بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة الجمعة 12 أكتوبر 2018، كان خطاب جلالة الملك، وهو يعلن باسمه الشخصي وباسم كل المغاربة في كل مكان من هاته الرقعة الجغرافية والتاريخية والحضارية التي تسمى المغرب الملل الجماعي والعياء التام والكامل من الانتهازيين، ومن الذين يريدون من المغرب ان يعطيهم فقط، ولا يريدون بالمقابل أن يعطوه شيئا. المغرب «يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين، وأي مواطن، كيفما كان، ينبغي أن توفر له نفس الحظوظ ، لخدمة بلاده ، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة ، من خيراته، ومن فرص النمو والارتقاء « هكذا تحدث جلالة الملك، وهكذا التقط المغاربة العبارة بكل الوضوح التام والكامل وفهموا المغزى منها والمراد من قولها وعرفوا ايضا المعنيين بها…. المغرب «يحتاج، اليوم، وأكثر من اي وقت مضى، الى وطنيين حقيقيين ، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين» هكذا شدد صاحب الجلالة على حاجة المغرب ايضا «الى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات». وحده شيء أساسي لا زال ثابتا في النبض ، في العرق، في الفؤاد : حب الوطن . هذه البلاد ، نعيش فيها وتحيانا، نرى مشاكلها اليومية، نقسو عليها احيانا، ونتبرم ونمل ونقول كاذبين، لو وجدنا التأشيرات لعبرنا الى اي مكان اخر وهربنا»، ثم حين الهروب حقا منها تهجم علينا كلها ، وتسكن فينا كل المسام .تدمع منا الأعين كلما ذكر اسم المغرب امامنا ، ونتمنى فقط لحظة العبور، لكي نعود إليها ونطلب الكثير من الاستغفار، اننا لم نعطها حقها، وأننا لم نعرف قيمتها وأننا ساهمنا مع المساهمين في سبها، في النيل منها، في انتقادها في المليئة والفارغة. لنا النماذج امامنا، ترى، تتابع، تتوالى، كلها تقول لنا الشيء الواحد ذاته: مثل هذا البلد لن نجد ابدا، ومثل هذه القدرة على الحب لهذا الوطن ، لن نلفي وإن بحثنا في كل مكان. فقط علينا أن نجد الفوارق السبعة بين حب الوطن لوجه الوطن، وبين حبه لأنه يعطينا أو كرهه لأنه نسي أن يعطينا بعض الفتات. قالها الكبير يوما في العبارة التي يحفظها الجميع «لا تسألوا أنفسكم ماذا أعطانا وطننا بل اسألوا أنفسكم ماذا اعطيتم لهذا الوطن» لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية ، غير قادر على مداراة نفسه: هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به، المفتخرين بالانتساب إليه ، المصارحين بحقائقه كلها صعبها وسهلها، حلوها ومرها ، لكن المنتمين له لا إلى أي مكان آخر. اختار جلالة الملك في 6 نوفمبر 2018، التذكير بالوضوح التام في التعامل مع تجار القضية الوطنية، مذكرا بقرار القطع مع الريع والابتزاز والمتاجرة بالقضية. جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء «… من يريدون وضع الوطن في خدمة مصالحه، هؤلاء الذين جعلوا من الابتزاز مذهبا راسخا، ومن الريع والامتيازات حقا ثابتا، ومن المتاجرة بالقضية الوطنية، مطية لتحقيق مصالح ذاتية. كما نعرف أن هناك من يضعون رجلا في الوطن اذا استفادوا من خيراته، ورجلا مع اعدائه اذا لم يستفيدوا». وجاء خطاب العرش ليلة الاثنين 29 يوليوز 2019، وكان خطابا منسجما ومكملا لخطب جلالة الملك محمد السادس في الآونة الأخيرة، خطب تتميز بسمات جديدة لم يألفها المواطن من قبل ولم يتعود عليها ذوو المناصب والمحتكرون للثروة والسلطة…. خطب متجددة وحداثية تتماشى وروح العصر، بل وتحمل في طياتها حمولات سياسية واقتصادية واجتماعية بلغة سلسة واضحة يفهمها ويتذوقها الجميع… وجاء خطاب العرش ليعلن وجوب إجراء قطيعة نهائية مع الريع والعبث، يقول صاحب الجلالة «.. بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع. مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات.. لذا، يجب إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص». هكذا يتبين بكل وضوح وصرامة، أن صاحب الجلالة يدعو وجوبا إلى احداث قطيعة، قطيعة نهائية، قطيعة بالمعنى البنيوي ، القيمي، السياسي والسوسيولوجي مع السلوكات والتصرفات التي تعيق استكمال بناء مغرب الأمل والمساواة … وجب اذن، القطع مع ثقافة النهب والعبث، والتأسيس لثقافة العمل والمسؤولية.