منذ الثمانينات من القرن الماضي، أخذ الطلب على العدالة الانتقالية من طرف البلدان التي عاشت خلال فترات من تاريخها على إيقاع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في تزايد مضطرد، حيث تجاوز عدد لجن الحقيقة في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا وأوربا الشرقية أزيد من 40 لجنة. وقد انكبت هذه اللجن على التحقيق في ما شهدته تلك البلدان من انتهاكات بلغت في بعض الحالات مستوى الجرائم ضد الإنسانية. كما عملت هذه اللجن على تحديد الأسباب والظروف التي حدثت فيها تلك الانتهاكات والتعرف على ضحاياها والمتورطين فيها وبلورة مقترحات وتوصيات في شأن جبر أضرار الضحايا وتوفير ضمانات عدم تكرار ما حدث. ولمعالجة هذا الموضوع في هذه المناسبة التي تصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان و على مسافة عشرة أيام من اختتام المنتدى الدولي لحقوق الإنسان الذي انعقد بمدينة مراكش، سأحاول تناوله في مرحلة أولى من خلال تحديد مفهوم العدالة الانتقالية وأهدافها وآلياتها ومرتكزاتها خاصة في مجال الحقيقة والذاكرة وذلك بالاستناد إلى ما تحقق من تراكم معرفي وحقوقي في هذا المجال. وفي مرحلة ثانية سأحاول تسليط الضوء على بعض التجارب الوطنية في مجال الحقيقة والذاكرة باستحضار التجربة المغربية المتجسدة في عمل هيئة الإنصاف والمصالحة. وسأختم بعرض بعض المبادرات التي قام بها المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف في مجال الكشف عن حقيقة ما عاشه المغرب من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على امتداد أزيد من 40 سنة وفي مجال حفظ ذاكرة هذه الانتهاكات. I. الحق في الحقيقة وواجب الذاكرة في أدبيات العدالة الانتقالية: تعرف ماركوريت بوكورو Marguerite Bukuru،نائبة رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات ببوروندي، العدالة الانتقالية، بأنها "تأليف بين آليات قضائية وآليات غير قضائية لمواجهة الماضي وإقرار الحقيقة ووضع حد للإفلات من العقاب، وذلك بهدف تحقيق المصالحة الوطنية في بلدان ما بعد مرحلة الصراع أو حكم أنظمة ديكتاتورية، والتي تميزت بحدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". وبهذا المعنى فإن العدالة الانتقالية، في تعاطيها مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لا تلغي العدالة الكلاسيكية، بل إن الأولى حسب بوكورو تتضمن الثانية، وبالتالي فإن الثانية تعتبر جزء لا يتجزأ من الأولى. وفي هذا السياق نشير إلى أن المؤتمر الدولي حول العدالة الانتقالية المنعقد بياوندي، عاصمة الكامرون، من 17 إلى 19 نونبر 2009، قد أكد على أن العدالة الانتقالية تتأسس على أربعة مرتكزات حددها المؤتمر في الوثيقة الصادرة عنه تحت عنوان "العدالة الانتقالية: الطريق نحو المصالحة وبناء السلام الدائم"، كالآتي: - الحق في المعرفة - الحق في العدالة - الحق في جبر الأضرار - الحق في ضمانات عدم التكرار. وأكدت نفس الوثيقة على أن الحق في المعرفة يتفرع إلى فرعين وهما: الحق في الحقيقة وواجب الذاكرة. ويضيف نفس المرجع أن الحق في الحقيقة حق غير قابل للتصرف (droit inaliénable) ،مستندا في ذلك إلى أن "كل شعب وكل شخص له الحق في معرفة الحقيقة حول أحداث الماضي المرتبطة