للبدايات سحرها الخاص ،تبقى دائما عالقة في الذاكرة والوجدان، مثل ظلنا القرين،لصيق بنا في الحل والترحال، مهما كانت الإخفاقات أو النجاحات فلن يستطيع الزمن طيها. البدايات كانت دائما صرخة اكتشف معها المرء لغز الحياة، وككل بداية أو أول خطوة تحضر الدهشة بكل ثقلها، نعيش تفاصيلها بإحساس مغاير تماما ،وهو الإحساس الذي يكتب له الخلود ،نسترجعه بكل تفاصيله وجزيئاته، كلما ضاقت بنا السبل أو ابتسم لنا الحظ وأهدانا لحظة فرح عابرة. البدايات في كل شيء، دائما هناك سحر غامض يشكل برزخا بين الواقع وماتتمناه النفس الأمارة بالحياة والمستقبل الأفضل. في هذه الزاوية نسترجع بدايات فنانين مغاربة عاشوا الدهشة في أول عمل فني لهم، واستطاعوا تخطي كل الصعوبات كل حسب ظروفه المحيطة به، ليبدع لنا عملا فنيا ويهدينا أغنية تشكل اليوم له مرجعا أساسيا في مسيرته الفنية ،وتشكل لنا لحظة بوح من خلال استرجاع عقارب الزمن إلى نقطة البدء، وتسليط الضوء على ماجرى.
«منذ طفولتي شاركت في العديد من برامج الأطفال، سواء في الإذاعة الوطنية أو التلفزة المغربية»، وتقول الفنانة صباح الشنا إن الانطلاقة كانت من برنامج» مواهب» الذي كان يشرف عليه الأستاذ الكبير عبد النبي الجيراري، رحمه الله. «وأول أغنية ولجت بها الميدان الفني كانت بمناسبة عيد العرش تحت عنوان» حسن المحاسن» من ألحان الأستاذ أحمد بن موسى وكلمات الزجال سعيد بناني رحمهما الله…». «طبعا، تضيف الفنانة صباح الشنا، لم تكن هناك صعوبات كثيرة على مستوى الإنجاز الفني، فقط وكما تعلمون أن الفنان يتعب ويكون في وضعية نفسية لايحسد عليها، وكأنه ينتظر مولودا جديدا، لكن ولله الحمد سعدت كثيرا بعد خروج هذه الأغنية إلى حيز الوجود، بحكم أن تفاعل الجمهور كان مليئا بالحب والترحاب، وهنا يكمن سر نجاحي، لأن العطاء الصادق والنابع من القلب يصل للمتلقي فيصبح هناك ألفة وتجاوب بين الطرفين…». قبل ذلك، تقول صباح الشنا، شاركت في برامج للأطفال»باحميدون وبا إدريس» كما كنت أصغر مشاركة في برنامج «مواهب» للأستاذ عبد النبي الجيراري في سن التاسعة، وأنا ممنونة لهذا العملاق، حيث كنت أحضر للبرنامج، وشاركت في سن صغيرة في أغنية دينية للأستاذ عبد الحميد بوجندار وأخرى دينية مع الأستاذ أحمد بنموسى، وتعاملت من بعد مع مجموعة من الأسماء العملاقة منها عبد اللطيف السحنوني في أغنية «راضية بلمكتاب» والأستاذ جمال الأمجد في أغنية «منك لله»، كما تعاملت مع الموسيقار المرحوم محمد الموجي، إذ كان اللقاء في مصر أثناء افتتاح دار الأوبرا المصرية، حيث ذهبنا إلى القاهرة بمعية وزير الثقافة المغربي آنذاك، وقدمنا ملحمة العهد، شارك فيها ممثلون ومطربون ومسرحيون مغاربة… وعن هذه المرحلة تتذكر الفنانة الشنا قائلة،»كان لقاء أولي مع الموسيقار محمد الموجي هناك، قبل أن نلتقي في باريس صحبة ابن شقيقه الذي هو شاعر غنائي وملحن، وقد تعاملت مع الموسيقار محمد الموجي في أغنية «مش حنغلط مرتين « كلمات ممدوح عبد الحليم، كما غنيت أيضا أغان ليبية من توقيع كبار الفنانين الليبيين منهم الملحن أحمد حسن، إلى غير ذلك من الأغاني المغربية والعربية، وأنجزت