لاسم الدارالبيضاء في فضاء الفن صدى وخلد اسمها فلم „الدارالبيضاء" على المدى رغم أن الفيلم لا تجمعه بالمدينة قرابة فنية ولا تاريخية، كل ما يجمعهما هو الاسم الدارالبيضاء. لكن „فندق الدارالبيضاء" أصبح له تاريخ وعلاقة متجذرة بالفن، كقبلة ومقام للوافدين على المدينة للمساهمة في أعمال الدورة 31 من المهرجان الدولي للمسرح الجامعي. كان الفندق نقطة انطلاق الوفود القادمة الى الدارالبيضاء من فجاج عميقة للمشاركة من 02 الى 07 يوليوز في فعاليات عرفتها قاعات العروض، المركب الثقافي مولاي رشيد، المركب الثقافي سيدي بليوط ، فضاء عبد الله العروي، استديوالفنون الحية والمركز الثقافي الفرنسي، ليقدموا أعمالهم أو يشاهدوا أعمال غيرهم.. المسرحيات القادمة „من جميع أنحاء العالم من فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، أوكرانيا، الولاياتالمتحدة، كندا، المكسيك ، الصينكوريا الجنوبية، غينيا ، ساحل العاج، مصر، تونس و المغرب. تعكس هذه المشاركة الواسعة والمتنوعة انفتاح المغرب وجامعته على جميع التجارب وعلى كل الثقافات والتغيرات والتحديات التي يعرفها العالم الحديث." يقول رئيس المهرجان الدكتورعبد القادركنكاي في كلمة الافتتاح. كان الفندق مقام الشباب الذي جاء ليساهم في دورة شعارها „المسرح والتغيير" ويستفيد إلى جانب أبناء البلد المضيف من ورشاتها التكوينية المسرحية، في لقائاتها وندواتها وفي رحاب فندق الدار البيضاء وقبل منتصف الليل بقليل مناقشة العروض المقدمة في النادي الثقافي الذي يشرف عليه مدير المهرجان الفني المسرحي عبد الفتاح الديوري. الأسطورة والواقع المر كانت فرنسا ضيفة شرف هذه السنة، إلا أنها لم تساهم إلا في افتتاح الدورة بمسرحية „جريمة أم حادثة" ، مسرحية ذات أسلوب كلاسيكي في بنئها الدرامي وفي تركيبتها الفنية، تتناول حادثة موت وإحراق كاتدرائية فيزيلاي في القرن الثاني عشر. عمل تم إنجازه قبل وقوع حادثة احتراق كنيسة نوتردام ما منحه أهمية خاصة على الساحة المسرحية الفرنسية. العمل الفرنسي الثاني „الإجتياح" لم يكتب له أن يقدم في المهرجان لأن مخرجه لاجئ إيراني في فرنسا، وصل إلى مطارالدارالبيضاء ومكث فيه ثلاثة أيام دون أن يمنح تأشيرة الالتحاق بمجموعته في فندق الدارالبيضاء رغم كل الجهود، التي بذلتها رئاسة المهرجان. غير أن هذا الحدث، الذي ترك في نفوس المشاركين وعلى رأسها المجموعة الفرنسة أثر الخيبة والاستياء، لم يمنع إصرارالمهرجان على مواصلة فعالياته ومتابعة تقليده وتكريم أربعة أسماء مسرحية بارزة في الساحة المغربية الممثلة زهيرة صديق، المخرج بوسرحان الزيتوني، المسرحي رشيد فكاك والمسرحي والاعلامي ادريس الادريسي ، الذين أشادوا بالتغيرات التي يعيشها المشهد المسرحي المغربي. ووفقا لهذه التغيرات شهدت المنافسة من أجل الجوائز مشاركة مغربية وصلت إلى ستة عروض مسرحية من كليات وجامعات الدارالبيضاءوفاس إلى جانب سبعة أعمال أجنبية. فقد حصل المخرج رضى التسولي على أفضل إخراج عن عمله „تيرا" من جامعة فاس. عمل يدخل في خانة المسرح التدريبي الحديث ، الذي يجمع بين التوفيق بين حركة الجسد وتحولات الصوركمجال فني حيوي. فمن خلال لغة الجسد بما في ذلك من رقص تعبيري و نصوص كلاسيكية مثل الكوميديا الإلاهية لدانتي، يقدم العمل مسألة تصادم الدوافع والغرائز الانسانية مع مستقبلها،الذي تحيطه طبقة سميكة من المجهول. في الوقت الذي ذهب فيه