مبادرة نبيلة أطلقتها رئيسة وزراء نيوزيلاندا جاسيندا ارديرن مع الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون تحت اسم “نداء كريستس تشارتش” من أجل محاربة التطرف عبر الانترنيت، بعد المجزرة التي تعرض لها بلدها، والتي قام بها إرهابي استرالي، من الذين يدعون تفوق العرق الأبيض حيث اقترف مذبحة بمسجدين بكريست تشارتش أودت بحياة 51 ضحية. خطورة هذه المذبحة ، في نقلها المباشر عبر فايسبوك من خلال الكاميرا التي ثبتها منفذ الجريمة فوق رأسه، وحتى بعد انتباه فايسبوك لخطورة ما تم تقديمه على شبكته بشكل مباشر وحذفه للمحتوى، فإن فيديو هذه الجريمة تناقلته وسائل اتصال أخرى . بمعنى أن هذه الجريمة التي وقعت في بلد بعيد عن العالم بحكم موقعه الجغرافي، عاشها بشكل مباشر ملايين من المتابعين. وتم تقاسمها بوعي أو بدون وعي بين عشرات الملايين من المشاهدين. من هنا جاءت المبادرة الفرنسية النيوزيلاندية وهي تحميل شركات الشبكات الاجتماعية مسؤولية ما ينشر على منصاتها الرقمية، والمشاركة في متابعة ما يحدث عليها وحذف الصور والخطابات التي تدعو للإرهاب والكراهية ضد الآخرين. وانظم عمالقة الانترنيت إلى نداء “كريست تشارش” بالإضافة إلى حوالي 20 من قادة العالم الذي اجتمعوا في 15 ماي بقصر الاليزيه بباريس، مع شركات الانترنيت منهم غوغل، فايسبوك وتويتر. وقالت الرئاسة الفرنسية بهذه المناسبة “إن القلق المشترك لكل المشاركين، هو كيفية مطالبة الدول وكبريات الشركات الرقمية بالتحرك ضد الإرهاب والتطرف العنيف على الانترنيت.” واللقاء هو أيضا استجابة لتزايد المطالب بضرورة التحرك ضد استغلال المتطرفين لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل نشر الحقد والكراهية، خاصة أن محاصرة هذا الخطاب المتطرف، لا يمكن أن تتم على مستوى بلد واحد بل لا بد من عمل دولي مشترك. وهذا اللقاء السياسي الذي شهدته فرنسا، كان بموازاة مع مبادرة أطلقها الرئيس الفرنسي لجمع 80 من مسؤولي شركات التكنولوجيا، لإيجاد سبل توظيف التكنولوجيا الجديدة من أجل المصلحة العامة. وكان هدف هذه المبادرة، وهذا النداء المشترك، مكافحة التطرف عبر الشبكات االرقمية، لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يستقر فوق أراضيها أغلب هذه المقاولات، أعلنت أنها لن توقع هذه المبادرة لكنها تدعم أهدافها، حسب بيان للبيت الأبيض. هذه المبادرة النيوزيلاندية الفرنسية، جاءت بعد أن بث الإرهابي الذي نفذ اعتداء ضد مسجدين في نيوزيلاندا بشكل مباشر لجريمته على فايسبوك دون أن يتمكن الموقع من حجب هذه الصور الوحشية، وحتى بعد حذفها تم تناقلها عبر وسائل اتصال أخرى. وهو ما جعل فايسوك الذي زار مؤسسه مارك زوكير بيرغ باريس في بداية شهر ماي والتقى بالرئيس الفرنسي، يعلن عن تشديد قيود خدمة البث المباشر، بهدف منع التشارك الواسع لتسجيلات عنيفة أو إجرامية كما حدث خلال مجزرة كريستش تشارس. وأعلنت الشركات العاملة في هذا المجال أنها سوف تتعاون لإيجاد أدوات جديدة لتحديد المضمون المتطرف بسرعة مثل تبادل قواعد البيانات للمنشورات أو الصور العنيفة لضمان عدم انتشارها في العديد من المنصات الرقمية. وحسب الرئيس الفرنسي، فإنه لأول مرة تتفق الحكومات والمنظمات الدولية والشركات والمؤسسات الرقمية على سلسلة من الإجراءات والتعاون الطويل المدى، لجعل الانترنيت مكانا آمنا وليس منصة لنشر الرعب،الإرهاب ،الكراهية والعنصرية كما هو عليه الحال اليوم. لكن غياب دولة كبرى مثل الولاياتالمتحدةالامريكية عن هذه المبادرة، يجعلها ضعيفة ويصعب إلزام عمالقة الانترنيت بتطبيق كل ما تم الالتزام به ، رغم إعلان حسن النوايا، على اعتبار أن واشنطن هي الدولة الوحيدة التي لها وسائل القانونية لإلزام المقاولات بما يتم الاتفاق عليه على المستوى الدولي كيفما كان الاتفاق، خاصة أن أغلب هذه المقاولات توجد مقراتها الاجتماعية فوق أراضيها. بيان البيت الأبيض حول هذه المبادرة “يؤكد أن الظروف الآن لا تسمح لواشنطن بالانضمام إلى هذا التعهد، إلا اننا ندعم أهدافه.” ولكن في نفس الوقت يقول البيان إنه يشجع شركات التكنولوجيا على تنفيذ شروط الخدمة الخاصة بها والمعايير المجتمعية التي تحظر استعمال منصاتها لأهداف إرهابية، ونوصل جهودنا الاستباقية من أجل مواجهة المحتوى الإرهابي على الانترنيت.” موقف واشنطن مع مراقبة المحتوى الذي يشكل تهديدا لكن دون أن يكون ملزما لهذه المقاولات، أو أن هناك تخوفا امريكيا من إصدار قوانين ملزمة يمكن أن يهدد استمرارية هذه المنصات الاجتماعية في العديد من البلدان في حالة تعرضها لمتابعات قضائية وما يترتب عن ذلك من خسائر لهذه المقاولات. لهذه الاعتبارات، يبدو أن واشنطن اختارت عدم الالتحاق بنداء باريس “كريتس تشارش”، وهو موقف يضعف هذه المبادرة، رغم أن عمالقة الانترنيت قبلوا بها من حيث المبدأ والتحقوا بها. لكن غياب أكبر دولة في العالم عنها، يجعلها ضعيفة رغم الدعم الذي قدمته حوالي 20 دولة لهذا النداء.