لا يختلف اثنان حول وجود كيانات غير مرئية في الكون والطبيعة والإنسان، مما يجعل من المنطقي أن توجد فضاءات غير مرئية هي الأخرى لاحتضان تلك الكيانات، كونية كانت أو طبيعية أو إنسانية أو غيرها. ومن الأدلة العلمية الملموسة على وجود تلك العوالم، عالم الأثير، الذي نقيسه، ونضبط موجاته، ونتعرف بواسطة أجهزة الدفع والاستقبال على مكوناته. ومن بين تلك المكونات، المشاهد والصور الثابتة والمتحركة التي تبثها أجهزة التلفاز والحواسيب وغيرها من الآليات الإلكترونية والرقمية، بما فيها أجهزة «الهولوغرام» للبث الرقمي، التي ترسل صورًا بثلاثة أبعاد تتميز بكونها مثيلة إلى حد التطابق مع أصولها الحية.
مقدمة: ليس هناك أفضل ولا أكمل من الآية القرآنية، التي افتتحنا بها هذا البحث، دليلاً على وجود عوالم غير عالمنا الفيزيقي الملموس. فالخالق سبحانه وتعالى يخبرنا عن خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهنّ، أي سبعاً، وبذلك تكون لكل أرض سماؤها وباقي مكونات محيطها الفضائي والكونيّ. لقد فطن علماء الفيزياء، نخصّ منهم بالذكر العالم البريطاني «ستيفان هاوكينغ» ، إلى أن الأبعاد المكانية في الوجود الفيزيقي يبلغ عددها عشرة، وهذا الاكتشاف، الذي أمكن التوصّل إليه بواسطة معادلات فيزيائية ورياضية مختلفة ومعقدة، يفضي بنا إلى التأكّد من حقيقة وجود العوالم السبعة المذكورة في الآية سالفة الذكر، بحيث يكون توزيعها كالآتي: عالم أوّل، يتشكّل من الوجود الفيزيقي الملموس الذي نعيش فيه بأجسادنا وحواسنا، ويحتكم إلى أربعة أبعاد هي الطول والعرض والارتفاع (أو العمق) والزمن؛ عالم ثانٍ، يتشكّل من أرض وسماء ثانيتيْن، فيزيقيتيْن ولكنهما من مادة أقلّ كثافة وثقلاً، وبذبذبات أكثر سرعة من الذبذبات السارية في العالم الأول، يحتكم إلى خمسة أبعاد؛ عالم ثالث، يتشكل من أرض وسماء ثالثتيْن، ولكنه من مادة أكثر لُطفاً وخفة، وبذبذبات أكثر سرعة، ويحتكم بالتالي إلى ستة أبعاد؛ عالم رابع، يتدرّج بدوره نحو الاختفاء ويحتكم إلى سبعة أبعاد؛ عالم خامس، بنفس التدرّج صوب الاحتجاب محتكماً إلى ثمانية أبعاد؛ عالم سادس، أكثر لطفاً وخفاءً، وبذبذبات أكثر سرعة محتكماً إلى تسعة أبعاد؛ ثم عالم سابع، يُفترَض أن يكون أكثر هذه العوالم لطفاً واحتجاباً وأخفّها تكويناً (فيزيقياً) وذبذباتُهُ أسرع حركة وبه يكتمل عدّ الأبعاد العشرة. وبهذا صار ثبوت وجود عشرة أبعاد أمراً مقضياً من الناحية الفيزيائية والرياضية النظرية (انظر كتاب ستيفان هاوكينغ، Une brève histoire du temps) ولكنه على الصعيد التطبيقي يشكل موضوعاً للجدال بين فريقين: فريق أوّل: يعتقد بوجود العوالم السبعة في نفس الحيّز الفضائي، بحيث تكون متداخلة فيما بينها ومحاطة بحجب تخفي كلاًّ منها عن الآخر؛ ولو أردنا أن نجد دليلاً على صحّة هذه الفرضية لألفينا في النص الديني شهادات وقرائن كثيرة وصريحة، كتلك التي تخبرنا عن الوجود اليقينيّ للملائكة والجان والشياطين؛ أو تلك الواصفة لقدرات خارقة يمكن