كانت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف ليلا حين تناول الكلمة بالفناء الخلفي لولاية أمن الدارالبيضاء العميد الإقليمي، عبد الإله السعيد، رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية ورئيس مصلحة خلية التواصل، مرحبا بممثلي وسائل الإعلام المختلفة، الذين قرروا أن يقضوا ليلة رأس السنة الميلادية بعيدا عن أسرهم، لمرافقة دوريات الشرطة من أجل متابعة الحضور الأمني بالشارع العام خلال هاته الليلة الاستثنائية، والوقوف على تفاصيل الخطة التي أعدتها الإدارة العامة للأمن الوطني من أجل الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم أثناء توديعهم لسنة 2014. حوادث للسير بالجملة مباشرة بعد كلمة المسؤول الأمني، انقسم الحاضرون إلى مجموعات استقلت كل منها دورية خصصت لمرافقة الإعلاميين، يقودها سائق وإلى جانبه رجل أمن بصدريته البرتقالية وجهاز «الطالكي وولكي» في يده لمتابعة كل البرقيات التي يتم الإعلان عنها، وكذا توجيهات المسؤولين الأمنيين عبر قاعة المواصلات المركزية! غادرت الدورية مقر الولاية في اتجاه شارع الزرقطوني، فشارع المسيرة، في اتجاه مدارة «ميغاراما»، مرورا بالشريط الساحلي لاكورنيش، صوب مدارة «موروكومول»، وتبين منذ الأمتار الأولى لمشوارها على أن ليل مدينة الدارالبيضاء وإن كان هادئا نوعا ما على الطرقات، ولا يعرف نفس الجلبة والاكتظاظ المألوفين، إلا أن سكونه ستكسره صافرات سيارات الإسعاف بفعل حوادث سير وقعت، سالت فيها دماء الضحايا، منهم من توجه لوحده صوب عمود للإنارة الكهربائية واصطدم به، وآخرون استهدفوا سيارات ودراجات نارية، أغلبهم وقع لهم ما وقع بفعل كميات الخمور التي استهلكوها والتي جعلتهم يترنحون غير قادرين على التحكم في سياراتهم فكانت النتيجة هي وقوع حوادث متعددة للسير في عدد من أرجاء العاصمة الاقتصادية! تعبئة شاملة لكافة المصالح ونحن على متن الدورية نتطلع ذات اليمين وذات الشمال بحثا عن حدث قد يقع في أية لحظة من اللحظات، كنا نعاين من وراء النوافذ حضورا قويا لمختلف المصالح الأمنية بالشارع العام، ممثلة في عناصر أمن المرور في كل المدارات والملتقيات الطرقية، وسيارات الشرطة رباعية الدفع، إضافة إلى عناصر الدراجين وهم يحومون هنا وهناك ممتطين مختلف أنواع الدراجات القادرة على تعقب ومطاردة الدراجات النارية المعدلة التي يستعملها عادة اللصوص الذين يحترفون السرقة بالخطف، وآخرون بالدراجات رباعية العجلات، دون إغفال كمّ كبير من السدود القضائية التي تم نصبها عند مداخل ومخارج المدينة وفي عدد من محاورها الطرقية بالداخل، يتم خلالها التأكد من هويات السائقين المشكوك فيهم وقانونية وثائق السيارات، وكذا عدم السياقة في حالة سكر، أو حيازة أية ممنوعات، فضلا عن دوريات راجلة لأمنيين مشتركة مع عناصر الحرس الترابية، وكذا عناصر حذر التي كانت حاضرة هي الأخرى في الشارع العام بقوة، وفي خضم كل هذا كان لافتا للانتباه انتشار دوريات التدخل السريع وسيارات الوقاية المدنية وشاحناتها على مقربة من مؤسسات فندقية وسياحية، ومؤسسات عدة، في خطوة تأمينية ووقائية. حضور بالشارع العام أمام مرأى ومسمع من الجميع، رافقه