باقتراف جرائم شنيعة"، وهو التعبير الوارد في التقرير الذي أعدته الخبيرة الدولية ديان أورنتلتشر سنة 2005 والمتعلق بتحيين المبادئ المتعلقة باتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحة الإفلات من العقاب. وفي مجال واجب الذاكرة يشير نفس المرجع إلى ما يلي: "لكل شعب الحق في معرفة تاريخ اضطهاده، لأن هذا التاريخ يعتبر جزء من ثراته، وهو ما يفرض حفظه من خلال تدابير مناسبة". II. الحق في الحقيقة وواجب الذاكرة في المرجعيات الكونية لحقوق من المرجعيات المعتمدة دوليا في مجال الحق في الحقيقة وواجب الذاكرة ذكر تقرير الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة الموجه إلى مجلس الأمن في 3 غشت 2014 تحت عنوان: "سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمع الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع". وقد جاء في المادة 8 من هذا التقرير في إطار تحديد مفهوم وآليات العدالة الانتقالية ما يلي: "يشمل مفهوم العدالة الانتقالية كل العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية تحقيق المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة" وقد دقق التقرير هذه العمليات بالإشارة في نفس المادة إلى ما يلي: " وقد تشمل هذه الآليات القضائية، وغير القضائية على حد سواء: محاكمة الأفراد، والتعويض، وتقصي الحقائق، والإصلاح الدستوري، وفحص السجل الشخصي [للمتورطين في الانتهاكات] للكشف عن التجاوزات والفصل [أي فصل المتورطين عن وظائفهم] أو اقترانهما معا". أما تقرير الخبيرة الدولية المستقلة ديان أورنتليتشر المعنية باستيفاء مجموعة المبادئ لمكافحة الإفلات من العقاب الصادر يوم 8 فبراير 2005 والمكلفة من طرف لجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لهيئة الأممالمتحدة، فقد أكد على أهمية المبادئ الأربعة في معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمتمثلة في: - مكافحة الإفلات من العقاب - الحق في المعرفة - الحق في العدل - الحق في التعويض وضمانات عدم التكرار. وفي هذا الصدد يؤكد المبدأ الثاني من التقرير على ما يلي: " لكل شعب حق غير قابل للتصرف في معرفة الحقيقة عن الأحداث الماضية المتعلقة بارتكاب جرائم شنيعة، وعن الظروف والأسباب التي أفضت، نتيجة الانتهاكات الجسيمة أو الممنهجة لحقوق الإنسان، إلى ارتكاب هذه الجرائم. وتقدم الممارسة الكاملة والفعالة للحق في معرفة الحقيقة ضمانة حيوية لتفادي تجدد وقوع هذه الانتهاكات" وفي نفس السياق يؤكد التقرير في المبدأ الرابع على ما يلي : "للضحايا ولأسرهم، بغض النظر عن أي إجراءات قضائية، حق غير قابل للتقادم في معرفة الحقيقة بخصوص الظروف التي ارتكبت فيها الانتهاكات وبخصوص مصير الضحايا وحالة الوفاة أو الاختفاء". أما ما يتعلق بواجب الذاكرة فيشير المبدأ الثالث إلى ما يلي: "إن معرفة الشعب لتاريخ اضطهاده، هو جزء من تراثه، فيجب، بناء على ذلك، صيانة هذا التراث من خلال اتخاذ تدابير مناسبة لكي تقوم الدولة بواجبها الكامل المتمثل في حفظ السجلات وغيرها من الأدلة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني وتيسير عملية المعرفة بهذه الانتهاكات. وتستهدف مثل هذه التدابير حفظ الذاكرة الجماعية من النسيان بغية الاحتياط على