خلال القنوات السرية مع الحكومة السورية وبتشجيع روسي، ورفض وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الخطة التركية لإنشاء منطقة عازلة بالطريقة التي تقوم بها تركيا اليوم». وينقل بلوتش عن قرقاش، قوله في مقابلة هذا العام، إن «الإمارات تتعاطف بشدة مع الأكراد، وتفضل حماية لهم في إطار سوريا موحدة»، وأضاف: «بلادي قلقة من التصريحات القادمة من تركيا حول القوات الكردية، ونعتقد أن التهديدات التركية تمثل خطرا حقيقيا، وأي تدخل من قوى غير محلية في أراض عربية ننظر إليه بشكل سلبي». ويقول الكاتب: «أما في السعودية، فإن الانسحاب الأمريكي سيؤدي إلى زيادة التوتر مع تركيا، الذي تصاعد معها بشأن الإخوان المسلمين وقطر واختفاء وقتل الصحافي جمال خاشقجي العام الماضي، وقامت السعودية بتقديم الرأسمال الدبلوماسي والاقتصادي لتخفيف التوتر بين قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والقبائل العربية في شمال سوريا، ولهذا لن تكون الرياض راضية عن التدخل التركي الذي يهدد الجهود التي قامت بها». ويفيد بلوتش بأن «الأحداث الأخيرة تعد أسوأ ما شهدته العلاقات التركية السعودية منذ تحالفهما القوي بعد الغزو العراقي عام 2003، حيث عمل البلدان معا لمنع وقوع البلد تحت السيطرة الإيرانية، ففي ذلك الوقت أدى الانقسام الطائفي في المنطقة إلى تحالف قوي بين الرياضوأنقرة وبقية الدول السنية، وربما حدث الأمر ذاته في حالة سيطرت الجماعات غير الدول الطائفية على الوضع في سوريا». ويبين الكاتب أنه «لم يمض وقت طويل عندما أعاث تنظيم الدولة الفساد في المنطقة، وقدم نفسه، كما يلاحظ الباحث فالي ناصر، على أنه وريث للخلافتين الأموية والعباسية، اللتين حكمتا إمبراطوريتين من دمشق وبغداد». ويقول بلوتش إن «خروج الأمريكيين سيثير المخاوف في إيران، وكذلك بين حلفائها، من إمكانية عودة تنظيم الدولة، وإن بصورة جديدة، وقد يوحد ظهوره هذه الجماعات، كما حدث في العراق، من خلال الحشد الشعبي الذي قاتل جماعات تنظيم الدولة». ويذكر الكاتب أن مراقبين لاحظوا عودة للتنظيم في مدينة الرقة، مشيرا إلى أنه في حال اندلع فيها النزاع الطائفي في المنطقة من جديد، فإنه سيتم التخلي عن خطوات التقارب المبدئية بين إيران والسعودية. ويختم بلوتش مقاله بالقول إن «أحداث هذا الأسبوع أظهرت اتفاقا على المستوى الوطني بين دول المنطقة باستثناء تركيا، واتفقت هذه الدول على أن التوغل التركي في شمال سوريا لا يهدد الأكراد فحسب، لكنه يهدد استقرار سوريا أيضا، ما يعني استمرار الحرب الأهلية التي بدأت قبل ثمانية أعوام».