حضور آخر بجوار السفارات والبعثات الثقافية والمؤسسات الدينية. عين الذئاب والإقبال المتباين برودة الطقس كانت بادية آثارها في مناطق بعينها على امتداد كورنيش عين الذئاب، لكنها بالمقابل وفي أرجاء أخرى لم تؤثر في حجم تواجد المحتفلين، فما أن تجاوزت الدورية المركب السينمائي «ميغاراما» حتى تبينت أشكال الاستقطاب المختلفة التي نهجها أصحاب عدد من الحانات والمطاعم والعلب الليلية، وكل واحدة منها تحاول أن تغري فئة معينة بولوج أبوابها مستقبلة إياهم بلوحات موسيقية من مختلف الألوان العروبية منها والأمازيغية والأوربية، وببهلوانات وراقصين، في حين نصبت لافتات لعدد من المغنين الذين يحيون تلك الليلة بالداخل. وإذا كانت هذه العلب قد استقطبت روادها، فإن عددا من المطاعم كانت حاضرة وبقوة للمنافسة وهي تفتح أبوابها عريضة لجماهير من المواطنين الذين اختاروا أن يكون الاحتفال نهما وشرها بطعم الأكل لا بغيره. على رصيف الكورنيش تتمشى عدد من الفتيات وإلى جانبهم شبان، إما مثنى مثنى أو على شكل مجموعات وكوكبات متفرقة من القاصرين، وذلك بشكل عاد بعيدا عن أي مشهد من مشاهد الزحام المعتادة، بل إن مقاطع كثيرة من الكورنيش كان الراجلون غائبون عنها، شأنهم في ذلك شأن السيارات التي لم تكن مركونة كما جرت العادة، مقابل انسيابية في المرور اتضح بأنها استثنائية، خلافا لحركة السير والجولان التي كانت يشهدها تلك اللحظة وسط المدينة سواء بشارع لالة الياقوت، أو الجيش الملكي، وشارع باريس، وحضور الراجلين بكثافة بمحج الأمير مولاي عبد الله المعروف ب «البرانس» وكذا بساحة الأممالمتحدة، وفقا لما كان يصل إلى مسامعنا بين الفينة والأخرى عبر البرقيات اللاسليكة. وحدهم باعة البالونات، الذرة المشوية، وبعض الباعة الجائلين الذين أثثوا مساحات فارغة من الكورنيش، وهم يمنّون النفس بارتفاع أعداد المتواجدين بالكورنيش، علّهم يكسبون بعض الدراهم التي قد تساعدهم في معيشهم اليومي، إلى جانب متسولين اعتبروا بأن المناسبة ستكون مواتية للاستجداء، لكن عناصر الأمن والسلطة المحلية كان لهم رأي آخر، إذ بادروا إلى إيقاف عدد منهم في مجموعة من النقاط على امتداد شوارع الدارالبيضاء. سرقات، ترويج للمخدرات، تبادل للعنف، وأشياء أخرى ... الوافدون على متجر «موروكومول» لم يكونوا جميعهم من الزوار العاديين الباحثين عن الفرجة والمتعة، والفاتنات من الراشدات والقاصرات هن بدورهن لم تستقطبهن جميعهن الاحتفالات، فقد تمكنت عناصر الأمن الخاص بهذا المركز من إيقاف إحداهن رفقة شريكين لها متلبسين بسرقة ملابس باهظة، وذلك بعد تسلمها من الشريكين الشابين اللذين يشتغلان بأحد المحلات التجارية داخل المركب، وذلك بعد افتضاح أمرهم جميعا، فكانت بذلك نهاية السنة بالنسبة لهم عنوانا على توديع الحرية واستقبال سنة جديدة مقيدين بالأصفاد، بعدما تم اقتيادهم على هاته الوضعية إلى دائرة «ميامي» لاستكمال المساطر القانونية. دائرة «ميامي» استقبلت كذلك لصا تم إيقافه متلبسا بمحاولة السرقة وحجزت لديه دراجة نارية وذلك على مستوى زنقة البحر الأصفر، في حين لاذ شركاؤه وهم شابان وفتاة بالفرار، أما الموقوف فقد اعترف بكل تلقائية بمشروعه اللصوصي، واضعا