وجه الخصوص من ظهور نظريات تحرف الوقائع وتنفيها". ومن المرجعيات الكونية الإنسانية التي تؤكد على الحق في الحقيقة وواجب الذاكرة نذكر الاتفاقية الدولية لحماية كافة الأشخاص من الاختفاء القسري التي دخلت حيز التنفيذ في 23 دجنبر 2013، والتي أصبح المغرب طرفا فيها منذ 14 ماي 2013. وتؤكد الاتفاقية في المادة 24 على ما يلي: "لكل ضحية الحق في معرفة الحقيقة عن ظروف الاختفاء القسري وسير التحقيق ونتائجه ومصير الشخص المختفي. وتتخذ كل دولة طرف التدابير الملائمة في هذا الصدد". وفي المادة 18 تؤكد الاتفاقية على ضرورة: "توفير كل المعلومات حول ظروف وملابسات وأسباب الانتهاكات وحول مرتكبيها وضحاياها". وتجدر الإشارة كذلك إلى أنه من بين الآليات الدولية للحماية والنهوض بحقوق الإنسان التي وضعتها هيئة الأممالمتحدة لتعزيز الكشف عن الحقيقة وحفظ ذاكرة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان نذكر خلق منصب المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار بموجب القرار 18/7 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان في سنة 2011، حيث عين في هذا المنصب بابلو دوكريف Pablo De Greiff في 1 ماي 2012 كأول مقرر خاص لهذه المهمة ولمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وقد أوكلت إلى هذا المقرر الخاص مهمة معالجة الحالات التي ارتكبت فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وانتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، حيث أعرب مجلس حقوق الإنسان عن تطلعه إلى أن خلق هذا المنصب على تنفيذ المرتكزات الأربعة القائمة على الحق في الحقيقة والحق في العدالة و جبر الضرر والحق في ضمانات عدم التكرار. وفي هذا الصدد حدد مجلس حقوق الإنسان مهمة المقر الخاص المذكور في: "ضمان المساءلة، وخدمة العدالة، وتوفير سبل الانتصاف للضحايا، وتعزيز التعاون والمصالحة، وإنشاء رقابة مستقلة على النظام الأمني، وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وتعزيز سيادة القانون وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان". ومن أجل تكريس الحق في الحقيقة وحفظ ذاكرة الضحايا، نشير إلى أن الجمعية العمومية لهيئة الأممالمتحدة قد قررت في 21 دجنبر 2010 على أن يصبح يوم 24 مارس من كل سنة يوما عالميا للحقيقة. وهو اليوم الذي يصادف ذكرى اغتيال القس روميرو أوسكار في السالفادور في 24 مارس 1980 لأنه كان يصدح بالحقيقة حول ما كانت الطغمة العسكرية الحاكمة آنذاك في السالفادور تقترفه من جرائم في حق المعارضين. وقد حثت الأممالمتحدة دول العالم لإحياء هذا اليوم من خلال القيام بأنشطة تهدف إلى: - تشريف ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان - إبراز أهمية الحق في الحقيقة والحق في العدالة - تشريف الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحماية والنهوض بحقوق الإنسان - الاعتراف بأهمية الأعمال التي قام بها القس روميرو من أجل الحماية والنهوض بحقوق الإنسان. -IIIبعض التجارب الوطنية في مجال الحقيقة والذاكرة: إختلف التعاطي مع موضوع الحقيقة والذاكرة المرتبط بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من بلد إلى آخر. ويرجع السبب في ذلك أساسا إلى اختلاف الظروف