أصدر الحبيب المالكي، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، كتابا عن تجربته الحكومية في ظل حكومة التناوب تحت قيادة عبد الرحمان اليوسفي. الكتاب الصادر باللغة الفرنسية، يحمل عنوان: " تجربة قصيرة للتخلص من الأوهام. تناوب على الطريقة المغربية".« La parenthèseLa parenthèse désenchantée: une alternance marocaine ". وقد أصدر المالكي الكتاب بمساهمة الصحفية الصحفية نرجس الرغاي. وحسب الكاتب، فإن الأمر يتعلق "برغبة قوية وعاجلة في فهم الحلم المجهض الذي شكله التناوب التوافقي، وفي فهم لماذا يترك الانتقال الديمقراطي إحساسا، بأن شيئا ما لم يكتمل إنجازه .. وهو ما كاد أن يسبب في أزمة جديدة" بين الفاعلين السياسيين، يضيف الكاتب، وذلك في إشارة منه إلى الأزمة التي خلفها عدم تولي حزب الإتحاد الاشتراكي لدفة الحكومة بعد انتخابات 2002 واختيار إدريس جطو وزيرا أولا. وهو ما كان قد انتقده آنذاك عبد الرحمان اليوسفي واعتبره خروجا عن المنهجية الديمقراطية. في هذا الحيز نتوقف مع ترجمة لفقرات من الكتاب حول إكراهات مرحلة التناوب وإنجازات التجربة وماذا لم يتحقق؟ المالكي في رد على أجوبة الصحافية نرجس الرغاي: - غالبا ما تم الخلط بين التناوب وبين المرحلة الانتقالية. هل لأن عبد الرحمان اليوسفي كانَ يجسد في الآن ذاته فترة التناوب ومرحلة الانتقال الديمقراطي، في نظر بعض المراقبين؟ إن ابتعاد عبد الرحمان اليوسفي يعني نهاية التناوب في مضمونه التاريخي، ولكن لا يعني نهاية الانتقال الديمقراطي. وبهذا الخصوص، لا يوجد نموذج مرجعي واحد، بل هناك عدة نماذج. فالعديد من الدول عرفت نماذج انتقالية ديمقراطية. أستحضر، على وجه الخصوص، إسبانيا، جنوب إفريقيا والشيلي، كلّ هذه الدول عاشتْ تجارب داخل سياق تاريخي شديد الخصوصية يختلف عما عاشه المغرب.وتجدر الإشارة إلى أن عبارة "انتقال ديمقراطي" تجد مغزاها في مصالحة صريحة لا رجعة فيها بين الدولة والمجتمع، وبين الدولة والمواطنين. إن الانتقال الديمقراطي مسلسلٌ في غاية التعقيد، وغالبا ما يكون مهددا. وبهذا، فأولى لهذا المسلسل أن يحتضنه فكر جديد له قناعة راسخة في الديمقراطية وفي الحداثة. - هل ينبغي أن نقف موقف عتاب من النخبة المغربية التي لم تتبن تجربة التناوب، أو تبنتها بشكل خجول؟ إن انسحاب النخبة المغربية، هو في جزء منه واقع قائم الذات. فعدم التزامها يرتبط أساسا بتطور أحزاب يسارية كبرى. إن النخبة، التي لعبت دورا طلائعيا في احترام حقوق الإنسان، والدفاع عن عدد من القيم، قد تركت المجال مفتوحا أمام فاعلين جدد. ومن نتائج ذلك أن تجربة التناوب قد عانت نقصا في الأوكسجين بسبب المشاركة الجزئية والمحدودة لفئة من نخبتنا. - في خضم هذا المسلسل، ما هو نصيب مسؤولية حكومة التناوب؟ كانت لحكومة اليوسفي كل الإمكانيات من أجل إحداث قطيعة فيما يخص باب الحكامة من خلال وسائل وممارسات جديدة. لكني أظن أن النزوع نحو حذر مبالغ فيه، قد أفضى إلى الرقابة الذاتية. - هل تقول إن التناوبَ كان سلعة تجارية، أو وسيلة للبيع أو حلما مغربيا لَم يتحقّق؟ لا أتفق مَعَ وجهة النظر هذه. أؤكد وأعيد أن التناوب جاء نتيجة مسار انطلقَ غداة المسيرة الخضراء. إنه تتويج لما أطلق عليه الاتّحاد الاشتراكي للقوات الشعبية "المسار الديمقراطي" وذلك منذ 1976. حينها كان المغرب يرزَح تحت أزمة خانقة. إن الوعيَ بالرهانات الجديدة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي وضع الكل أمام مسؤولياته، مفضيا إلى تقاسم قناعة مشتركة: يجب إنقاذ ما هو أساسي، ووضع المغرب في المسار الصحيح . ففي هذا السياق جاءت فكرة التناوب . - هل يتعلق الأمر بتناوب توافقي؟ لقد أكدت سابقا أنه لا يجب أن نخلط بين التناوب والانتقال الديمقراطي. والمفارقة أن نهاية تجربة التناوب التاريخي لسنة 2002 فتحت الطريق إلى ممارسة التناوب الذي نعيشه منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة سنة 2007. هناك اليوم تقليد معروف لدى الجميع يتمثل في كوْن الحزب الذي يحصل على الأغلبية في الانتخابات التشْريعية، يتحمل مسؤوليته على رأس الحكومة. - إن المسار الديمقراطي يتقوى. والمنهجية الديمقراطية أصبحت أكثر فأكثر محترمة. هل تبخر بشكل أو بأخر، حلم التناوب، خصوصا بالنسبة للعالم السياسي الذي تنتمي إليه؟ لن أتحدث عن تبخرحلم، لأن ما هو أساسي هو أن المغرب أَخَذَ مساره الصحيح، بالإضافة إلى أن المنهجية الديمقراطية، باستثناء تجربة( 2002-2007) أصبحت قاعدة يتبناها جميع الفاعلين بآفاق جديدة. واليوم، يجب أن تحترم مسبقا قواعد اللعبة، أي داخل تنافس سياسي صحي، وحياد مسؤول من طرف الإدارة. وفي نفس الوقت، لا بد من إعلان حرب لا هوادَةَ فيها على عاملين يشكلان خطرا على الصرح الديمقراطي: استعمال المال والترحال السياسي. - تتحدث عن حدود تجربة التناوب...؟ أود أن أقتصر هنا على الجانب السوسيو- اقتصادي من أجل إبراز أنه للأسف لم نتمكن من أو لم نعرف كيف نضع أسس نموذج حقيقي للتنمية، كما كان عليه الأمر سنة 1960، مع حكومة عبد الله إبراهيم. فقد كانَ أول مخطط خماسي لسنوات (1960-1964 ) تعبيرا عن استراتيجية قطيعة مع النظام السائد من قبل. لقد تغَير السياق العالمي. وتبرز حالة المغرب أن نهاية القرن الماضي تختلف بكثير عن فترة نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات. لكن كان ينبغي التفكير في التنمية على أساس نموذج نوعي واستراتيجي. وهذا ما يفسر كيف أننا اعتمدنا أكثر على أسس النموذج التنموي التقني الليبرالي، وهو نموذج لم يأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي، ولا تطلعاته ولامطالب الشرائح الاجتماعية الجديدة، ومن بينهم الشباب والنساء. - وكيف يمكن لحكومة يقودها اشتراكيون أن تتبنى نموذجا تقنيا-ليبراليا؟ لقد كانت تنقصنا الشجاعة، والنزعة الإصلاحية هي التي انتصرت. - هل فضلتم ألا تكونوا مزعجين؟ إن الخشية إن لم أقل الخوف من أن نكون مزعجين هي التي جعلتنا محافظين. وهذا الخوف، بمعنى من المعاني، أنضَبَ مخيلتنا، وحد من روح المبادرة عندنا. كنت دافعت عن مجموعة من الأفكار، من بينها على الخصوص ضرورة ترشيد عملية اتخاذ قرارات اقتصادية ومالية من خلال تحديث جهاز الدولة. كما دافعت كذلك عن فكرة الإسراع بتفعيل اقتصاد حقيقي للسوق، وليس وضع السوق في حد ذاته. ولا مجال للمقارنة بين الفكرتين. وهذا يعني فرضَ احترام قواعد اللعبة بتحرير نمو الربح المرتبط بالاحتكار والمضاربات، ووضع حد لسلسلة من التداخلات التي تجعل من عملية اتخاذ القرارات عملية ضبابية إن لم تكن معتمة. كما كان ضروريا آنذاك تطوير الطبقة الوسطى بشكل فعال، وذلك بخلق مناصب شغل، حماية القدرة الشرائية، ووضع تدابير موجهة نحو تخفيض الأسعار التي تتعلق قطاعات الاتصال السمعي البَصري، وقطاع الأبناك، والسكن، ووسائل النقل... وبالتالي كان من الواجب الاتجاه نحو عدالة ضريبية أكثر، وذلك بتخفيض هامش الدخل عن طريق ضريبة مناسبة، وهذا يعني توزيع العائدات التي من شأنها المساعدة على خلق ذرع اجتماعي من شأنه المحافظة على استقرار المجتمع وتنشيط النمو. - هل طُرحَ مثل هذا النقاش داخل الحكومة وداخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟ لم يكن هناك نقاش عميق حول الخيارات الاقتصادية، والمالية والاجتماعية. وهذه أسئلة كانت تتطلب تفكيرا عميقا. كان علينا بحق أن نتجنب الحديث عما جرى خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2002 بحيث كان الفرق في الأصوات المحصل عليها طفيفا بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال. - أنتَ تثير أسئلة أساسية تتعلق بالهوية الاقتصادية والمالية. علما أن حزبكم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو الذي كان يشرف على القطاعات الاقتصادية الحيوية بالنسبة من خلال وزارة المالية. هل كان للجهاز التنفيذي وعي بأنه لم يحدث قطيعة مع نموذج اقتصادي ما؟ فيما يخص هذه الميادين، فقد أشرت سابقا إلى أنه غلبت علينا النزعة الإصلاحية. فالتشخيص الذي من شأنه أن يفهمنا أننا في وضعية صعبة، كان يجب بالضرورة أن يؤدي إلى تبني طرقَ علاج جديدة غير إصلاحية. وهذا ما لم نلجأ إليه. لقد حاولنا علاجَ المشاكل بطرق تقليدية. إن ما زلنا نطالب به يبقى صالحا، بمعنى ضرورة وجود نموذج جذاب يستأثر باهتمام الرأي العام، وخصوصا بالنسبة لقاعدتنا الاجتماعية، أي نموذج كفيل بتحرير النمو من كل إكراهاته، وفي الوقت ذاته نموذج تنموي يعثر فيه الشباب والنساء والفاعلون والعالم القروي على مكانهم الخاص.وهذا ما لم تقم به حكومة التناوب.في هذا المجال، أُصر على القول بأننا أَضَعنا فرصة سانحة.