عرفت المرافق العامة للنظافة التابعة للجماعات الترابية توسعا كبيرا خلال العقد الأخير، على إثر الإصلاحات القطاعية التي قامت بها السلطات العمومية، ودخول القانون المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة حيز التنفيذ. وقد أبانت دراسة ظروف تسيير مرافق النظافة عن مشاكل ذات صلة بالجوانب التعاقدية وبجودة الخدمة وآليات التقنين والضبط والمراقبة، وكذلك عن إشكاليات مرتبطة بتثمين النفايات. وينبغي ان يشمل هذا التقييم ايضا قياس مستوى رضا الساكنة ازاء الخدمات المقدمة. الجوانب التعاقدية غالبا ما تفتقر الشروط المرجعية المعمول بها في إعداد عقود التدبير المفوض للدقة المطلوبة، وخاصة فيما يتعلق بالجوانب المرتبطة بالمجال الترابي الذي يتعين تغطيته وما سيعرفه من تطور، إضافة الى الجوانب الخاصة بوتيرة الخدمات وبحجم التجهيزات ومواصفاتها التقنية والجزاءات المترتبة عن إخلال الشركة المفوض اليها بالتزاماتها التعاقدية. وعلى مستوى إسناد العقود، يقع الاختيار غالبا على المتعهد صاحب العرض الأكثر انخفاضا. ومن شأن هذه العوامل ان تنعكس بشكل سلبي على جودة الخدمة. كما لم يتم بعد صدور المرسوم التطبيقي المنصوص عليه في المادة 41 من القانون 28.33 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، والذي يلزم الجماعات بإنجاز مخطط مديري جماعي او مشترك بين الجماعات لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها. وفي غياب هذا المرسوم التطبيقي، لم يتم إنجاز هذه المخططات الا من طرف بعض الجماعات بدعم من منظمات غير حكومية، بشكل اساسي. ويتعلق الأمر بجماعات أكادير وشفشاون ووالماس. ومن بين العوائق الأخرى، وعلاقة بما سبق، تجدر الإشارة الى غياب المخطط المديري للعمالة والإقليم لتدبير النفايات المنزلية والمماثلة، وكذا المخطط الجماعي ذي الصلة والمحدد للعمليات التي تسبق جمع النفايات، وعمليات جمعها ونقلها وإيداعها بالمطارح والتخلص منها ومعالجتها وتثمينها، وفرزها عند الحاجة. ومن اجل تجاوز هذا النقص، تم في اطار المخطط الوطني للنفايات المنزلية، تمويل الدراسات المتعلقة بسبع مخططات مديرية لتدبير النفايات والالتزام بإنجاز 12 دراسة بخصوص مخططات مديرية اخرى. ويتضح، في العديد من الحالات، ان الدراسات القبلية غير شاملة ولا تتصف بكامل الموثوقية (اما المبالغة او التقليل في تقدير حجم النفايات واعتماد تصميم تقني سيء للمطارح) مما يفضي الى توقعات تنعكس سلبا على التوازن الاقتصادي والمالي للعقد لا تخصص دفاتر التحملات المتعلقة بالتدبير المفوض معالجة خاصة لخدمات جمع النفايات الصادرة عن المؤسسات الاستشفائية والطبية. كما لاتتضمن العقود مقتضيات خاصة ذات بعد اجتماعي بشأن تأطير وتكوين وتنظيم العاملين في الأنشطة المتصلة بالفرز وإعادة التدوير بالمطارح العمومية. وفضلا عن ذلك، لا يتم إدماج مفهوم «آلية التطور النظيف» ضمن مقتضيات العقد المتعلقة بإنجاز المشروع، وبالتالي لا يتم الأخذ بعين الاعتبار لمستلزمات التنمية المستدامة. وتبقى دراسات الجدوى والآثار على الأنظمة البيئية الطبيعية شبه غائبة. كما تغيب ايضا الدراسات التي تعنى بالفرشات المائية والصحة العمومية في علاقتها مع تموقع محطات التحويل والمطارح العمومية. تنفيذ العقود : تضاف الى ما سبق، نقائص اخرى مرتبطة بتنفيذ العقد، وخاصة فيما يتعلق بالاستثمار