التاريخية والسياسية التي جاء في سياقها فتح صفحات الماضي الأليم في هذه البلدان. ومن هذه التجارب التي سنعرض لها في هذا الموضوع نركز بالأساس على التجربة الفرنسية والتجربة الاسبانية والتجربة الجنوب إفريقية ثم التجربة المغربية . التجربة الفرنسية: يمكننا أن نعتبر بأن فرنسا تعد من البلدان الرائدة في مجال إعادة قراءة صفحات الماضي التي تخللتها حروب ونزاعات أدت إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من طرف الدولة الفرنسية أو على الأقل بمساهمة أو بتواطؤ هذه الدولة في ارتكابها. كما تعد فرنسا من أهم بلدان العالم التي احتل فيها موضوع الذاكرة المرتبطة ب ما شهدته من أحداث حيزا هاما من اهتمامات الدولة الفرنسية والمجتمع المدني وعددا من المفكرين والفلاسفة الفرنسيين. بالإضافة إلى أن التجربة الفرنسية في موضوع الكشف عن الحقيقة حول أحداث الماضي وحفظ ذاكرة هذه الأحداث قد تميزت بالتنوع والتعدد. فهناك أحداث ارتبطت بمساهمة فرنسا في معاناة السود من العبودية والاضطهاد العنصري خلال قرون، وأحداث تميزت بتواطؤ الدولة الفرنسية في ما حدث للشعب الأرميني من إبادة جماعية على يد الأتراك، وأحداث تميزت بمشاركة حكومة فيشي الفرنسية في التنقيل الجماعي لليهود الفرنسيين ليلقوا حتفهم على يد النازيين بألمانيا، وأحداث ارتبطت بما اقترفته الدولة الفرنسية وجيوشها في حق عدد من شعوب العالم من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وذلك إبان الحقبة الاستعمارية، بالإضافة إلى أحداث ارتبطت بالحربين العالميتين الأولى والثانية والتي تجرعت فيها عدد من شعوب أوربا والعالم بمن فيهم الشعب الفرنسي مآسي إنسانية. ومن المبادرات الهامة التي قامت بها فرنسا في مجال الإقرار بالحقيقة وحفظ الذاكرة حول أحداث الماضي، نذكر على سبيل المثال إصدار عدد من القوانين التي يصطلح على تسميتها بقوانين الذاكرة. ومن بين هذه القوانين نذكر: - قانون توبيرا Taubira، الصادر في 21 ماي 2001، والذي تعترف بموجبه فرنسا بما تعرض له السود خلال قرون من العبودية والتجارة في البشر. ويعتبر هذا القانون أن هذه الأعمال تعد جرائم ضد الإنسانية، كما يطالب الدولة الفرنسية بتخصيص حيز مناسب من المناهج التعليمية لدراسة هذه الحقبة السوداء من تاريخ البشرية. - قانون كايصو Gayssot، الصادر في 13 يوليوز 1990، والذي يجرم كل فعل عنصري أو ضد السامية أو يجسد الكراهية ضد الأجانب أو ينكر حدوث الإبادة الجماعية ضد اليهود. - قانون صادر في 29 يناير 2001، والذي تعترف فيه فرنسا بما تعرض له الشعب الأرمني من إبادة على يد الأتراك بين سنة 1915 وسنة 1917. كما أن موضوع حفظ الذاكرة قد حظي باهتمام بالغ في فرنسا، بغض النظر عن الجدل الذي أحدثه الموضوع داخل النخب الثقافية والسياسية والحقوقية الفرنسية وضحايا بعض الأحداث المؤلمة. ومن بين الأعمال التي قامت بها الدولة الفرنسية والمجتمع المدني في هذا الصدد نذكر إنشاء العديد من المتاحف ومراكز وأماكن الذاكرة، نذكر من بينها بقايا بلدة أورادو-سور-كلان Oradour-Sur-Glane بمنطقة ليموزين وسط فرنسا والتي تعرض سكانها لمجزرة رهيبة على يد الجيوش النازية إبان الحرب العالمية الثانية، حيث عملت الدولة الفرنسية والناجين من المجزرة من سكان البلدة على