كنت قد وصفت الاتفاق بين طرفي العلاقة السودانية، بين قوى الحرية والتغيير من طرف والمجلس العسكري من طرف آخر على أنه نصف انتصار ونصف هزيمة للطرفين، لأن النتيجة لم تحقق لأي منهما مراده وكامل أهدافه، فالعسكر يريدون وراثة نظام البشير، واستمراراً له بأدوات ولغة وإجراءات مختلفة جديدة، ولكنها تحمل نفس المضمون التسلطي الأحادي غير الديمقراطي مثله مثل كل أنظمة العسكر في الوطن العربي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبزوغ مرحلة الاستقلال التي أخفقت حركة التحرر العربية بأجنحتها الوطنية والإسلامية والقومية واليسارية، منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا من إنجاز كامل خطواتها ومهامها، وهي : 1 – استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي، 2 – تحقيق العدالة الاجتماعية في التعليم والعمل والصحة والخدمات الحيوية في الحياة، 3 – إشاعة الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة وفق نتائج صناديق الاقتراع، 4 – تحرير فلسطين والوحدة العربية . بينما تتطلع قوى الحرية والتغيير لبسط الحكم المدني، وأن يعود العسكر لثكناتهم، لا يتدخلون بالسياسة والسيادة والسلطة، ويتركوا الحكم للبرلمان وللأحزاب والنقابات المهنية وللتعددية والديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في إدارة السلطة، وهو ما لم تتمكن قوى التغيير من تحقيقه بعد . لم يتمكن العسكر من خطف نتائج الثورة بعد إقالة الرئيس عمر البشير يوم 10/4/2019، وفرض سلطتهم الأحادية بسبب حركة الشارع المعارضة للعسكر، مثلما لم تتمكن قوى الحرية والتغيير من فرض برنامجها واستكمال خطوات انتزاع السلطة للحكم المدني بسب تفوق إمكانات العسكر وقوتهم، ولذلك وصل كل منهما إلى منتصف الطريق، وتوصلوا إلى اتفاق الشراكة بينهما طوال المرحلة الانتقالية التي ستستمر لثلاث سنوات . طرفا المعادلة السودانية، رغم الاتفاق على الشراكة بينهما طوال المرحلة الانتقالية ولكنهما سيبقيان في حالة صراع دائم، علني أو مستتر، ولن يكتفي العسكر بالشراكة، بل سيعملون على الانقضاض لاستعادة ما وافقوا للتنازل عنه لصالح قوى التغيير، معتمدين على قدراتهم الأمنية والاستخبارية والدعم الإقليمي المعادي للديمقراطية وللتعددية وإفرازات صناديق الاقتراع، مثلما سيراهنوا على بروز خلافات بين مسامات قوى التغيير والحرية، كما حصل حالياً حيث الجبهة الثورية التي تضم الفصائل المسلحة الثلاثة لم توافق بعد على صيغة الاتفاق، إضافة إلى أن الشيوعيين الذين يحملون القلق وعدم الثقة بالمجلس العسكري تحفظوا على مضمون وخطوات الاتفاق السياسي، وينتظروا إقرار الوثيقة الدستورية لعلها تشكل مرجعية مُلزمة للطرفين مما جعل قادة العسكر يترددوا في إنجازها ويتلكؤا في إتمامها، والتباين في الاجتهاد بين الشيوعيين والبعثيين سيضعف جبهة قوى المعارضة، وهو ما يتمناه المجلس العسكري ويعمل من أجله . ومقابل رغبات العسكر نحو الاستفراد، تتطلع قوى التغيير من الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني إنهاء الشراكة مع العسكر، فالتنازل المؤقت الذي قدموه، لن يعطيهم الطمأنينة في استمرارية الشراكة، فهي مؤقتة لهم وللعسكر، ولكن أهمية ما تم إنجازه، أنها الخطوة الأولى منذ الربيع العربي أن تصل الأطراف الفاعلة إلى صيغة شراكة وهو ما فقدته الأطراف العربية في بلدانها، فالأحادية وغياب صيغة الجبهة الوطنية أحبطت تطلعاتها نحو التغيير الإيجابي وسقطت في متاهات التسلط واللون الواحد، بعيداً عن التعددية والديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وهذا أحد عوامل فشل ثورة الربيع العربي لهذا الوقت ، والرهان على السودانيين والجزائريين ونجاح التجربة التونسية لأن يسجل هؤلاء انتصاراً على الطريق الطويل. [email protected]