في أكتوبر 2002، كان الاتحاد أمام لحظة تاريخية بالفعل، حضر فيها التاريخ كمرجعية تراجيدية، وأخذت العقلنة في تفكير المرحلة شكلا صامتا من أشكال التراجيديا وقد دفع الاتحاد ثمن تراجيديا عقلنة التفكير السياسي في وضع متراكب ومتعدد الأبعاد، النفسي منها والسياسي والتاريخي والتنظيمي والثقافي والإنساني… وكان من أحسن من عبر عن مفارقات شكسبيرية في التفكير الاتحادي وقتها هو قائد المرحلة التي كانت تطوى فصولها، عبد الرحمان اليوسفي. وقد كتب في محاضرته الشهيرة في بروكسيل: «في الحقيقة لقد وجدنا أنفسنا مرة اخرى امام اختيار صعب،مفاده أن عدم مشاركتنا هو الحكم بالفشل على التجربة برمتها. وكان لزاما علينا أن نتساءل حول إمكانية الانتقال الديمقراطي عن طريق التوافق،هذه الطريق التي أردنا أن نقدمها كمثال يحتذى من طرف دول العالم الثالث في الوقت الذي أضحت فيه الديمقراطية مطلبا عالميا. أما عن مشاركتنا وبغض النظر عن عدد وأهمية الحقائب الوزارية المحصل عليها، فكانت تعني أننا نزكي المنهجية غير الديمقراطية في الانتقال الديمقراطي، مع افتراض وجود إرادة سياسية حقيقية لتحقيق هذا الانتقال.» وقد فكر الاتحاديون والاتحاديات بأن اللحظة قد تشبه في بعض ثوابتها ماي 1960، ربما بقدر غير قليل من التماثل في الحنين، وأيضا لأن الاتحاد كان في تلك الفترة بالذات يبني مقومات مغرب جديد مع عبد لله ابراهيم وعبد الرحيم بوعبيد، وقد وجد نفسه على أبواب عهد جديد من نوع آخر.. وحضرت هاته الاسترجاعات في الفكرة، وكان على الاتحاد أن يستخلص منها ما يجب استخلاصه: عدم العودة إلى زمن اللاثقة والحذر ومنطق التوتر… ولعلها الفكرة الأكثر إثارة للانتباه في خضم تلك اللحظة الحادة والقوية. فاتخذ القرار في اللجنة المركزية التي ترأسها اليوسفي بتفويض المكتب السياسي قرار المشاركة من عدمه.. وكان الذي كان، بما كان يوما لم يكن أيضا! بيد أن الاتحاد، ككل فعل مجتمعي وحركة اجتماعية منشغل حقا بتاريخه وبابستمولوجيته، قطيعة كانت أو امتدادا! وهي استراتيجية لا تقف عند بناء وصيانة شرعية قائمة، تتعرض لنوع من الهجوم أو المعارضة من قوى خارجة عنه، بل يتعدى ذلك إلى عملية تفكيرعلى الذات وفيها، تفكير يترجم قناعة بأن ما راكمه، سواء تعلق به أو بالمجتمع أوبالممارسة السياسية، لا يكون ذا معنى وفائدة إلا بشرط استعماله لفائدة الوطن ومن ثمة استعمال ذلك لتفادي القطيعة والتوتر وتعطيل الإصلاح… بعد سنة من ذلك التاريخ، كان على عبد الرحمان اليوسفي أن يعطي روايته النظرية عما حدث وعن تجربته في قمطر قيادة مرحلة تعد بالكثير… وقد قيض للعبد المذنب أن ترجم التقييم الذي قام به عبد الرحمان اليوسفي لتجربة التناوب منذ انطلاق المشاورات وإلى أن جرت انتخابات شتنبر 2002، في المحاضرة إياها ببروكسيل.. وقتها اعتبر الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن تجربة التناوب لم تفض إلى ما كان منتظرا منها. وقال اليوسفي في أول عرض سياسي شامل بعد تعيين حكومة ادريس جطو الجديدة ألقاه في العاصمة البلجيكية بروكسيل يومها، بدعوة من منتدى الحوار الثقافي والسياسي ببلجيكا: “لقد كان قبولنا بقيادة تجربة التناوب مخاطرة أخذنا فيها في الحسبان المصلحة الوطنية وليس المصلحة الحزبية. واليوم وقد انتهت هذه التجربة بدون أن تفضي إلى ما كنا ننتظره منها، بمعنى التوجه نحو الديمقراطية عبر خطوات تاريخية إلى الأمام، التي ستشكل قطيعة مع ممارسات الماضي، فإننا نجد أنفسنا مرة أخرى أمام متطلب وطني يلزمنا بالانتظار سنتين على أمل أن نرى إمكانية تحقق الحلم في انتقال هادىء وسلس نحو الديمقراطية”. وفي معرض الحديث عن الظروف التي أحاطت بتجربة التناوب التي قادها الاتحاد الاشتراكي منذ 1998 إلى حين تعيين الحكومة الجديدة، أكد اليوسفي أن المتحكم الأساسي فيها كان هو المصلحة الوطنية، وفسر ذلك بالقول: ” لقد اخترنا إذن الاختيار الوطني وفضلناه على الحسابات السياسية، يشجعنا على ذلك قبول الملك لمطالبنا التي كررتها مرارا في تصريحاتي الصحفية والمتمثلة في الثقة الملكية والأغلبية البرلمانية المريحة والسند الشعبي، وهي المطالب التي عززها الأداء المشترك لقسم اليمين والعهد.”