على الرغم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في السودان، بين المجلس العسكري وبين قوى المعارضة الحزبية والنقابية المدنية، ممثلة بقادة الحرية والتغيير، كما وصفه أحدهم على أنه إنجاز تاريخي، فهل هذا الوصف دقيق، باعتباره الخطوة الثانية على طريق التغيير نحو التعددية والديمقراطية التي بدأت أول خطواتها العملية من خلال انفجار حركة الشارع الاحتجاجية بعزل الرئيس عمر البشير يوم 10 نيسان 2019، وها هي الخطوة الثانية فجر الجمعة 5 تموز 2019، في التوصل إلى اتفاق شراكة بين الطرفين وتشكيل المؤسسات الانتقالية لإدارة الدولة خلال السنوات الثلاثة المقبلة . اتفاق 5 تموز ليس انتصاراً ولا هزيمة لقوى المعارضة، وليس انتصاراً ولا هزيمة للحكم العسكري، بل خطوة منتصف الطريق بينهما، فقد نجح المجلس العسكري لتثبيت نفسه كشريك قوي في إدارة السلطة والدولة، مثلما استطاعت المعارضة فرض نفسها كشريك في الإدارة للمرحلة المقبلة، وهذا يعني أن الحكم لن يكون مدنياً، مثلما لن يكون عسكرياً، بل تقوم إدارة الدولة على الشراكة بينهما : مدنية عسكرية، وتقاسم السلطة بينهما. هي خطوة مهمة ومتقدمة، صحيح، ولكنها ليست انتصاراً بائناً لأحد الطرفين على حساب الأخر، ولذلك سيبقى الصراع بينهما مستتراً طوال المرحلة المقبلة، في ظل التعايش حتى ولو كان بأقصى قدر ممكن من وقع التفاهم بينهما، وسيبقى تعايش وتفاهم وشراكة، حتى يتم الحسم الواضح لمصلحة طرف على حساب الأخر . السودان، كما هو النظام العربي بأغلبه، صراع بين الأحادية والتسلط والفردية، في مواجهة التعددية والديمقراطية وتداول السلطة على أساس إفرازات صناديق الاقتراع ونتائجها، والتحول من الأحادية والتفرد إلى التعددية والديمقراطية لم يتحقق بعد، ولكن الربيع العربي فرضها، رغم الهزائم التي منيت بها حركة الشارع لمصلحة أحزاب وتنظيمات التيار السياسي الإسلامي الأكثر تطرفاً وديكتاتورية وتسلطاً وعداء للديمقراطية وللتعددية ولأي طرف آخر، إلى الحد الذي تتمنى قطاعات واسعة من الجمهور عودة أنظمة التسلط السابقة في ظل الأمن والاستقرار بديلاً من الدمار والخراب، وبديلاً من أنظمة التيار الإسلامي الأكثر تطرفاً وعداء لحقوق المواطنة وقيم حقوق الإنسان . طرفا الخلاف تحولا إلى طرفي الاتفاق في السودان وهما يحتاجان لأدوات إقناع ولممارسة جدية لإقناع المحتشدين والمحتجين في شوارع الخرطوم والمدن السودانية لأهمية ما تم الاتفاق عليه، لعلهم يعودون إلى بيوتهم ومسار حياتهم بعد تضحياتهم بالشهداء والوقت والرهان على التغيير الجدي الحقيقي نحو سودان مدني ديمقراطي محكوم بنتائج صناديق الاقتراع وإفرازاته . الفترة الانتقالية، فترة اختبار للطرفين ليس فقط لأهمية ما أنجزوه مع بعضهما، بل اختبار قدرة كل منهما وكليهما على التكيف وتطوير الخطوة نحو سياسة ثابتة، كي يعود العسكر لثكناتهم وأن لا يتدخلوا بالسياسة، ويرضخوا نحو الإدارة المدنية لحكم الدولة، وأن تدرك الأحزاب والنقابات أهمية استمرار علاقاتهم الجبهوية والتحالف فيما بينهم على أساس الأئتلاف والقواسم المشتركة . فهل يفلحون؟ هذا ما سوف تشهده الأيام المقبلة من الفترة الانتقالية طوال السنوات الثلاث القادمة .