حفظ آثار ما وقع وترميم و تهيئ المباني التي ترمز إلى ما حدث خلال هذه الحقبة حيث تحولت إلى مكان للذاكرة يستقطب الفرنسيين والسياح الأجانب ويذكر الجميع بما قامت به النازية من فضاعات. كما نذكر في نفس السياق محطة القطار بوبينيي التي توجد بمنطقة جزيرة فرنسا في شمال البلاد، حيث استعملت القطارات الفرنسية في هذه البلدة للتنقيل القسري لحوالي 25 ألف يهودي إلى معسكرات الإبادة الجماعية في ألمانيا ليلقوا مصيرهم وذلك بمشاركة فعلية لحكومة فيشي الموالية للنازية. وقد تم تحويل هذه المحطة إلى مكان للذاكرة حيث تقدم للزوار صورة عن الظروف اللاإنسانية التي كانت تتم فيها عملية التنقيل الجماعي إلى معسكرات الموت. ونذكر أيضا متحف داكتين Musée d?Aquitaine بمدينة بوردو الذي تم فتحه خلال سنة 2006، حيث تعرض عدد من الصور والوثائق والأشرطة المصورة حول ما تعرض له السود من عبودية واتجار في البشر خلال قرون إبان عمليات استقدامهم من إفريقيا و غيرها عبر ميناء بوردو وبيعهم للفرنسيين أو إلى أشخاص آخرين. التجربة الإسبانية: في بداية عودة الديمقراطية إلى إسبانيا بعد حكم الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو الذي عمر زهاء 39 سنة، قررت النخبة السياسية الإسبانية بشكل إرادي عدم فتح صفة الماضي تخوفا من التأثير السلبي على عملية الانتقال الديمقراطي الذي انخرطت فيه إسبانيا بعد وفاة الديكتاتور سنة 1975. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البلد قد شهد جرائم شنيعة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في عهد فرانكو، خاصة إبان الحرب الأهلية بين سنتي 1936 و1939 حيث سلط القمع الوحشي المباشر على الجمهوريين و الباسكيين و الكطلانيين من طرف الدكتاتور وحزبه الوطني. و من هؤلاء الضحايا من نزع عنهم فرانكو الجنسية الإسبانية أوسلط عليهم حملات متتالية من الاعتقالات التعسفية والاختطافات والتعذيب والتصفيات الجسدية، حيث وصل عدد ضحايا الاغتيالات الذين تم الكشف عن مقابرهم الجماعية إلى أزيد من 143 ألف ضحية إلى حدود ماي من سنة 2008. إلا أن مرحلة الصمت الإرادي حول جرائم الماضي واختيار النسيان مقابل إنجاح الانتقال الديمقراطي لم تدم طويلا، حيث سرعانما بدأت المطالبة بفتح صفحة الماضي في التصاعد في صفوف الناجين من بطش فرانكو ومن طرف عائلات الضحايا وعدد من الجمعيات الحقوقية الإسبانية، وهو ما استجاب له الحزب الاشتراكي الاسباني وعدد من الأحزاب اليسارية الإسبانية، حيث وضع رئيس الحكومة الإسبانية خوصي لويس رودريكير زباطيرو في 28 يوليوز 2006 قانونا يقر بحقيقة ما اقترف من انتهاكات في عهد فرانكو وخلال الحرب الأهلية، وهو القانون الذي صادق عليه الكورتيس الإسباني في 31 أكتوبر 2007. ويتضمن هذا القانون الاعتراف بكل ضحايا الحرب الأهلية وضحايا الديكتاتورية الفرنكاوية، ويسمح بفتح المقابر الجماعية وإحصاء الضحايا والتعرف على هويتهم وذلك من طرف جمعيات تمثل عائلات الضحايا وبعض الجماعات المحلية، وإزالة كل الرموز والتماثيل التي ترمز إلى العهد الفرنكاوي أو تمجده من كل الأماكن العمومية، بالاضافة إلى تعويض الضحايا. كما تم بموجب هذا القانون وفي إطار حفظ ذاكرة الضحايا خلق مركز للتوثيق بسلمانكا بمنطقة كاستي-إي-ليون والذي يضم