ألقت به العربة المتهالكة في أحد الشوارع الخلفية للمدينة.شاب في مقتبل العمر،هزيل الجسم ، يحمل حقيبة ثقيلة . رأسه الحليقة تؤشر على انتمائه الى أحد المعاهد العسكرية.عيناه الغائرتان تبوحان بالأسرار .توقف بغتة يتحسس الهاتف داخل جيبه ، أخرجه ليلقي نظرة على الساعة :»اللعنة ، الهاتف لا يشتغل .فعلتها البطارية المتعبة مرة أخرى». الرحلة من بلدته كانت شاقة وطويلة على ظهر عربة للنقل السري، يكتظ بداخلها المسافرون كما خراف تساق الى السوق .في مكان غير بعيد ، تجمع عدد من الأشخاص ،منهم سائقو سيارات الأجرة ، وبائعو الفواكه وبائعو التبغ، وآخرون ممن تجود بهم حواري المدينة من متسكعين وفضوليين . تقدم يسأل أحدهم : – من فضلك،كم الساعة ؟ رد الرجل : – إنها الثالثة والربع . تدخل آخر : – بل الرابعة والربع، لقد أضافوا ساعة يا هذا. دخل الاثنان في نقاش عقيم فصاح فيهما ثالث : – يا جماعة ، يا جماعة ، الساعة لله . وقال رابع كان منهمكا في لف سيجارة حشيش : – إنها علامات الساعة يا رجال ، انظروا كيف تترنح أولئك الفتيات في سراويل ممزقة وقمصان ملتصقة . ولى زمن الحشمة والوقار… وتدخل آخر يبدو أن أذنيه لم تستقبل غير كلمة»ساعة» : – الساعة ، لا بديل عن الساعة السويسرية :الفخامة ،القوة والدقة في الوقت.أما ما يصلنا اليوم من الصين فهي لعب أطفال .تضعها في معصمك اليوم وترميها غدا. هذه الساعة في يدي عمرها ثلاثة عقود أهداني إياها سائح أوربي . عاد الشاب، وقد فرغ صبره ، الى سؤالهم عن الساعة . وضع الحقيبة أرضا بعد أن ناء به حملها : – أرجوكم يا سادة ،كم الساعة بالضبط ،أريد أن أدرك القطار . أجابه أحدهم : – إذا كنت ستسافرعلى متن القطار فلا تقلق يا ولدي ، قطاراتنا طيبة تنتظر الجميع . وأضاف آخر : – معك حق ، هي طيبة لكنها مجنونة ، عندما تعتريها نوبة صرع تخرج عن السكة هههه… انخرط الجميع في موجة من الضحك الهستيري . تأكد الشاب أن حظه العاثر قد أسقطه في شرذمة من المعتوهين . تمالك غضبه .مسح ما تندى به جبينه من العرق. مد يده الى أزرار قميصه العليا يفتحها لتخرج موجة الحر التي اعترت داخله .حمل حقيبته على كتفه ومضى مسرعا يلعن في نفسه الساعة التي جمعته بهم…