يكاد الناس لا يميّزون في التعاطي مع الإدارة، بين مكاتبها الخلفية ومكاتبها الأمامية (Front Office et Back Office)، حيث يصرّون على تمكينهم من الولوج إليها وعلى استقبالهم في أفضل الشروط، وقضاء حاجاتهم بدون تعقيدات في أقصر أمد، والحال أن المنشآت الإدارية، فيها ما هو مكرّس للاشتغال الداخلي، ولإنجاز مهام لا تدخل بالضرورة في علاقة مباشرة مع المرتفقين، ومنها من تتركز مهمتها الأساسية، في استقبال المواطنين، وتمكينهم من الخدمة الإدارية، عبر فضاءات وشبابيك مخصصة للاستقبال. التشخيص الذي وضعته وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، يكشف غياب منظومة منسجمة لفضاءات الاستقبال بالإدارة المغربية، كمنظومة تحدد الشروط المادية والمعمارية للاستقبال، وتدقق قواعد حسن الاستقبال ومختلف الشروط التي تندرج في مبادئ الحكامة الجيدة، حيث يؤدّي هذا الغياب إلى تحويل فضاءات الاستقبال إلى بؤرة للتوتر بين المرفق العام و المرتفق. لذلك، فإن أي توجه يبغي تحقيق استعادة ثقة المرتفقين في الإدارة، يجب أن يكون أساسه، هو تأهيل وتحسين فضاءات الاستقبال بها، أي مكاتبها الأمامية، وجعلها قادرة على استقبال المرتفق، حيث يكون تمكينه من خدمة جيدة، هو الغاية من وجود الإدارة أصلا، هذه المقاربة، التي ظلت غائبة عن الإصلاحات الإدارية السابقة، هو ما جعل الثقة شبه منعدمة في الإدارة من طرف المرتفقين. إذ أنه لا يمكن أن نتصور أي استعادة لهذه الثقة، في ظل مكاتب أمامية، موجودة ببنايات أنشئت في الأصل من أجل السكن، حيث يتم استقبال المواطنين في الطابق الثالث أو الرابع، وحتى تلك التي توجد في فضاءات مناسبة، تنعدم فيها الولوجيات الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة، بل لا وجود فيها حتى لمكاتب ولوحات الإرشاد والتوجيه. ناهيك عن مظاهر التعسف والعجرفة، التي أبلى وسيط المملكة البلاء الحسن في توصيفها من خلال تقاريره، وغير ذلك من مظاهر التعقيد والتسويف، التي تجعل من المرتفق منسقا، يقوم بتجميع الوثائق من مختلف الإدارات، قبل استفادته من أبسط خدمة إدارية. إن معظم التجارب العالمية، التي نجحت في تحسين الاستقبال بالإدارات العمومية، هي التي تخلت عن فكرة تعدد المكاتب الأمامية، وتباعد أماكن وجودها، وتبنت فكرة المكتب الوحيد، أو الشباك الوحيد، والتي تتأسس على جمع جميع المكاتب الأمامية بالإدارات، بمركز استقبال واحد، أي ببناية واحدة، حتى يسهل على المرتفق، الولوج إلى جميع الخدمات الإدارية التي يريد، في وقت قصير، ومع بذل جهد قليل، وفي ظروف استقبال جيدة. في هذا الإطار، يندرج البرنامج الوطني «تحسين استقبال المرتفقين بالإدارات العمومية المغربية»، الذي تسهر عليه وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، بتنسيق مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، والذي يهدف إلى إحداث مجموعة من مراكز الاستقبال النموذجية، حيث تم إلى حدود كتابة هذه السطور، افتتاح مركزين منها، ويتعلق الأمر بكل من المقاطعة السادسة بيعقوب المنصور، ومركز استقبال القنصلية المغربية بالجزيرة الخضراء، الذي افتتحه الوزير بنعبد القادر الأسبوع الماضي، في أفق إنشاء وتحديث مركز استقبال مستشفى مولاي عبد الله بالجديدة، ومركز تسجيل السيارات بالرباط، و تهيئة فضاء الاستقبال بسجن عكاشة. ومن أجل رصد الحالة التي توجد عليها المكاتب الأمامية، التي تقدم خدمات إدارية للمواطنين، أطلقت وزارة بنعبد القادر، دراسة حول خرائطية الخدمات العمومية، بالشبابيك الأمامية، على مستوى جهة فاسمكناس، والتي تهدف إلى ضبط كافة المعطيات المتعلقة بالبنيات التحتية، والموارد البشرية، والمساطر الإدارية، المتعلقة بوظيفة مكاتب الاستقبال، وسوف تكون مخرجات هذه الدراسة، منطلقا لإرساء دعائم منظومة جديدة للاستقبال، تقوم على مبادئ توحيد المكاتب، وضمان الجودة، وتحقيق الفعالية و الشفافية.