«ثمة قصيدة تائهة، ترفسها الدواب» أفتش عن وجه الشعر لوجه لله. ضربت يدي إلى الشكّارة (المحفظة الجلدية)، فلم ألتقط سوى: ريال حسَني كما تقول الماية، وهي تتردد من الصوت السلسبيل لرقية بنت الحمداني. وأنا أرغم الأحمرة على الدوران بعد الزوغان عن نقطة الجذب. حمارة التكيدة (القيادة) ترنو بعينين مشدوهتين، يغلب عليها الفراغ؛ كأنها تذكرني بالبغل الزعواط في الجانب. يا لله؛ كل هذا الرفس، وهذا الشعر، يخرج أطيطا من حوافر دوابنا. “ترازتي” ( قبعتي) مصنوعة من دوم مقبرة سيدي مبارك، وبالضبط من قبر جدي ولد بلمعلم. قلب الدوم الذي يخرج أبيض كلحية جدي ولد بلمعلم. إن الشعر الحقيقي تحت الأرض، أو في قبعتي الدومية، صاحبة العيون الشاسعات، التي تسعف ما تبقى من ريح الغربي لتلطيف رأسي المطحون بجهنم الشعر. ألطم الحمار الأشهب بعصاي الطويلة في الوسط دون سبب، بفعل العادة فحسب، يرتد صدى الشحطة بعد أن قعس ظهره. يركل الفراغ. لا أعلم هل سينتقم من الفراغ أم من الشعر؟ سينتقم في ذهنه، كما كنت أنتقم من المعلمة صاحبة المسطرة الحديد.. مسطرة العذاب. لقد ماتت المعلمة، وزرت قبرها، وتبولت عليها في ذهني. كانت الغرغرات منسجمة مع نشوة الحقد العاجز. يا لله، كل هذا الشعر فاتني؟ تولول والدتي ملتاعة، حالما تزيغ الدواب عن المضمار: إن عودي رخو. تصطك بأسنانها: إذا طال نومك، خطفوا لالاك (سيدتك). تبا للمدارس الكلبة ابنة الكلب.. تبا للحرف الأول. صوت محمد أبو الصواب يلعلع من الراديوالمعلق في حمّار العشّة: دكان الناس دكان العامل والفلاح والصانع. فرقة المخاليف بميزانها الحوزي، تزيد من ساديتي، ألطم البغل الزعواط من جديد. يتسلل الدخان العمودي من سقف الكشينة الفاحم. لاوقت لوالدتي. تعد خبزا فطيرا. تغني لكانونها، كما يتغنى الشعراء القدامى بخيلهم وسيوفهم. والدتي شاعرة بالفطرة، حين تهدد الغرماء بوضع عجلة كاوتشو السوداء تجاه بيوتهم ، حتى يحيق بها الخلاء، كما يخلو السوق عشيّة. فكرة الخلاء فكرة بغيضة، يتلقفها عمي سماعين، قاعصا قمله من سرواله القندريسي، ناعتا والدتي بابنة الخمّاس، بعد أن ستر محاسنه ببطان سرج حماره. في الغد سيعلق هو الآخر عجلة الكاوتشو السوداء تجاه بيتنا. يالله، سيحل الخلاء الأكبر ببيتنا. أتسلسل خفية في الغبش وأقرأ آية الكرسي،حتى أبطل مفعول الحموم والخلاء معا. تكافئني والدتي بسلق ثلاث بيضات، وهي تثني على المعلم الذي علمني الحرف الأول هذه المرة. اللطمة الأخيرة من شمس الغروب تورّد بيتنا. انتهى كل شيء بنصرنا جميعا. يالله، لم يحل الخلاء ببيتنا، بل،تحول إلى بيت للغواية، تحول إلى أبيات لوجه لله.