أدّت الثورة التكنولوجية والرقمية التي عرفها العالم خلال العقدين الأخيرين، إلى مجموعة من التحولات والتغيرات على مستوى طبيعة الحياة اليومية للأفراد، وبالتالي على مستوى علاقتهم بمرافق الدولة التي من المطلوب أن تستجيب لحاجياتهم بالسرعة التي أصبحت تسير عليها حياتهم اليومية، وهو ما دفع جميع دول العالم، إلى التفكير في خطط واستراتيجيات تهدف إلى تطوير أداء إداراتها، وفق نموذج يستوعب مكاسب الثورة الرقمية، بما يطور الفعل العمومي ويعزز فعاليته. لقد انخرط المغرب بدوره منذ سنوات خلت، في ركب الدول الطامحة إلى رقمنة أنشطتها الإدارية، وذلك من خلال تأهيل الإدارة المغربية، وتجهيزها بأحدث الوسائل التكنولوجية، لكن وبالرغم من كل المجهودات المبذولة، إلا أن وتيرة رقمنة الإدارة المغربية، لم تكن بالسرعة المطلوبة، ذلك لأن رهانات الرقمنة تتجاوز تجهيز الإدارات بالأجهزة والوسائل والأدوات، إلى تكوين وتأهيل الخبرات والمهارات. الملاحظ، أن الحكومة الحالية، قد أولت اهتماما كبيرا لعملية رقمنة الإدارة المغربية، وهو الاهتمام الذي انعكس بالإضافة إلى التزاماتها التي تضمنها برنامجها الحكومي، على الأوراش التي انخرطت فيها، والقوانين التي أصدرتها في هذا المجال. ففي غضون أسبوع واحد، ( الأسبوع الماضي) خطت وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، خطوتين مهمتين وحاسمتين في مجال تسريع وتيرة التحول الرقمي للخدمات الإدارية، بالمغرب، وتتمثل الخطوة الأولى في إعطاء انطلاقة برنامج تأهيلي بشراكة ثنائية مغربية بلجيكية، يهدف إلى تكوين أطر الوزارات على المستوى المركزي والمحلي في مجال الإدارة الرقمية، حيث كان محمد بنعبد القادر، وزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية يؤكد دائما، على أن التحول الرقمي المأمول في الإدارة المغربية، لا يتعلق بتحول مرتبط بالمساطر فقط، بل هو تحول من المطلوب أن يستهدف خبرات ومعارف وقدرات الموظفين، حتى يتمكنوا من مجاراة التغيرات المرتبطة بآثار الثورة التكنولوجية. أمّا الخطوة الثانية، فتتمثل في إعطاء انطلاقة التدبير اللّامادي للترشيحات إلى الوظائف العمومية والمناصب العليا، وهي خدمة جديدة، دشنت بها وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية عهدا جديدا، على مستوى مساطر الولوج إلى الوظيفة العمومية بالمغرب، حيث أصبح أمام الباحثين عن وظيفة أو المترشحين لشغل أحد المناصب العليا، تعبئة استمارة ترشيحهم وإيداع الوثائق المطلوبة وتتبعها على الخط (en line) مباشرة، لتكون بذلك وزارة محمد بنعبد القادر قد انتقلت ببوابة التشغيل العمومية emploi-public.ma ، من المستوى المعلوماتي الإخباري، إلى المستوى الإجرائي والخدماتي، مع ما يعنيه بطبيعة الحال، هذا الإجراء من تسريع لعملية الترشيح للمباريات بالنسبة للمترشحين، ومن مزيد من الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص. قبل هاتين الخطوتين، كان المجلس الأعلى للحسابات، قد أصدر تقريرا حول الخدمات على الخط، وهو التقرير الذي تنبأ بارتفاع الطلب على الخدمات الإدارية على الأنترنيت، مايفرض استعداد مختلف القطاعات العمومية لاستيعاب هذا الارتفاع. وفي هذا الإطار، وانسجاما مع تعاطي وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، مع كل تقرير متعلق بالإدارة أو بالوظيفة العمومية، صادر عن إحدى مؤسسات الحكامة، دعا محمد بنعبد القادر إلى تنظيم ندوة بحضور قضاة المجلس الأعلى، من أجل تقاسم خلاصات التقرير، والبحث في سبل تفعيل توصياته مع كافة المسؤولين عن التحول الرقمي بجميع القطاعات الحكومية. كما أنه من المنتظر أن يعرض وزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، على أنظار المجلس الحكومي، مشروع قانون الإدارة الرقمية، الذي أعدته وزارته بتعاون مع وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، وهو القانون الذي سيشكل مرجعية تشريعية للتحول الرقمي بالإدارة المغربية، وينبني على ثلاثة أسس أساسية، أولها تجويد المساطر وتبسيطها، ثانيها تعزيز الشفافية في المرفق العام، وثالث هذه الأسس، هو إنشاء منصة حكومية لتجميع كافة البيانات الصادرة عن الإدارات العمومية، ليكون المرتفق في ظل هذا القانون الجديد، غير ملزم بتقديم وثيقة واحدة لإدارتين مختلفتين. هكذا سيشكل هذا المشروع المندرج ضمن محور التحول الرقمي في الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2017-2021، نقلة نوعية في إلزامية الانتقال الإداري من العصر الورقي المثقل بالتعقيدات المسطرية، إلى العصر الرقمي المعزز بضمانات الفعالية والشفافية.