الأرشيف العام للحرب الأهلية. وتم في إطار نفس القانون إعادة الجنسية للإسبان الذين سلبت منهم ولأبنائهم وأحفادهم والذين اضطروا للاغتراب خارج إسبانيا هربا من بطش الديكتاتور. إلا أن هذا القانون لا زال يثير الجدل وسط النخب السياسية الإسبانية، بل لازال يلقي معارضة شرسة من طرف مكونات اليمين الإسباني التي تلوح بالعمل على إلغائه. التجربة الجنوب إفريقية: على إثر الاتفاقية التاريخية المبرمة بين زعيم حزب المؤتمر الإفريقي نيلسون مانديلا وآخر رئيس لحكومة نظام الميز العنصري فرديريك ليكليرك والذي تم بموجبها تنظيم انتخابات حرة ونزيهة شارك فيها ولأول مرة كل الجنوب إفريقيين بدون تمييز، تم عمليا الإعلان عن سقوط نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا الذي عمر ما بين سنة 1948 وسنة 1991. ولمعالجة مخلفات هذا النظام تم في عهد الرئيس مانديلا وبالضبط في سنة1995 خلق "لجنة الحقيقة والمصالحة" برئاسة القس ديسمونغ توتو حيث أوكلت إليها مهمة التحقيق في جرائم الأبارتايد وما تسبب فيه من أضرار جسيمة تكبدها السود لأزيد من 43 سنة. وقد عملت اللجنة من أجل الكشف عن حقيقة ما حدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان على الاستماع إلى شهادات الضحايا وعائلاتهم وكل من له صلة بالموضوع. كما فرضت على المتورطين في هذه الانتهاكات الإقرار بما ارتكبوه من جرائم وطلب الصفح من ضحاياهم مقابل تمتعهم بالعفو. ومن الآليات التي اعتمدتها لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا من أجل إجلاء الحقيقة حول ما حدث نذكر بالإضافة إلى تجميع والكشف عن السجلات والوثائق التي تتضمن المعلومات والمعطيات تم تنظيم جلسات استماع عمومية ومقابلات بين الضحايا وجلاديهم نقلتها وسائل الإعلام في جنوب إفريقيا والتي استغرقت مدة طويلة استطاع من خلالها الرأي العام الوطني والدولي التعرف على ما اقترفه نظام الميز العنصري في هذا البلد من بشاعات وعلى الضحايا وعلى المسؤولين عما وقع، وهو ما ساعد جنوب إفريقيا على وضع أسس متينة للمصالحة وتجاوز مخلفات الأبرتايد والتوجه نحو بناء الديمقراطية ودولة الحق والقانون. ومن الأعمال التي قامت بها الحكومة الديمقراطية ما بعد نظام الميز العنصري في مجال حفظ الذاكرة نشير إلى حفظ عدد من الأماكن التي ترمز إلى ما حدث في الماضي من انتهاكات جسيمة، خاصة تلك الأماكن التي توجد بكثرة في كل من جوهنسبورغ وسويتو التي كانت معقلا للنضال ضد الأبرتايد والتي شهدت فصولا رهيبة من القمع والتقتيل الذي استهدف عشرات الآلاف من السود. ومن بين هذه الأماكن نذكر إحدى الزنازن التي قضى فيها زعيم المؤتمر الوطني الإفريقي نيلسون مانديلا سنوات عديدة من مدة الاعتقال التي بلغت 27 سنة. ونذكر كذلك متحف الأبرتايد بجهنسبورغ الذي تم تدشينه في سنة 2001 والذي يعطي للزائر صورة مجسدة عن معاناة السود لحوالي 40 سنة من الميز العنصري، بما في ذلك عدم السماح للسود بولوج الأماكن والمؤسسات العمومية التي يلجها البيض ،وبمنع السود من إحتلال مواقع تدبير الشأن السياسي والمحلي ،وبحرمانهم من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعترف بها كونيا. إلا أن هذا التوجه نحو الإقرار بحقيقة ما عاناه السود من اضطهاد عنصري على يد نظام الابرتايد