وجودة الخدمات والموارد البشرية. وفي غياب نظام ملائم للمراقبة من طرف السلطة المفوضة، فإن الشركة المفوض اليها قد لا تفي بالتزاماتها بخصوص الاستثمار وانجاز مراكز التحويل من اجل استقبال النفايات الصادرة عن مجال تغطية الخدمات، قبل نقلها الى المطرح العمومي الخاضع للمراقبة. كما ان الشركات المفوض اليها نادرا ما تحترم الآجال المتعاقد بشأنها، فيما يخص اقتناء المعدات والآليات المنصوص عليها في عقد التدبير المفوض، مما يحول دون انجاز الخدمات التعاقدية في ظروف جيدة. ولاتقوم الأطراف المتعاقدة بالإجراءات الإدارية المسبقة من أجل تشييد البنايات الإدارية والمنشآت المطلوبة والمسالك، مما يؤدي الى التأخر في استغلال المشاريع. تنص اتفاقية التدبير المفوض على التزام الشركة المفوض اليها بتوفير المستخدمين بالأعداد والكفاءات اللازمة لإنجاز الأشغال واستغلال المرافق. لكن النقص المسجل على مستوى التأطير والتتبع، غالبا ما ينتج عنه بطء في انجاز الأشغال، كما يشكل مخاطر على جودة الخدمات التعاقدية. تلجأ الشركة المفوض اليها، بصفة مفرطة، الى المستخدمين العرضيين، مما لا يسمح ببلوغ الأهداف التعاقدية، بفعل عدم الاستقرار الناتج عن هذه الممارسة وعدم الاستفادة من التجارب المتراكمة، إضافة الى غياب دورات تكوينية لفائدة هؤلاء المستخدمين العرضيين. وقد ظهرت عدة مشاكل ادت الى خلق اجواء عدم الثقة بين طرفي العقد، الأمر الذي من شأنه ان يهدد استمرارية علاقة الشراكة بين السلطة المفوضة والشركات المفوض اليها. وتتلخص هذه المشاكل، على الخصوص، في ما يلي: - النقائص التي يعرفها مسلسل التخطيط لوضع وتنفيذ الميزانية؛ - تراكم متأخرات الأداء لفائدة الفاعلين الخواص؛ - ضعف الجماعات الترابية في تدبير المراحل التعاقدية وتتبع المشاريع؛ - غياب قنوات الحوار وضعف الآليات الكفيلة بتسوية الخلافات. وقد تم القيام بمبادرات من أجل حل المشاكل المذكورة اعلاه، شملت على الخصوص: - اتخاذ تدابير من طرف وزارة الداخلية، من اجل تصفية متأخرات الأداء وتفادي تكونها من جديد؛ - دعم الجماعات الترابية قصد تحسين ظروف اعداد وتدبير العقود، وذلك باللجوء الى الخبرة الخارجية في اطار «مساعدة صاحب المشروع»؛ - دراسة آليات أكثر مرونة وأكثر نجاعة من اجل فض النزاعات بين الشركاء. بالنسبة لجودة الخدمات : لا تتطور جودة الخدمات طبق مقاربة الأهداف ومؤشرات النجاعة التي يتم تحديدها سلفا. وعلى المستوى العملي، تتعدد اشكال الخلل، كتجاوز حمولة الحاويات ونقص وسائل صيانتها وافراغها في ظروف سيئة. كمايعاني التدبيرالتقني للحاويات وصناديق جمع النفايات من ضعف التخطيط، ممايؤدي الى سوء التوزيع على مختلف المواقع. وتتدهور جودة الخدمات في غياب برامج معدة سلفا من اجل غسل الحاويات وتنظيفها بصفة دورية، اضافة الى عدم استعمال مواد التنظيف الملائمة. كما تحول عدة عوامل دون الرفع من جودة الخدمات، كتهالك وسائل النقل، وغياب صيانة وتجديد المعدات، والتغيير المستمر لمسارات وسائل جمع النفايات. وعلاوة على ذلك، فإن الخدمات المرتبطة بتنظيف الطرقات لا ترقى الى المتطلبات التعاقدية، وذلك بسبب النقص الناجم عن الكنس اليدوي، وغياب برنامج منتظم لكنس الأزقة والشوارع، واستعمال ادوات غير ملائمة ومتقادمة. وتشكل ظروف جمع النفايات الاستشفائية والصناعية والكيماوية وكذا اصناف اخرى من النفايات