أوبريت بعنوان «أطفال المغرب قادمون»، كان عملا جميلا، لكن للأسف لم يسلط عليه الضوء إعلاميا بالشكل المطلوب، هو عمل يتحدث عن التربية والوطنية والثقافة المغربية وتاريخ بلادنا، كما غنيت صحبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي وعمري عشر سنوات في أغنية «حبيب الجماهير «، إذ كنت ضمن الكورال الذي كان مؤلفا من الأطفال. وغنيت في إحدى المناسبات الوطنية في الساحة الوسطى للقصر الملكي بالرباط، وغنيت في عيد ميلاد جلالة الملك محمد السادس لما كان وليا للعهد، ومازلت أتذكر أنه بعد انتهاء الحفل، سلم علينا جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وأنا طفلة آنذاك، حيث وضع يده فوق كتفي وسألني عن اسمي واسم عائلتي وهل أتابع دراستي، وقال لي جلالته رحمه الله»اشنو باغية تكوني»، إشارة إلى المهنة التي أريدها مستقبلا، لكنني أجبته بعفوية،»بغيت نبوسك «، وفعلا قبلته على خده، وأحسست كأنه والدي فعلا، إذ أن ملامحه تشبه ملامح والدي رحمهما الله جميعا…». الوسط الفني تفاعل مع عملها الفني الأول، تقول صباح الشنا ،»الحمد لله كان لي الشرف أن عاصرت روادا كثيرين من بينهم من أخذ بيدي وساعدني كثيرا، أشكرهم جميعا من كل قلبي، وأذكر منهم الأستاذ حميد بنبراهيم عازف الناي الأول بالجوق الوطني والأستاذ حميد بوجندار والأب الروحي الأستاذ عبد العاطي أمنا والأستاذ عبد اللطيف السحنوني والأستاذ جمال أمجد والأستاذ عبد القادر الراشدي والأستاذ سي محمد عمار والأستاذ بنهمو وأيضا الفنان المقتدر الطاهر جيمي الذي لي معه دويتو من ألحانه والفنان أحمد الغرباوي، وكذلك الشعراء عبد اللطيف بوعياد،عبيري بوشعيب، بوشعيب العمراني، محمد الكزار، محمد الشرقاوي. أما المبلغ الذي تقاضيته آنذاك فكان يتراوح مابين عشرة آلاف وخمسمائة درهم فما فوق…». لا أنسى، تضيف صباح الشنا، أن العائلة كانت المساند الأول لي في مشواري الفني، وعن تقييمها لهذا العمل اليوم، تقول الفنانة المغربية صباح الشنا إنه فعلا عمل فني جميل نفتقر لمثله هذه الأيام. هذه الأغنية التي افتتحت بها مشواري الفني، أعتبرها بصمة صباح الشنا، ومازلت أتعامل مع الأسماء الفنية التي تعاملت معها في البدايات، كما أن هناك أسماء جديدة أخرى اشتغلت معها، المهم بالنسبة لي هو أن يكون العمل هادفا ويحمل رسالة. وبخصوص أغنيتها الشهيرة «أشتا تا تا «عن ذلك تقول، هذه قطعة جميلة، كانت مع مجموعة من الأطفال، وأنجزتها بمناسبة التلقيح المغاربي الأول سنة1987، إذ تم هذا العمل الفني مع اليونيسف، وكنت قد حصلت من خلالها على المبلغ الأول، ولاقت الأغنية نجاحا كبيرا خاصة وسط الأطفال، وهذا ليس بغريب فأنا شخصيا لدي علاقة استثنائية مع الطفل، إذ يكون التجاوب بيننا بسرعة وبشكل تلقائي..، وبخصوص هذه الأغنية فقد اجتمعت بالأستاذ محمد الشرقاوي والأستاذ محمد عمار وشقيقه خالد عمار، حيث تحدثنا عن الفكرة، وأنا من اقترحت لازمة»أشتا تا تا»، وبسرعة تمت كتابة الكلمات التي تقول»الشتا تاتا،الوليدات الحراثة، التلقيح فكل مكان، فوزوا فوزوا يا صبيان …»حيث تعدى الإقبال على هذه الأغنية الأطفال إلى المجتمع المغربي برمته…