انتخاب المغرب بالأغلبية لتولي منصب نائب رئيس منظمة الأنتربول عن القارة الإفريقية    "خطاب المسيرة".. سحب ضمني للثقة من دي ميستورا وعتاب للأمم المتحدة        جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة    جو بايدن يشيد بهاريس رغم الخسارة    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين    نجم منتخب أوروغواي السابق دييغو فورلان يحترف التنس    شخصيات رياضية تكرم محمد سهيل    كلميم تطلق تشييد "مركب لالة مريم"    وزارة الصحة تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    الموقف العقلاني والعدمي : نموذج كلية الطب للرباط    كيوسك الخميس | القطاع السياحي يواصل تحطيم أرقام قياسية    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مطالب برلمانية بالتحقيق في "الغشّ في إنتاج زيت الزّيتون"    جلالة الملك يقرر إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج    "الحرمان من الزيادة في الأجور" يشل المستشفيات العمومية ليومين    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس        انخفاض عدد المناصب المحدثة للتعليم العالي إلى 1759 منصبا في مالية 2025    التّمويل والصّيانة تحديات تحاصر أجرأة مشاريع برنامج التنمية الحضرية لأكادير    رئيس جهة طنجة يقود تدشين مشاريع بنية تحتية لتعزيز التنمية بإقليم العرائش    300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا .. والوزارة تقترح هذه الخطة    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    لأول مرة.. شركة ريانير الإيرلندية تطلق خطوط جوية للصحراء المغربية    السعودية: ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار    الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يبرمج تسهيلات مهمة للمتقاعدين    ماهي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    اختتام فعاليات جمعية صدى الشمال في النسخة الثانية من مهرجان الطفل    "خطاب الحسم".. الملك يوجه رسائل قوية إلى خصوم الوحدة الترابية للمغرب    هذه انعكاسات عودة ترامب إلى البيت الأبيض على قضية الصحراء المغربية‬        الإصابة تبعد تشواميني عن ريال مدريد نحو شهر        الجمهوريون يقتربون من السيطرة على مجلس الشيوخ الأمريكي    شركة "إنيرجين" تتجه لإيقاف أعمال التنقيب عن الغاز بالعرائش    انطلاق مهرجان وجدة الدولي للفيلم المغاربي في نسخته 13    دراسة: أحماض أوميغا 3 و 6 تساهم في الوقاية من السرطان            انطلاق الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بالناظور    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    ابتسام بطمة ترد على شائعات العفو الملكي    برنامج يخلد المسيرة الخضراء بمونتريال    "مهرجان سينما الذاكرة" يناقش الدبلوماسية الموازية في زمن الذكاء الاصطناعي    "فيفا" يلزم الوداد والأندية بالمشاركة بأقوى اللوائح في "موندياليتو 2025"    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة            كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشرون سنة من البنيان.. على أمل عشرين أخرى للإنسان..
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 07 - 2019

الذين يعرفون مغرب المرحوم الحسن الثاني، الذي انتهى بتقديم نقد ذاتي قوي وصريح عنوانه : «بعد 38 سنة من الحكم، فإن البلاد على شَفَا سكتة قلبية « ..
الذين عاشوا و «تجرعوا « مرارات هذا العهد (الذي كان له أيضا بعضُ ميزات وإيجابيات ) ، وعايشوا وتابعوا العهد «الجديد» ، وتوسلوا إلى منطق التقابل والمقارنة بعقل «دياكروني Diachronique « …لابد أنهم سيستذكرون ويرددون المقولة الدائمة الحياة للفقيد عبد الرحيم بوعبيد «مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس «.
هكذا إذن، وعلى وقع إرث سلبي ضخم على كل المستويات والأصعدة والقطاعات والمجالات، انطلق عهد محمد السادس،السلطان/الملك الثالث والعشرين ضمن سلالة العلويين بكثير من الرمزيات الإيجابية المعبرة ، التي فتحت طرق سيارة في وجه أمل مغربي آخر و حلم جماعي بمغرب آخر … لعل أبرزها الاختلاف الجوهري في سرعة وشكل وطبيعة و شخوص و»حداثة» مراسِم توقيع عقد بيعة الملك الجديد ، و لو أن عبد لله العروي في كتابه «خواطر الصباح 1999-2007 المغرب المستحب أو مغرب الأماني» يذكر بأن «أول خروج رسمي من القصر إلى مسجد السنة حسب التقاليد العتيقة: اللباس سليماني، العربة عزيزية، والعودة إلى القصر على صهوة جواد أسود كما في لوحة دولاكروا» مضيفا أن معنى التقليد هو « ذوبان شخصية الفرد في أمثولة (راموز) قاهرة للزمن منافية للتغيير «.
