للبدايات سحرها الخاص ،تبقى دائما عالقة في الذاكرة والوجدان، مثل ظلنا القرين،لصيق بنا في الحل والترحال، مهما كانت الإخفاقات أو النجاحات فلن يستطيع الزمن طيها. البدايات كانت دائما صرخة اكتشف معها المرء لغز الحياة، وككل بداية أو أول خطوة تحضر الدهشة بكل ثقلها، نعيش تفاصيلها بإحساس مغاير تماما ،وهو الإحساس الذي يكتب له الخلود ،نسترجعه بكل تفاصيله وجزيئاته، كلما ضاقت بنا السبل أو ابتسم لنا الحظ وأهدانا لحظة فرح عابرة. البدايات في كل شيء، دائما هناك سحر غامض يشكل برزخا بين الواقع وماتتمناه النفس الأمارة بالحياة والمستقبل الأفضل. في هذه الزاوية نسترجع بدايات فنانين مغاربة عاشوا الدهشة في أول عمل فني لهم، واستطاعوا تخطي كل الصعوبات كل حسب ظروفه المحيطة به، ليبدع لنا عملا فنيا ويهدينا أغنية تشكل اليوم له مرجعا أساسيا في مسيرته الفنية ،وتشكل لنا لحظة بوح من خلال استرجاع عقارب الزمن إلى نقطة البدء، وتسليط الضوء على ماجرى.
ولجت الفنانة كريمة الصقلي عالم الغناء والموسيقى منذ الصغر كهاوية، «حيث ظل صوتي، تقول، يرافقني بالغناء همسا وبعد مرور سنوات تحت الظل، تراكم عشقي للغناء في صبر جميل، فقررت دخول المعهد لدراسة المقامات وكذلك العزف على آلة العود والبيانو، لكن شغفي بالغناء كان أكبر. ومن بعد حصولي على جائزة الامتياز بالغناء العربي في برنامج «موزيكا « قررت الغناء بصوت أعلى. بعد ذلك بحوالي أربع سنوات دخلت الساحة الفنية من بابها الواسع سنة 1998». وعن أول أغنية دشنت بها مشوارها الفني، تكشف الفنانة كريمة الصقلي أنها كانت أغنية» ظلال»سنة 1998 من شعر عبد الرفيع جواهري وألحان المرحوم سعيد الشرايبي وتوزيع عازف الكمان المرحوم الغازي وكريم السلاوي، وتم التسجيل باستوديو منصيف عديل بالبيضاء، وكان موضوع الأغنية يعالج فراق حبيبين من بعد اللقاء. وتتذكر كريمة الصقلي أنه في أواخر سنة 1997 «كنت بحفل عند أصدقاء عائلة بن عبد الرازق بمراكش، وكان من بين الحضور عدد من الفنانين والمولعين بالطرب، وأذكر من بينهم المرحوم سعيد الشرايبي وعائلته وكذلك الصديق فوزي ابن السي أحمد البيضاوي وآخرين، وحدث أن دعتني صاحبة البيت للغناء رفقة السي سعيد رحمه الله. وطبعا بما أنني أمضيت جلّ اليوم أتمرّن على طقطوقة» حبيبي يسعد أوقاته»، فقد تمكنت من غنائها بدقة وبحرفية أمتعت الحضور. ومن بعد هذا اللقاء بيومين استقبلت الثنائي الملحن الشرايبي والأستاذ عبد الرفيع جواهري شاعر القمر الأحمر وهذه كانت أكبر خطوة تعامل فني، فكان الاقتراح «ظلال» . وفي هذا السياق تشكر الفنانة كريمة الصقلي السيد عباس بناني الذي كان حاضرا في أول لقاء. وعن الصعوبات التي واجهتها في إخراج الأغنية إلى حيز الوجود، تشرح المطربة كريمة الصقلي، « لم أكن أعرف استراتيجية التعامل مع الإنتاج ،ولا الطريقة الصحيحة لوضع هذا العمل بالمكتبة الغنائية بالإذاعة، فقد أحببت العمل، ولم أدرك الصعوبات ولا الحقيقة التي باتت تفاجئني طيلة مسيرتي الفنية» . وعن رد فعل الجمهور والوسط الفني، تقول» أظن بأن «ظلال» من القصائد التي يلزم الإصغاء إليها مدة 12 دقيقة وأكثر، ما يجعل جمهورها نخبويا إلى حد ما». أما المبلغ المالي الذي تطلب منها لإنجاز هذا العمل الفني، فتتذكر أنه كان 90.000 درهم ما بين إنجاز بالاستوديو والموسيقيين وكذلك الشعر واللحن. وبخصوص رد فعل العائلة، فتصفه كريمة الصقلي بأنه شكل لها مفاجأة وافتخارا، خاصة بالنسبة لأطفالها وزوجها، وتضيف أن هذا « لم يغير كوني ربة بيت، وإنما أعطاني انتعاشا وحماسا قويين للولوج للساحة الفنية»، وتعلق على هذا العمل الفني بوصفه يشكل ذاكرة عهد جميل، وتزيد قائلة إنها «بداية مشرفة لي أولا من حيث القصيدة الغنية أدبياً ولحنا، وكذلك التعامل مع شاعر كبير مثل الأستاذ عبد الرفيع الجواهري والملحن العميق الشرايبي، وهذا مكسب ثقة لي ليومنا هذا «. وعما إذا استمر التعامل في ما بعد مع نفس الأسماء، تجيب الفنانة كريمة الصقلي: «نعم، استمر العمل مع الثنائي بعمل آخر اسمه « العشاق» ومع نفس الشاعر عبد الرفيع الجواهري في العمل الفني « خبئ الشمس» من ألحان عزيز حسني وكذلك «طفولة الحجر «، وأما بالنسبة للملحن سعيد الشرايبي فقد أنجزنا ألبوم « ليلى» الذي سبق أن قدمته في افتتاح مهرجان فاس للموسيقى العريقة سنة 2000، والآن هناك عمل من توزيع مولاي رشيد الركراكي وسوف يرى النور قريبا بدعم من وزارة الثقافة.