رضى التسولي إلى مساءلة المستقبل بقيت المشاركة الصينية وفية لأسلوبها الجمالي، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الطاقة البشرية كبديل عن الأدوات التقنية والتي تدفع المتلقي إلى المشاركة في التصورات والايحاءات و ذلك من خلال مسرحية „أسطورة الأفعى البيضاء" أسطورة الحب والطبيعة البشرية، قصة صينية قديمة تتحدث عن الأفعى البيضاء ، التي تتحول بعد قرون من الرياضة الروحية والتأمل والتناسخ الى سيدة شابة جميلة تقع في حب الشاب شيو شيان لكن بعد اكتشاف حقيقتها الحيوانية يسجنها ولعدة سنوات الرهبان في معبد ليفنغ باغودا ، لم تعد السيدة الأفعى البيضاء بعد إطلاق سراحها قادرة على التعرف على زوجها الذي أصبح عجوزا، فتبدأ قصة حب جديدة مع شاب آخر. لقد استطاعت المخرجة كسيو يين أن تحول بمجموعتها الشابة ، فضاء ركح استديو الفنون الحية الفارغ تماما، إلى عالم خرافي تتحرك فيه أجسام بشرية في ملابسها الحريرية البيضاء كأنها قناديل البحر السابحة في فضاء يم ليلكي. عالم أسطوري طالع من غياهب الكتب الصينية القديمة فتشكل هذه الاجساد بلياقتها البدنية العالية أجواء خرافية ، كتلك التي عهدناها في السينما الصينية. فالحركة، الايماء والأضواء الكاشفة ترسم لوحات جمالية متكاملة جسدت كل عوالم حلم الاسطوري مرئي وكل هذا بمبدأ مسرح الاختزال وإعطاء القدرة البشرية مجالها الفعلي الواسع لتصنع أمامنا حلما في اليقظة بين جدران ثلاثة. أن هذه الخاصية الفنية التعبيرية المعتمدة على الطاقة البشرية الجماعية ومنحها الصدارة في الفعل المسرحي، هي سمة المشاركة الاسياوية الصينية والكورية الجنوبية على حد سواء ، و هوما ميزها عن غيرها من الأعمال المشاركة. فرغم التوافق الفني الذي وحد التجربتين، إلا أن التجربة الكورية الجنوبية اختلفت عن الصينية اختلافا كليا فيما يتعلق بالمضمون. فمسرحية „تذكر"، التي أخرجتها المخرجة هاكيونك تحمل رسالة تذكر بماض حرب مأساوي عاشت ويلاته كوريا الجنوبية، قصص نساء وطفلات اختطفن أثناء الحرب العالمية الثانية من طرف القوات اليابانية المستعمرة ثم اغتصبن، مات بعضهن بسبب العنف والشذوذ وبعد نهاية الحرب أطلق على هؤلاء النسوة اسم „نساء المتعة" وحتى اليوم لا تزال عشرات الالاف منهن في عداد المفقودات. كل هذه المأسات الدرامية، التي ثم التعبيرعنها بواسطة الحركة والصوت وإيحاء الجسد، لم يتم عرضها بتلك الصورة القاتمة السوداء، بل كانت تعكس الفرح والأمل والتشبث بالحياة ، أداتها الغناء الرقص الطفولي البريء والتعلق بالبقاء. في مشاهد كثيرة تحولت تلك الممثلاث فوق الركح الى طفلات ساذجات يلعبن ببراءة يترنمن باناشيد اليراعة ، يوزعن الإحساس بالطفولة و التلقائية ما يجعل الانسان ينسى تلك النساء، اللاتي يلاقيهن ناضجات متأنيات ومتحفظات فوق أرضية فندق الدارالبيضاء. لقد استطاعت المخرجة الكورية الجنوبية أن تخلق توازنا دراميا بين ما هوفوق الركح ذائبا ومتحولا و بين ما هوواقع في غياهب نفوس كل النساء، اللاتي مورس عليهن درب من دروب الاعتداء في أي جزء من العالم. فالعرض كان صرخة بصوت نسائي عالمي واحد: نتمنى ألا يتكررما حدث مرة أخرى. كان العرضان الصيني والكوري ممتعين ومتميزين انتزعا من الجمهورالحاضرسواء المسرحي منه أوالعادي وقفة تقدير وإعجاب طويلة، لكن للجنة التحكيم رأيا آخرفلم يمنح كل من العرضين إلا شهادة تشجيع. أنشودة الظل و الحياة على عكس