لم يكن صباح الاثنين 2 شتنبر 2019 بحي الفرح، صباحا بطقوس رتيبة واعتيادية جريا على عادة المنطقة، إذ استفاق السكان بهذا الحي التابع ترابيا لعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بالدارالبيضاء، على خبر جريمة مفجعة، يختلف عن الأخبار الإجرامية المألوفة هنا وهناك، والمتمثل في العثور على جثة متفحّمة في مشهد شبيه بسيناريوهات أفلام الرعب، التي كان البعض يعتقد أنها من نسج الخيال فقط، وبأن الضرورة «الفنية» تقتضي حبك مثل تلك المشاهد والأحداث باعتماد التقنيات السينمائية للاستحواذ على اهتمام المتفرجين، فإذا به يعاين بأمّ عينيه، جثة فعلية مكوّمة وقد أتت النيران عليها بالكامل، الأمر الذي جعل الأسئلة تتكاثر والاستغراب يتعاظم، ومعه منسوب الغضب الذي ارتفع بسبب هذا الفعل الإجرامي المقزز، الذي بات الجميع يريد معرفة من أقدم عليه، وما هي الدوافع والغايات، وغيرها من التفاصيل الأخرى التي يمكن للتحريات المنجزة أن تكشف عنها. نيران وجثة كانت الساعة تشير إلى حوالي الساعة السابعة والنصف صباحا، حين نبّه أحد السكان جيرانه بأن النيران تشتعل على مقربة من سيارتهم المركونة في الزقاق، فسارعوا إلى محاولة إخمادها وصبوا المياه على مصدر الحريق دون أن يشكوا للحظة في طبيعته، وهي العملية التي تطلبت منهم بعض الوقت إلى أن تمكنوا من السيطرة عليها. انتهت عملية إطفاء الحريق لكن الرائحة التي انتشرت كانت مقززة وقوية، مما جعل كل من تواجد هناك يشك في ماهية المادة التي كانت تحترق، الأمر الذي دفع أحدهم إلى محاولة النبش فيها، فإذا بالجميع يصدم بعدما تبين أنها جثة إنسان. انتشر خبر الجريمة النكراء، وتعالت الأصوات المنددة بطبيعة الجريمة والمستغربة لكيفية وصول الجثة إلى هذا المكان، وهي التي كانت ملفوفة داخل كيس بلاستيكي وموضوعة بعربة للتسوق من الحجم المتوسط، بكل «عناية»، من قبيل العربات المجرورة التي توجد بعدد من الأسواق التجارية الكبرى. لم يعتقد أحد أن الأمر يتعلّق بجثة إنسان فعندما كان بعضهم يحاول إخماد النيران التي كانت تلتهم الجسد، لم يكن يصدر أي صوت أو أنين، وهو ما يعني بأن جريمة تمت في مكان ما وكانت عملية الحرق آخر فصولها بذلك المكان. استنفار أمني تمكن المواطنون من إخماد النيران المشتعلة دون أن تخبو نيران الأسئلة الحارقة التي كانت تستعر في صدورهم، والتي جعلت الكثيرين يضعون أيديهم على قلوبهم وجلا من حجم البشاعة التي قد يكون البعض قادرا على إتيانها دون أن يرمش له جفن أو ترتعد فرائصه، وفي خضم ذلك سارع البعض إلى ربط الاتصال بالمصالح الأمنية، التي حجّت بكافة أصنافها إلى مسرح الجريمة بالزنقة 59 بحي الفرح، على مقربة من الملحقة الإدارية، سواء تعلق الأمر بعناصر فرقة الشرطة القضائية أو مسرح الجريمة أوحتى من الفرقة الولائية، نظرا لأن الجريمة مرعبة ويلفّها الكثير من الغموض الذي يتطلب تظافرا للجهود وتعبئة بين السلطات المحلية والأمنية من أجل الاهتداء إلى تحديد هوية الضحية وكذا الفاعل أو الفاعلين. انتشر خبر الجريمة كما تنتشر النار في الهشيم، ليس في حي الفرح لوحده وإنما في سائر تراب العاصمة الاقتصادية وخارجها كذلك، وهو ما جعل الكثيرين يتوافدون على الحي من أجل استطلاع ما يقع، دون أن يتمكنوا من التقدم كثيرا لأن عناصر مسرح الجريمة كانت قد «سيّجت» مكان الحادث وشرعت في تحرياتها الميدانية، من أجل البحث عن كل ما يمكن أن يكون مفيدا في تبديد الغموض الذي يلف هذه الجريمة النكراء التي ذهبت ضحيتها، وفقا لمصادر أمنية، سيدة في الثلاثينات من عمرها والتي تكوّمت بفعل النيران التي التهمت جسدها؟ تحريات وأبحاث انطلق عمل المصالح الأمنية بشكل مكثف بعد معاينة مكان الجريمة، إذ وبعد أن تم نقل الجثة إلى مركز الطب الشرعي من أجل إخضاعها للتشريح وفي انتظار تقرير مفصل في الموضوع، الذي قد يبدّد العديد من الأسئلة ويجلي بعض الغموض، فإنه بالموازاة مع ذلك، ركزت المصالح الأمنية المختلفة، كل في دائرة اختصاصه، سواء الشرطة القضائية أو الشرطة العلمية، على البحث عن أدلة تفيد في الاهتداء إلى الجاني أو الجناة، والمعطيات التي لها صلة بالجريمة، إذ تم الشروع في الاستماع إلى شهادات الشهود، والبحث بالاعتماد على الكاميرات المتواجدة بالمنطقة والقريبة من الحي الذي تم فيه العثور على الجثة، كما تم التركيز كذلك على القدّاحة الوردية التي تم العثور عليها بقرب الضحية، والتي قد تكون استعملت في إشعال النيران بعد سكب مادة حارقة عليها، إلى جانب بقايا تبن، وغيرها من التفاصيل الأخرى التي قد تساهم في كشف لغز هذه الجريمة النكراء التي استأثرت باهتمام ونقاشات المواطنين، بالنظر لفداحتها ولفظاعتها، ولم ينافسها في النقاش إلا الفيديو المصور الذي وثّق لتشويه وجه شاب، تم تداوله مساء نفس اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي تحدث عن جريمة اعتداء محتملة بتراب منطقة مولاي رشيد.