نظمت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (أندزوا)، مساء الثلاثاء الماضي بأكادير، لقاءا تواصليا استعرضت فيه مضامين استراتيجية تدخلها لتحقيق التنمية البشرية بعمالة أكادير إداوتنان. ويندرج هذا اللقاء ضمن الأيام التواصلية التي تنظمها الوكالة من أجل تفعيل استراتيجية التنمية الشاملة والمندمجة لخمس جهات و16 إقليما و400 جماعة (جنوب المغرب) بغية تحقيق التنمية البشرية للمناطق المستهدفة، وتثمين الموارد الاقتصادية والطبيعية والثقافية وحماية منظومتها البيئية. وخلال هذا اللقاء قدم المدير العام للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان تقريرا تطرق فيه إلى منهجية عمل الوكالة من أجل تنزيلها على صعيد كل إقليم، في إطار مقاربة تشاركية لتحقيق مشاريع تنموية انطلاقا من المخططات الجماعية للتنمية واعتمادا على مدى جاهزيتها وتوفر الدراسات التقنية الضرورية لإنجازها. وبخصوص عمالة أكادير ادا وتنان، سجل التقرير أن المشاريع المسطرة والممولة تهدف إلى تهيئة البنيات التحتية الأساسية كفتح المسالك القروية لفك العزلة عن المناطق الجبلية والربط بالماء الصالح للشرب والتعليم، بالإضافة إلى مشاريع سوسيو اقتصادية. وتهم هذه المشاريع، حسب التقرير ذاته، تهيئة وفتح 67.6 كلم من المسالك القروية لفائدة 45 دوارا وأكثر من 16 ألف 350 نسمة من الساكنة القروية بكلفة إجمالية بلغت 65 292 565.00 درهما على مدى ثلاث سنوات من 2014 إلى 2016 في إطار صندوق التنمية القروية الذي بلغت حصة مساهمته 58 763 308.00 دراهم بنسبة تمويل بلغت 90 في المائة، و10 في المائة مساهمة المجلس الإقليمي والجماعات المعنية. وأورد التقرير أنه من أجل تفعيل المشروع المندمج للمناطق المتضررة من الحرائق الأخيرة بأمسكرود (غشت 2013) وهي الجماعات القروية لأمسكرود واضمين وأقصري، تم رصد غلاف مالي يناهز 20 مليون درهم على مدى 3 سنوات (2014-2016) بموجب توقيع اتفاقية بين الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان والمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس ماسة. وأوضح أنه انطلاقا من مؤهلات وإكراهات مناطق الواحات وشجر الأركان، وبعد تحليل البرامج القطاعية والمجالية على مختلف المستويات وكذلك احتياجات الساكنة، تمت بلورة رؤية استراتيجية تنموية شاملة ومندمجة بأهداف ومؤشرات مرقمة في أفق 2020. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق فضاءات جذابة وتنافسية ومحمية بيئيا تمكن الساكنة من الاستفادة من مؤهلات المنطقة، وذلك بالعمل على التأهيل البشري والزيادة في نسبة الدخل على مستوى مختلف القطاعات الإنتاجية مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والمحيط الحيوي بصفة مستدامة. وكاستثمار أولي لتأهيل وتنمية الجماعات القروية الأكثر هشاشة تم، حسب التقرير ذاته، تخصيص غلاف مالي يقدر ب 1.12 مليار درهم منها 912 مليون درهم في إطار صندوق التنمية القروية ومناطق الجبال. وللإشارة، فإن مناطق الواحات وشجر الأركان تغطي ما يقرب من 40 في المائة من التراب الوطني و15 في المائة من مجموع سكان المغرب، وهي الحاجز الأخير أمام ظاهرة التصحر، كما تضم موارد طبيعية وفلاحية ومعدنية مهمة ومناظر طبيعية فريدة. ومحميات المحيط الحيوي مصنفة كتراث عالمي من طرف اليونسكو. ..الأركان شجرة من ذهب مهددة بالانقراض يتوفر المغرب على «ثروة غابوية قومية» فريدة من نوعها في العالم، هي شجرة الأركان، التي تنتج زيتا للتغذية وللتجميل، وصلت سمعته إلى اتجاهات العالم الأربعة، وأصبح جزءا من سمعة المغرب عبر العالم. وتعاني شجرة الأركان، بحسب الخبراء، من التأثير السلبي للتغيرات المناخية، ومن ظاهرة الاستغلال المفرط، ومن هجوم قطعان الماشية للرعي خلال فترات الجفاف، ومن مزاحمة الفلاحين المتطلعين للاستفادة من أراضيه، فإلى أي حد نجح المغرب في حسن استغلال عائدات هذه الشجرة، وهل تعاني الأركان من خطر الانقراض؟ في رحلة البحث عن الأركان في الجنوب المغربي، كانت البداية من جبال الأطلس الكبير، في ضواحي مدينة أكادير، من مقر تعاونية نسائية فلاحية، اسمها أفولكي. فبحسب السيدة فاطمة آيت موسى، رئيسة تعاونية، يصل الأركان حبا بالقشور، وأول خطوة في مسلسل الإنتاج هي التخزين في شروط تحترم السلامة الصحية، قبل أن يبدأ الاستخراج بطرق تجمع ما بين التقليدي اليدوي، والعصري باستخدام الآلات، في تجاوب مع طلبات الزبائن. في العام 2004، دخلت السيدة فاطمة عالم الأركان، لتحصل خلال عقد كامل من الكد على شهادات تقديرية عالمية بعد أن وصل إنتاجها إلى كبريات المحلات وشركات التجميل عبر العالم، فاطمة وفي حديثها عن القيمة الاقتصادية لشجر الأركان أكدت أن المرأة القروية المغربية تمكنت من الإنفاق على أولادها، وعلى دراستهم وألبستهم وغذائهم اليومي عبر اشتغالها في الأركان حيث تشتغل حوالي 150 امرأة في تعاونيتها أفولكي، بالإضافة إلى 1500 امرأة في اتحاد موسع للتعاونيات، النسائية في أكادير. تتحدث التقديرات في المغرب، عن 8000 هكتار من شجر الأركان، إلا أن أجراس الإنذار لا تتوقف عن التنبيه خلال السنوات الأخيرة، بحسب نشطاء المجتمع المدني ، قالو أن «تراجع سنوي متواصل لأعداد الأشجار». فخلال ساعة ونصف الساعة من الطريق الملتوية والوعرة بين جبال الأطلس الكبير، في ضواحي مدينة أكادير، يصير مشهد أشجار الأركان «رمادية اللون واضحا جدا»، بسبب الجفاف الذي توالى على المنطقة، لعامين اثنين متتاليين. وفي رحلة البحث عن واقع الأركان في المغرب، تصل العربية إلى قرية أزيار، في ضواحي مدينة أكادير، للقاء امحمد بوخنفر، من أقدم الفلاحين المغاربة، من الذين كانوا سباقين إلى إيصال الأركان إلى العالم، قبل سنوات طويلة، ففي هذه التعاونية تعمل 100 امرأة في الأركان. تجلس النساء المغربيات في قاعة واحدة، وباستخدام حجر على شكل مستطيل، تهرس المرأة الحبة الواحدة من الأركان، وعلى حجر آخر، أكبر حجما، وموضوعا على الأرض، لإزالة القشرتين الخارجتين. ويخضع حب الأركان للتحميص، عقب التقشير، قبل نقله إلى آلات عصرية للعصر واستخراج الزيت الصافي والطيبعي، وقبل حفظ الزيت في خزانات معدنية غير مسربة للضوء، وفي شروط صحية صارمة تستجيب للمعايير الدولية، لأن مقر التعاونية يخضع لرقابة صحية حكومية. ففي حديث لمحمد بوخنفر أكد أن «لا شيء يضيع في الأركان» فمخلفات استخراج الزيت» أو ما يسمى ب «الفيتور»، يتحول إلى «صابون طبيعي» وإلى «مكون أساسي في مواد التجميل». كما أن القشرة الأولى للأركان تصلح علفا للماعز فيما «القشرة الثانية والصلبة تتحول إلى وقود لنار التدفئة والطبخ. وإنتاج الأركان في المغرب، ليس صورة وردية بالكامل ولكنها «شجرة تخفي وراءها غابة من المشاكل»، بحسب «محامي الأركان»، بالرغم من اعتراف للاقتصاديين بأن الأركان «قطاع مربح ماليا» و»موفر لغرص للشغل»، ففي العام 2013 «أنتج المغرب 900 طن من الأركان». فاطمة أيت موحوتش، خبيرة مغربية متخصصة في الأركان، تعلق بأن «ما بين 240 أو 250 تعاونية تشتغل في مجال الأركان»، إلا أن «النصف أو أقل من ذلك، ينجح في التصدير إلى الخارج»، معبرة عن انزعاجها الشديد لأن «حصة الأسد من تصدير الأركان» تظل «محصورة على الشركات سواء الأجنبية أو المغربية» أي عدم استفادة القرويات المكدات سنويا في الأركان. وتدعو الخبيرة المغربية، إلى تثمين الأركان داخل المغرب أي «التفكير في صناعة مشتقات تجميلية وغذائية للأركان، في مصانع وفي مختبرات مغربية»، ومن ثم «تصدير هذه المنتوجات إلى الخارج». وفي جولة ميدانية خارج مدينة إكادير، زرنا «مشروع نموذجي وفريد» ل «زراعة شجر الأركان» لأن «الأركان ليس شجرة معزولة لوحدها»، فهو «مرتبط بالمحافظة على المجال البيئي، والمحافظة على حماية المنطقة من التصحر، والمحافظة على حماية الاستثمارات التي تهدده، فهو يحميها من التغيرات المناخية». إلا أن «الأرقام تتحدث عن تدهور مجال الأركان ب 600 هكتار في السنة»، مضيفا أنوهذه الأرقام قديمة ويمكن أن تكون اليوم أكثر، مشددا على أنه في بداية القرن كان الحديث عن «مليون هكتار كمساحة للأركان» فيما «اليوم الأرقام أقل من ذلك بكثير». لذلك فإن «التحدي الأكبر الذي يواجهه» مع فريق عمله من النشطاء غير الحكوميين، هو «تغيير سلوك المواطن المغربي»، حيال أشجار الأركان مع حاربة الرعي الجائر الذي يصفه مولود ب «الخطر الداهم القادر على الفتك نهائيا بالأركان». وكلمة الأركان من اللغة الأمازيغية، أو «أركانيا سبينوزا» وفق الاسم العلمي، هي تسمية ل «شجرة مباركة» عند المغاربة بحبها وزيتها وسمعتها العالمية. ففي غياب حماية قانونية صارمة في المغرب، فإن شجرة الأركان مهددة بالانقراض» بحسب الخبراء، خلال نصف قرن المقبل، إذا لم يتخذ المغرب حزمة إجراءات للمعاقبة القانونية لكل من يتجرأ على إلحاق الضرر بهذه الشجرة «المدرة لفرص العمل» والمساهمة في سمعة المغرب دوليا و»المنتجة لأكبر زيت مطلوب في مواد التجميل. (عن العربية بتصرف)