العرضين الاسياويين، المعتمدين فنيا على أداء الطاقة البشرية يقدم المخرجون الألمان الشباب الثلاثة رين وايت، البا شامهارت وسلينا كلوكنا عملا مسرحيا يزخر بعوالم تقنية وآلات تتحكم في مساروفكر الانسان اسمه In Fluence عمل يحمل تنبؤات مستقبلية حول عزلة الذات داخل منظومة المجتمع الانساني الحديث. ففي هذا العمل نبوءة بنهاية وظيفة الانسان، الذي سيصبح وجوده ثانويا و جسده مجرد جسر تسيطرعليه وتحركه الألات الذكية. فالشاشات التلفزيونية ، الكامرات، المتحكمات عن بعد و المساعدات الكترونية تصبح هي الأدوارالرئيسية وتحل محل الشخوص التي من خلالها تنبعث صور تتقزم ، تكبر، تتشوه وتتداخل فيما بينها توجه تحركات الممثلة الواحدة واحدى المخرجين الثلاثة سيلنا كلوكنا كأداة تحمل كامرات فوق رأسها وساعدها مجسدة ضياع الانسان في متاهات المستقبل وسيطرة الالة على فكر الانسان. بعيدا عن كل الهواجس المستقبل يدخل أحد الأعمال المتميزة في المهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالدارالبيضاء للمنافسة Cloudy العمل الكرواتي هو أنشودة فنية مزيج يجمع بين تفنيات مسرح خيال الظل ومسرح العرائس. يحكي قصة عناصرها الحب، الفرح، الصداقة، العزلة، الشعور بالوحدة مسرحية أحداثها سطح وأعماق البحر. „كلودي" يحمل في ذات متعة لا يحصرها زمان أو مكان أو سن محدد فهو لكل الأعمار. فبساطة الطرح وبساطة اللغة الفنية تمنحه جاذبية مؤثرة من بداية العرض حتى آخره. كل هذا يتم تقديمة بتقنيات غاية في البساطة. إيزار بلاستيكي أزرق أدوات ورقية ودمية من قماش وأضواء مصابيح يدوية كلها تتحرك بدقة متناهية وحب وتجاوب متبادل بين الممثلين والجمهور. إن العمل الكرواتي ليس عرضا مسرحيا فحسب ، بل هو درس مسرحي عميق الدلالة ، يعلمنا بشكل واضح لا التباس فيه، أن العمل الجيد ليس من الضروري أن يكون ضخما بل قد يتم خلقه بابسط الادوات. في الدورة المقبلة لهذا المهرجان تعتزم اللجنة المنظمة ان يكون المسرح الافريقي هو محورها. و من الأعمال الإفريقية المقدمة في هذه الدورة والتي مهدت لهذا المحورعمل „السيناريو" من ساحل العاج للمخرجة بير موري كوديا. كاتب سيناريو يبدأ بكتابة سيناريو تحت الطلب غيرأن إلهامه ينضب فيخلد إلى النوم. في المنام يأتيه منتحل شخصية تقني يحل مشكلته الابداعية والتقنية. عمل سيناريوهو أقرب إلى السكيتش منه إلى العمل المسرحي. طاولة عليها حسوب وهاتف وكل الحركة هي عبارة عن وقوف وجلوس و نوم و تثاؤب صورة ثابثة رتيبة لا تنتمي الى أي اتجاه مسرحي منحته لجنة التحكيم أفضل ممثل. في ختام أعمال المهرجان أسدل ستار الدورة العمل الايطالي „الوهم" للمخرج فابيو اومودي، الذي فاز وباستحقاق بجائزة المهرجان الكبرى. إنه سرد أحداث قصة حب وموت وكفاح من أجل البقاء . رجل وامراة يقومان برحلة استجمام على متن قارب في بحيرة. ينقلب القارب فيغرق ويدخلهما في عالم خيالي سريالي ، حيث تضيع من الرجل حبيبته لتتحول الى تسع نساء مستنسخات بنفس الصورة والهيئة يعدن نفس المشهد بالرقص والغناء من أجل تذكر الحادثة بتفاصيلها. مسرحية هي مزيج من المسرح الاستعراضي الراقص وتقنية خيال الظل والضوء. مسرحية تعلن عن نهاية الوظائف البيولوجية ونهاية فترة بشرية منتظمة. لقد أضفى المخرج فابيو من خلال توظيفه اللونين الابيض والاسود على العمل عوالم سينمائية حية فتحت نافذة تأمل في الموت من خلال حكاية الحب والحياة.