شكلت زيارة البابا فرنسيس للمغرب، التي تأتي بعد 34 عاما من تلك التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة سلام وأمل إلى عالم يبحث عن معالمه، ويعرف تحولا أكثر من أي وقت مضى، حيث أن النزاعات والمواجهات والعنف، التي ترتكب باسم الدين، تؤثث يوميا المشهد الإعلامي، في وقت يكافح فيه صوت الحكمة من أجل إيجاد موطئ قدم له. وتكتسي هذه الرسالة حمولة رمزية كبيرة، على اعتبار المكانة التي تحتلها الرباط، تاريخيا، كمدينة منفتحة للقاء والتلاقح بين أتباع الديانات التوحيدية، واحتلت صدارة المشهد الدولي كعاصمة عالمية للحوار بين الأديان بعد الرسالة التي أطلقها أمير المؤمنين محمد السادس والحبر الأعظم البابا فرنسيس، تعطي لأبعاد الحوار والسلام معانٍ إنسانية عميقة. هذه الرسالة، لم تتردد وسائل الإعلام عبر العالم في نقلها لساكنة المعمور لتعكس الأهمية الرمزية والدينية لزيارة البابا، بل أيضا الالتزام الراسخ للمغرب بتعزيز قيم السلام والتسامح والتعايش، حيث قام حوالي 370 ممثلا لوسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، بما فيها الصحافة الدولية المعتمدة في المغرب، بتغطية زيارة البابا للمغرب، وبالإضافة إلى ذلك، يرافقه وفد إعلامي مهم، يتألف من حوالي 80 ممثلا لمختلف وسائل الإعلام. وشكل خطابا القائدين الدينيين الكبيرين، بباحة مسجد حسان الرمزي، درسا للعالم بأسره في قيم السلام والوئام بين بني البشر، وأكدا عمليا أن الحوار والتقارب هما الوسيلتان الناجعتان لمواجهة تحدي التطرف والكراهية والانقسامات والدمار. وزار البابا فرنسيس وجلالة الملك محمد السادس، أول أمس السبت، معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، للتأكيد على كونها آلية فعالة للوقاية ومكافحة مخاطر التطرف والإرهاب، وقد انضمت أصوات أوبرالية وعازفون مغاربة وأجانب الى الأوركسترا الفيلارمونية للمغرب، في أمسية احتضنها المعهد أنشدت خلالها أغان دينية، إسلامية، يهودية ومسيحية، في رسالة سلام وتسامح وتعايش بين الأديان التوحيدية. وجاءت هذه الأغاني المحتفية بقيم التلاقح بين التقاليد والثقافات والقيم المقدسة المبنية على التعايش، لتصاحب أجواء هذه الزيارة. زيارة البابا فرنسيس تميزت أيضا بلقائه بمهاجرين نظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء بمقر الجمعية الخيرية «كاريتاس» بالرباط، ولم يتردد في التأكيد أمامهم على ضرورة انخراطهم في بناء مدن مضيافة تعددية ومتنبهة لعمليات تجمع الثقافات، مدن قادرة على تقييم غنى الاختلافات في اللقاء مع الآخر. وقبل ساعات على مغادرته حاضرة الفاتيكان كان للبابا لقاء صباح السبت في بيت القديسة مارتا مع عدد من المهاجرين المغاربة الذين تستضيفهم في إيطاليا، ويتعلق الأمر بأسرتين لكل واحدة منهما طفلان، تعيشان في بلدة سانت إيجيديو. وترأّس البابا فرنسيس أمس الأحد قداسا ضخما في المجمّع الرياضي مولاي عبد الله بالرباط، شارك فيه آلاف المصلين، وذلك في اليوم الثاني من الزيارة الرسمية التي يقوم بها إلى المغرب، والتي يشكّل الحوار بين الأديان أحد محاورها الأساسية، وقد زار في وقت سابق كاتدرائية الرباط والتقى مع الكهنة والرهبان والراهبات والمجلس المسكوني للكنائس في المغرب، الذي يضم الكنائس المسيحية الخمس المتواجدة في البلاد وهي: الكاثوليكية، الأنغليكانية، الإنجيلية، كنيسة الروم الأرثوذكس والكنيسة الروسية الأرثوذكسية، كما قام بزيارة خاصة إلى المركز الريفي للخدمات الاجتماعية الذي تديره راهبات بنات المحبة بمدينة تمارة. ويقدّم المركز الريفي للخدمات الاجتماعية وبفضل جهود الراهبات وعدد من المتطوعين خدمات متنوعة للسكان المحليين من بينها دروس لمحو الأمية، والدعم المدرسي للفتيان، ويوفر وجبات الطعام للمحتاجين فضلا عن كونه دار حضانة للصغار، كما يقدّم المركز أيضاً المرافقة السيكولوجية والرعاية الصحية للفقراء.