ومع ذلك، ورغم الطابع التقليداني الراسخ لكثير من الطقوس، فقد واصل الملك اختراقاته «التحديثية» ، انطلاقا من الاحترام الدائم والدقيق للمواعيد المعلنة لخطبه (المكتوبة دائما ) ، مع التغير التدريجي في لغتها وموضوعاتها والأسئلة التي تثيرها وصراحتها ، مرورا ببلاغ إعلان انفصال الأميرة مريم عن زوجها(و هي سابقة ) ، إلى تسريح الحريم، و زواج الملك بواحدة من عامة الشعب وإخراجها إلى الحياة العامة، ونزوع الملك المسترسل إلى ملاقاة كل مناطق وفئات وشرائح البلاد ، و إقامة الملك بخيمة أثناء زلزال الحسيمة، وإعفاء وزير داخلية العهد الماضي، وإرسال المسؤول الأول عن أمن القصور إلى السجن، والترفع عن متابعة صحافة تجاوزت كل حدود اللباقة واللياقة واتهمت الملك شخصيا بتلقي رشاوى، وإطلاق مسلسل المصالحات الكبرى: الإنصاف والمصالحة، خطاب أجدير، مدونة الأسرة، المفهوم الجديد للسلطة، مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمملكة، الحرص على شفافية ونزاهة أكثر للعمليات الانتخابية (مع تسجيل أن الخروج عن المنهجية الديمقراطية كان نقطة غير مضيئة في هذه اللوحة التي ظلت لامعة إلى حينه)، الرسالة الملكية إلى المحتفين بذكرى اختفاء عريس الشهداء المهدي بنبركة ..وصولا إلى التجاوب الملكي السريع والعميق مع مطالب النسخة المغربية للربيع «الخريفي» التي انطلقت في ذكرى اليوم الأممي للعدالة الاجتماعية (20 فبراير ) ، وهو التجاوب الذي أثمر دستورا أقل ما يمكن أن يقال عنه، أنه لاسابق للمغرب به، حتى إنني سمعت شخصيا من أحد أشد المعارضين وهو السي محمد اليازغي «أنه سعيد، لأن لله أحياه ليعيش هذه اللحظة الفارقة في تاريخ المغرب » .
ثم واصل العهد «الجديد « مسلسل الاستفزاز الإيجابي للضمير والعقل الجمعي المغربي عبر طرح قضايا و أسئلة… الثروة، وفعالية ونجاعة النموذج التنموي المعتمد، والعدالة الاجتماعية والضريبية والمجالية،و الإدارة المغربية، والجهوية المتقدمة ، واللاتركيز الإداري، وإصلاح الحقل الديني، وأدوار ومهام النخب و الأحزاب، ومتانة وفعالية المؤسسات، والهجرة ، و التغير المناخي،ومكانة ومستقبل الشباب والنساء ، و النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية كبديل عن سياسة الريع والامتيازات، وطبيعة وشكل موقعنا وعلاقاتنا بمحيطنا الإقليمي المغاربي، والقاري الإفريقي، والقومي العربي، والدولي الأرومتوسطي والعالمي.
و في كل هذا، وغيره كثير وكثيف، ساد الإحساس لدى المتابع الموضوعي، المعتمد على منطق التاريخ لا الأهواء في تقييم الأشياء والحكم عليها..بأن هاجس و وقود تحركات ومبادرات وخطابات المؤسسة الملكية كمؤسسة مركزية في النظام السياسي المغربي، كان و لا يزال هو تدارك ما تم هدره من وقت وطاقة وإمكانات، ومحاولة معالجة وردم ما تراكم من اختلالات و تفاوتات، وتصحيح صورة مملكة طالما اهتزت و تلطخت …رغم أن الإمكانيات هي نفسها و ذاتها التي كانت .. لكن الإرادات ليست ذات ونفس الإرادات التي سادت.
لقد بذلت المملكة كثير جهد سياسي ودستوري وثقافي و ديبلوماسي وحقوقي… جهد رمزي ومادي أثمر ما أثمره من نتائج جعلت البلاد في صورة ووضع وموقع جيوسياسي أفضل بكثير، مما كانت عليه بشهادة مؤسسات وهيئات ومختبرات ومنظمات ودول و شخصيات…صديقة و خصمة.