الضارة، مخاطر على صحة الساكنة. من جهة أخرى تستخدم المطارح من طرف الشركات المفوض اليها كمراكز لتحويل النفايات. كما لا يتم الإسراع بتحويل النفايات المودعة الى المطرح العمومي، مما يتسبب في تسرب المخلفات السائلة لهذه النفايات من الشاحنات خلال عمليات التحويل. وتتجلى اهمية مراكز التحويل في فصل عمليات الجمع والنقل نحو المطارح، علما ان تعميم هذه المراكز على جميع التجمعات، من شأنه ان يتيح الاقتصاد في كلفة النقل وان يتيح تنظيما افضل لمسار معالجة وتثمين النفايات. وعلى الرغم من كون مراكز التحويل تلعب دورا مهما في ترشيد استعمال الوسائل، فإن اللجوء اليها يبقى ضعيفا، حيث لم يتجاوز 2 بالمائة من مجموع النفايات المودعة بالمطارح خلال سنة واحدة. لا تتضمن العقود الشروط اللازمة لتمكين السلطة المفوضة من موقع عصري للمعالجة يجمع بين الفرز وطمر النفايات ومعالجة التسربات السائلة بواسطة تقنيات حديثة تستجيب لأهداف التدبير الجيد للبيئة، من قبيل تقنية التناضح العكسي. وتتسبب عمليات طمر النفايات التي تقوم بها الشركات المفوض اليها في انتشار روائح كريهة، وتدفق المخلفات السائلة للنفايات خارج المناطق المانعة للتسرب وخارج مواقع المطارح. ولاتلجأ الأطراف المتعاقدة الى المسوحات والدراسات الطبوغرافية اللازمة لتقييم نسبة تلك النفايات، وتتبع التطور الحاصل في تحلل النفايات المطمورة، وذلك بالنظر الى ظهور المخلفات السائلة للنفايات وانتاج الغازات الحيوية. و يترتب عن هذا الوضع عدة ظواهر سلبية كتطاير النفايات وانبعاث الروائح، وتسرب الغازات الحيوية، ومخاطر الحرائق، اضافة الى مخاطر التعفنات الناجمة عن توافد الطيور على المطارح. وفي غياب بنيات تحتية ملائمة للتخلص من النفايات، غالبا ما تلجأ المستشفيات والمراكز الصحية إلى التخلص من النفايات الخطرة، دون مراقبة على مستوى المطارح الجماعية المشتركة بين الجماعات. وتشكل هذه الحالة تهديدا خطيرا لصحة الساكنة. ويبقى مسلسل معالجة المخلفات السائلة للنفايات بواسطة التقنيات الملائمة، مثل التناضح العكسي، غير ذي دلالة، نظرا لغياب بروتوكول وقائي ضد المخاطر المرتبطة بالأعطاب التقنية، وغياب الصيانة المتكررة للأغشية، والنقص في التزويد بمواد التنظيف، بسبب النفاد المتكرر للمخزون، والتوقفات المتتالية للمحطات عن الخدمة بسبب الانقطاعات الكهربائية. تعتري عمليات الرصد والمراقبة العديد من النقائص منها: - غياب برنامج لمراقبة مكونات المخلفات السائلة للنفايات؛ - انجاز بعض التحاليل من طرف جهات غير معتمدة؛ - انعدام تحاليل مرجعية؛ - غياب ترخيص من وكالة الحوض المائي فيما يتعلق بالقاء المواد السائلة بالأنهار. لا يتم القيام باخذ العينات والقياسات والتحاليل وفق الوتيرة المشار اليها في عقود التدبير المفوض. ينتج عن المطارح غير الخاضعة للمراقبة، والواقعة عموما بمقالع قديمة، تأثيرات سلبية على البيئة، وخاصة على الموارد المائية، علما بأن 13 بالمائة من المطارح تقع بالقرب من مجاري المياه والفرشات المائية كما ان انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري و تكاثر الحشرات والقوارض يتسبب في آثار خطيرة على الصحة والبيئة. آليات التقنين والضبط والمراقبة والتتبع يكشف التشخيص عن اختلالات على مستوى آليات التقنين والضبط والمراقبة والتتبع التي تحكم هذا النمط من التدبير. وبصفة