بنفسه خاتمة للسنة تخالف بدايتها. عربدة شخصين وتبادل العنف فيما بينهما كانت دافعا لتدخل العناصر الأمنية بالأرض الخلاء المقابلة لسيدي عبد الرحمان، والذين جرى إيقافهما فيما كانت علامات التخدير بادية عليهما، فتمت سياقتهما إلى نفس الدائرة، وخلافا لما صرّح به أحد عناصر الصقور الدراجين في مكان الحادث على كونهما تبادلا الضرب فيما بينهما بواسطة السيوف، نفى رئيس دائرة «ميامي» هذا الأمر مؤكدا على أنه لم يتم حجز أية أسلحة بيضاء بحوزتهما. العنف لم يشمل الكبار فقط، بل حتى الذين لم يبلغوا سن الرشد، إذ تبادل قاصران العنف فيما بينما على مقربة من فندق «رياض السلام»، إلا أنهما اختفيا عن الأنظار قبل أن تطالهما أيدي العناصر الأمنية، وإذا كان الحظ حليفا لهما فقد عاكس مشبوها فيه بالسرقة من ساكنة درب العفو الذي تم إيقافه على متن دراجة نارية بيضاء وتم اقتياده إلى دائرة لارميطاج، بناء على برقية لاسلكية، وقبلها أخرى أفادت بإيقاف مروج لمادة «النفحة» الذي حجزت لديه 287 كبسولة/»كموسة»، وذلك بدرب لوبيلا وعبد الرحمان لمخنث بالمدينة القديمة، في حين لم يتم إيقاف صاحب دراجة نارية من نوع «تي ماكس» على مستوى الشريط الساحلي الذي أكد بشأنه أحد الأشخاص على أنه يعرض المخدرات الصلبة للبيع على عدد من سائقي السيارات ممن ينتقيهم بشكل عشوائي، فضربت عليه حراسة، وفقا لما كان يتداول على الجهاز اللاسلكي، لكنه في لحظة من اللحظات غادر المنطقة برمتها صوب طريق أزمور نحو وجهة غير معلومة؟ وخلافا له فقد تم بعد منتصف الليل إيقاف شخصين وهما في وضعية سكر على مستوى شارع للا الياقوت، أحدهما بحوزته غرام واحد من المخدرات الصلبة، والثاني بحوزته 3 قنينات من الخمر. كما تم إيقاف أشخاص بعضهم بحوزتهم رذاذ مسيل للدموع «كريموجين» وآخرون بحوزتهم أقراص للهلوسة، بعد محاولتهم دخول مطعم/ملهى بالقوة لإتمام السهرة الصباحية ، إضافة إلى إيقاف شخصين بتهمة السرقة بإحدى أزقة درب عمر، ثم 3 أشخاص في حالة سكر طافح وسائق سيارة رفقة مرافقيه هم أيضا في وضعية سكر والذي تسبب في حادثة سير مادية، وبلغ عدد الموقوفين بقطاع بنجدية حوالي الساعة الثانية صباحا 14 شخصا ضمنهم واحد مبحوث عنه، بينما ظلت كل التدخلات الأخرى لا تخرج عن المألوف وفقا لمسؤولين أمنيين واصفين قضاياها بالبسيطة.
أحداث خاصة ومفارقات! خلافا لكل التدخلات الفارطة فقد عرفت ليلة رأس السنة الميلادية بعض اللحظات الخاصة والقوية التي حظيت باهتمام الأمنيين من مختلف الدرجات والرتب، واسترعت انتباه المتتبعين لما يصدر عن قاعة المواصلات المركزية، ومن بينها، برقية تم تداولها والتي أفادت بتعرض ضابط وحارس للأمن هما معا بالزي المدني، ينتميان لمنطقة أمن عين الشق، للاعتداء بهدف السرقة من طرف 3 أشخاص على متن سيارة زرقاء اللون من نوع «هونداي» وذلك على مستوى شارع عبد الرحيم بوعبيد، وبعد المقاومة لاذ الجناة بالفرار، وفقا لادعاء الأمنيين، صوب منطقة الجامعات، مخلفين إصابة لحارس الأمن على مستوى الرأس، وأخرى للضابط على مستوى العين؟ حدث ثان عاشه شارع الموحدين ساعة واحدة بعد منتصف الليل على مقربة من محطة القطار البيضاء الميناء، وذلك حين قفزت شابة مخمورة من داخل سيارة من نوع «غولف زيبرا» صوب الشارع، والتي كانت مرفوقة بشابة أخرى وشخصين اثنين، كانوا جميعهم في وضعية سكر، ولسبب ما تبادلوا السب والقذف وتطور الأمر إلى مواجهة فيما بينهم وهم داخل السيارة، قررت الشابة أن تضع نهاية لها بالقفز خارجها، وظلت مدة على الأرض في غير وعيها في انتظار وصول سيارة الإسعاف.. خبر آخر تلقيناه عبر جهاز الاتصال والذي تمثل في فرار سيارة من نوع «مرسديس 250» من مطاردة وتعقب من طرف عناصر الدرك الملكي بالهراويين، متجاوزة سدا قضائيا على مستوى منطقة ابن امسيك، ودخولها بذلك إلى المدار الحضري، على مستوى شارع ادريس الحارثي ومحج محمد السادس، إذ استطاع بالفعل السائق الفرار من قبضة الدرك والأمن رغم تعرض إطارات السيارة المطاطية للتلف، قبل أن يقرر التخلي عنها على مقربة من ثانوية الحسن الثاني، وقد تبين أن السيارة غير مسروقة بعد تنقيطها وغير مبحوث عنها. ومن المفارقات الغريبة التي شهدتها الليلة، تلك المتعلقة بقيادة شخص لسيارة من نوع «دوستر» وإلى جانبه رفيقه، وذلك على مستوى شارع محمد الخامس، الذي ورغم العدد الكبير لحضور الأمنيين من دراجين ودوريات، فقد ظل يتناول جرعات من «البيرة» أثناء السياقة وهو خلف دورية للأمن بشكل عاد.
أخطر المجرمين؟ كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة و50 دقيقة، حين تم تداول برقية لاسلكية مفادها إقدام أحد القاصرين الذي له سابقة في سجله الإجرامي على الاعتداء بواسطة سيف على شخص آخر، على مستوى سينما المغرب، كما سبق وأن حاول أيضا استهداف أمنيين بالسلاح الأبيض، ثم لاذ بالفرار مخلفا وراءه أداة الجريمة. الفعل الجرمي للمبحوث عنه الملقب ب «ولد الغياط» وهو من مواليد سنة 1997 والقاطن بزنقة الحوز، الذي كان في وقت سابق قد قام بتخريب سيارة مركونة بزنقة كلميمة، دفع العناصر الأمنية إلى تكثيف تحرياتها لتحديد مكان تواجده، إلى أن تمكنت عناصر دائرة أمن السور الجديد في وقت لاحق بعد منتصف الليل من إيقافه وبحوزته سكينين آخرين من الحجم الكبير، وتبين على أنه تناول عددا من أقراص الهلوسة، ولم يقم باعتداء واحد فقط وإنما عرض ضحية للضرب بواسطة السلاح الأبيض على مستوى الرأس تطلب رتقه بثماني «غرزات»، في حين كان نصيب ضحية آخر 12 رتقا على مستوى الرأس دائما، وهي الحصيلة التي كانت ستكون مرشحة للارتفاع ولعواقب أوخم لولا وضع اليد عليه. عدوانية، تهديد ومواجهات مع الأمن التدخلات التي وصفها مسؤولون أمنيون بالعادية وعلى الرغم من بساطتها وفقا لما تم التصريح به، إلا أنها كشفت عن تغيير في طبيعة التعامل مع العناصر الأمنية، وعن شراسة وتحدّ كبيرين، فأغلب الموقوفين الذين تم إيقافهم لأسباب مختلفة، واجهوا الأمنيين بعدوانية، تارة عن طريق الكلام البذيء والسب والقذف، وتارة أخرى بالتهديد، وهو أمر لم يسلم منه عدد من الإعلاميين الذين نالوا نصيبا من الكلام الساقط أثناء توثيقهم لهاته التدخلات، هذا في الوقت الذي اختار فيه أحد الموقوفين مسلكا آخرا، إذ وعلى الرغم من وضعية التخدير التي كان عليها وحيازته لسكين، فقد اعتبر أن تدخل عنصر من فرقة الدراجين لإيقافه هو جور وظلم تعرض له، محتسبا أمره لله!؟