كما بذلت المملكة كثير جهد اقتصادي وتنموي و تجهيزي واستثماري أثمر من بين ما أثمره ، قطار فائق السرعة، ومئات الكيلومترات من الطرق السيارة ، و ميناء متوسطي تنافسي عالميا ، وشبكة محطات قطارات رائعة، و شبكة طرامواي مهمة، ومحطات طاقة شمسية هائلة، ومناطق صناعية حديثة لاحتضان المهن الجديدة، ومطارات متجددة، ومدن وجهات تغير وجهها بالكامل نحو الأفضل (الشمال) ووكالات للتهيئة فعالة و ناجعة ( بحيرة مارتشيكا ، أبو رقراق، الأقاليم الجنوبية، أقاليم الشمال، أقاليم الشرق، الواحات،… ) ، استثمارات أجنبية متزايدة، وشراكات اقتصادية و تجارية انضافت إلى التقليدية ( إفريقيا ،الصين، الهند ، أمريكا اللاتينية، روسيا، تركيا، آسيا، ….) ، و استراتيجيات قطاعية ومندمجة شاملة ( المغرب الأخضر، الإقلاع الصناعي، المغرب الأزرق، …)..
و في كلا الجهدين …المادي والسياسي، كان الملك حريصا في كل خطبه و أفعاله على القول بأن الغاية المثلى، هي تصحيح المسار، وتقويم الاختلال، وتسريع ورعاية الإصلاح، وترشيد التدبير خدمة للمواطن و الوطن..
و كان الملك أحرص أيضا في لحظة تقييم سيذكرها التاريخ طويلا، على القول بأن المجهود التنموي خصوصا، والنموذج التنموي عموما، لا تنعكس ثماره على الجميع، في عطف بليغ على سؤال «أين الثروة؟» الذي سبق له طرحه.
لا شك أننا بعيدون عن مغرب صيف 1999، بفعل المجهودات الاستثنائية والمبادرات الخلاقة والأوراش المهيكلة، التي انطلقت بمبادرة أو قيادة أو رعاية أو مرافقة من الملك.. و لا شك أننا أبعد ما نكون عن تحقيق حلم وطني كبير، تفجر يوم قال المغاربة في ذات الصيف، وهم يبكون ملكا رحل، ويحيون و يرحبون بملك حل» مات الملك، عاش الملك ».
لقد قطعت البلاد أشواطا معتبرة على درب تأهيل البنيان والمؤسسات والعمران (بالمعنى الخلدوني للكلمة ) …
ولكن شيئا ما وخصاص ما، يقول بأن وضع الإنسان ليس على ما يرام..
فبعد قول الملك بحتمية الانكباب على صياغة نموذج آخر للتنمية، وبعد كثير تقارير رسمية ومدنية ، وطنية و دولية، تناولت واقع الصحة والشغل والبطالة والدخل الفردي والنشاط الاقتصادي ومنسوب الإدماج الاجتماعي والهجرة والتعليم والتكوين والأمية و الفقر و الهشاشة والعدالة الضريبية والتفاوتات والفوارق المجالية والاجتماعية وحال الشباب ومآل النساء و مستقبل الآتي من الأجيال…في ظل عولمة و «كوكلة Cocalisation « الكرة الأرضية بكل عواصفها ، بما تستلزمه من تأهيل وتمنيع للعنصر البشري ليحمي نفسه و أوطانه .
بعد كل هذه التقارير التي خلصت إلى أن بالمغرب يوجد مغربان : مغرب التيجيفي ومغرب الوحدات الصحية العسكرية الشتوية، (و هي أيضا مبادرة ملكية نبيلة ) و بينهما طبقة وسطى تترنح بين هبوط مؤكد وصعود منشود.
وإنه سيكون من المحمود أن تبادر الدولة (بالمعنى الهيكلي المطلق للكلمة ) بقيادة جلالة الملك إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية ، لتأتي مباشرة بعد قضية الوحدة الترابية، المسألة الاجتماعية…أي الإنسان بعد أن أهلنا كثيرا من البنيان.
لقد ورث الملك محمد السادس عن خلفه مغربا، نجزم بأنه يعمل وسيعمل، على ألا يورث مثله لخلفه ووريث عرشه ، بعد عمر طويل إن شاء لله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.