عامة، تنص الاتفاقية المبرمة مع الشركة المفوض اليها ، على وضع نظام داخلي من اجل تحديد اختصاصات السلطة المفوضة وتكوينها وطرق اشتغالها. لكن عمليا، يسجل غياب هذه الآلية، مما يؤثر سلبا على تنفيذ العقد. لذا، فإن الشركة المفوض اليها تجد نفسها في مواجهة العديد من المخاطبين من جماعات حضرية او قروية وسلطة محلية، والذين يتدخلون في هذا المجال دون اي تنسيق مسبق فيما بينهم. ويحول غياب التنسيق والتواصل بين هؤلاء المخاطبين وتداخل سلطاتهم دون امكانية تقديم نفس الوثائق بصفة منتظمة من طرف الشركة المفوض اليها الى مجموع الأجهزة المعنية. كما يستعصي حضور جميع هؤلاء المتدخلين، بشكل متزامن، لتتبع الأشغال المنجزة والخدمات المقدمة. يتولى تتبع الخدمات العديد من المتدخلين التابعين لأجهزة مختلفة، مما يتسبب في بطء على مستوى قنوات ايصال المعلومات. وقد يفضي ذلك الى اتخاذ مبادرات معزولة، دون اخبار مصلحة المراقبة والتتبع. تنص الاتفاقية ايضا على إحداث مصلحة دايمة للمراقبة من طرف السلطة المفوضة، تختص بمراقبة الأشغال والخدمات، بناء على الوثايق وعبر زيارات ميدانية. لكن هذه المصلحة لا توجد على ارض الواقع، بسبب غياب خلية قانونية تمثل السلطة المفوضة. وتترتب عن ذلك نقائص منها عدم القيام بمراقبة الأشغال والخدمات بصفة منتظمة، وعدم توظيف الكفاءات الضرورية لممارسة هذه المهمة، وكذا قلة اللجوء الى الخبراء الخارجيين من اجل تتبع بعض الخدمات ذات خصوصيات معينة (بناء الخزانات والممرات الهوائية ووضع اغشية مطاطية مقاومة لتسرب المياه وإنشاء محطات للتناضح العكسي...) ومن شأن غياب المصلحة الدائمة للمراقبة ان يساهم في تفاقم النقص الحاصل في ارشيف الوثايق المرتبطة بتنفيذ مختلف مراحل العقد، خصوصا فيما يتعلق بتتبع الاستغلال، وتوفير الأراضي، واشغال بناء المطارح ومراكز التحويل، وتسلم التجهيزات. كما ان الاختلال الذي تعرفه اجهزة المراقبة يفضي الى التاخر في دفع المساهمة المنصوص عليها في العقد والمخصصة لتمويل مصاريف التتبع ومراقبة التسيير على مستوى الشركة المفوض اليها. وحسب الفاعلين المعنيين، فان هذا التاخر يعزى الى غياب مصلحة تختص بهذه الوظيفة وتعمل تحت سلطة الجماعة المفوضة، وكذا الى غياب اتفاقية تحدد كيفيات تسييرالحساب البنكي المخصص لتلقي عايدات هذه المساهمة. كما ان غياب اجهزة المراقبة لا يمكن من صياغة التوصيات والتوجيهات بخصوص البرامج السنوية للأشغال ومخططات الاستغلال التي يتم اعدادها من طرف الشركة المفوض اليها، كما لا يسمح بالتاكد من مدى مطابقة هذه البرامج والمخططات للمبادي والأهداف التي حددت عند وضع البرنامج التوقعي للاستثمار. ومن انعكاسات هذا الاختلال ايضا، عدم الشمولية وضعف الجودة في تتبع المشاريع والعقود الممكن ابرامها مع الأغيار. قلما يتوفر اعوان مصلحة مراقبة وتتبع التدبير المفوض على المعلومات الشاملة بخصوص الشكايات الواردة على الشركة المفوض اليها، وبالتالي لا يمكنهم تقديم إجابات ناجعة بشأنها وداخل الآجال المناسبة، وبالشكل الذي يخدم استمرارية الخدمات وتحسين جودتها. ولا تتوفر الشركات المفوض إليها دائما على مساطر رسمية وبنيات تخص الجودة والافتحاص الداخلي. وهذا الخصاص لا يثير إلا نادرا ردة فعل السلطة المفوضة التي تبقى المعلومات المتوفرة لديها متباينة مع تلك التي تتوفر عليها الشركة المفوض إليها.