اكتسابها بواسطة «علم الكتاب»، بحيث يكون في وُسْعِ مُكْتَسِبِها أن يتنقّل خارج قوانين الزمان والفضاء المادّيين الملموسين، (انظر قصّة العبد الذي جاء للنبيّ سليمان بعرش ملكة سبأ من الحبشة إلى بيت المقدس قبل أن يرتدّ إلى سليمان طرفه). فريق ثانٍ: يعتقد بوجود العوالم السبعة، ولكنه يراها متفرقة في الفضاء ومتباعدة، بحيث يقتضي التنقل إليها القيامَ بأسفار طويلة تُحتسب المسافات فيها بعشرات أو مئات أو آلاف السنوات الضوئية، مع العلم بأن هذا العدّ يفترض تنقلاً بسرعة الضوء (300.000 كلم في الثانية) فضلاً عن افتراضه قطع المسافات المذكورة في آلاف أو ملايين السنين، الشيء الذي يستحيل تحقيقه في الوجود المادي الكثيف والملموس. غير أن هناك، إمكانيةً اختزال المسافات واختصارها، افتراضًا، بالنظر إلى الاختلاف الكبير بين الزمن الأرضيّ والأزمنة الجارية خارج منظومتنا الشمسية. فمثلاً، قد يكون هناك مستوى من البُعد عن المنظومة الشمسية يكون اليوم فيه بالآلاف السنين بالحساب الأرضيّ، مما يفسح المجال للمسافر كي يقطع في أيام، فقط، مسافات يقتضي طيّها آلاف السنين بالحساب الأرضي. إنّ الآية القرآنية التي افتتحنا بها هذا البحث تدلّ دلالة قوية على أنّ في الوجود الفيزيقي سبعة أشكال وجودية متداخلة. ونجد دليلنا على ذلك في النّص الديني نفسه. فعلى سبيل المثال، تدل الآيتان 169 و 170 من سورة آل عمران على وجود الذين استشهدوا في سبيل الله أحياء يرزقون، يمارسون مستوى أرقى من العيش شبيهاً بما سبق أن مارسوه في الحياة الأرضية، ودليل هذا الشبه نجده في الآية 25 من سورة البقرة، والتي تصف ما يجده المؤمنون في العالم الآخر بكونه شبيهاً لما كانوا يتمتعون في حياتهم الأرضية من النّعم والمُتع الحسّية، مع فارق ضروري، بطبيعة الحال، يقتضيه اختلاف أشكال المادّة ونوعية الوجود في عالمهم الجديد . وعلى سبيل المثال أيضاً، نجد الآية 95 من سورة الأنبياء دالَّةً بصريح القول على وجود علاقة التداخل بين عالم وآخر من العوالم الأرضية السبعة، حيث تخبرنا بأن «الفجاج الأرضية» ستفتح عند اقتراب الساعة، فإذا بجنس ياجوج وماجوج يَنْسِلُون من كل حدب وصوب، أي يظهرون بغتة في كل مكان وكأنهم يمرقون من منافذ خفيّة موجودة في كل حيِّز. والحال أنّ التقدّم التكنولوجي الذي يشهده العصر الراهن قد فتح أمام إنسان اليوم سبلاً متعدّدة بفضل اكتشافات واختراعات عالَم المعلوميات الافتراضي وشخوصه الإلكترونية والرقمية، حيث صار في وسع الممسك بأدوات هذه التكنولوجيا أن يبعث في الفضاء كائنات ضوئية تظهر وتختفي فجأة وبحسب الرغبة، كما يحدث بواسطة جهاز «الهولوغرام» مثلاً. غير أن الحديث عن عوالم موازية، أو باطنية، أو غير مرئية، من شأنه أن يتفرّع بنا إلى مجالات وجود متعدّدة ومختلفة، قد تكون مجرّد أسماء لنفس المسمّى، من قبيل: العالم الباطني، والعالم الكوكبي، وعوالم العقل… ونحو ذلك من الأسماء والمجالات التي سنخصص لها الخطوة الموالية، والتي نعتبرها «مدخلاً» إلى هذا البحث.