ونحو حفظ ذاكرة الضحايا، قد واجه ولازال يواجه مقاومة شرسة من طرف بعض البيض و بعض قبائل الزولو التى كانت موالية للنظام العنصري حيث يعمل هؤلاء على بث الشك والارتياب في ما توصلت إليه لجنة الحقيقة والمصالحة من حقائق و ما أوصت به من توصيات، بل يحاولون زعزعة استقرار البلاد من خلال التحريض على المواجهات من جديد إما من خلال الضغط الاقتصادي والاجتماعي على السود حيث ظلت جل المرافق الاقتصادية الأساسية تحت سيطرة البيض أو بإثارة النعرات القبلية . ومن المؤشرات الدالة على استمرار مقاومة ما حدث في جنوب إفريقيا من مصالحة وتغيير نحو إرساء دعائم الديمقراطية ودولة القانون نشير إلى أن مجموعة من البيض لازالت تحتفل برموز ومؤسسي نظام الأبرتايد حيث أقام هؤلاء تمثالا في بريطوريا يطلقون عليه إسم الفورطريكرز voortrekers حيث يتجمعون حوله كل سنة لإحياء ذكريات و"أمجاد" نظام الأبرتايد وللإعلان عن تشبثهم بثقافة الأبرتايد وكل ما ترمز إليه من عنصرية وتمييز. وبناء على هذه المعطيات يتأكد بأنه رغم الدور الذي لعبته لجنة الحقيقة والمصالحة في تعرية حقيقة جرائم الأبرتايد وحفظ ذاكرة الانتهاكات الجسيمة لهذا النظام، فإن القطع مع هذا الماضي لازالت تعترضه العديد من التحديات والمعيقات. التجربة المغربية: تتميز التجربة المغربية في مجال الكشف عن الحقيقة وحفظ الذاكرة فيما يتعلق بملفات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عن غيرها من التجارب الوطنية لكونها جاءت في إطار استمرارية نفس النظام السياسي، وبكون وفاة الملك الحسن الثاني وتولي ابنه الملك محمد السادس للحكم قد ساعد على فتح ملفات ماضي الانتهاكات، وبكون الملك محمد السادس بصفته رئيسا للدولة هو من أسس هيئة الإنصاف والمصالحة وعين أعضائها وصادق على قانونها الأساسي وعلى نتائج عملها. ومن ثغرات هذه التجربة نشير إلى إبعاد الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية عن أي تأثير حقيقي على مجريات عمل هيئة الإنصاف والمصالحة رغم بعض المحاولات التي قام بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد من خلال تقديم طلبات الكشف عن الحقيقة حول عدد من الملفات، خاصة ما يتعلق بملفات المهدي بن بركة وعمر بن جلون والحسين المانوزي ومحمد كرنية وغيرهم من الضحايا. كما قام المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف بعدة محاولات من أجل إشراكه في مراحل تدبير عمل هيئة الإنصاف والمصالحة للعمل على مساعدة هذه الأخيرة من أجل تحقيق البعض من الأهداف المتضمنة في قانونها الأساسي خاصة ما يتعلق بالكشف عن الحقيقة وحفظ الذاكرة . هذه المحاولات لم تفلح في جعل ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان شأنا وطنيا يفرض الإشراك الفعلي للجميع من أجل توفير الضمانات الكافية لإنجاح مسلسل التسوية. لكن يجب الإشارة إلى أن أهمية التجربة المغربية في مجال الكشف عن الحقيقة وحفظ الذاكرة حول ما حدث في الماضي من انتهاكات رغم الإكراهات التي واجهتها والحدود التي رسمت لها، من قبيل استبعاد تحديد المسؤوليات الفردية وإصدار عفو مسبق على المتورطين فيما حدث ،فإنها قد فتحت إمكانيات قراءة صفحات الماضي الأليم، من خلال ما قام به الضحايا وعائلاتهم من تقديم للشهادات في العديد من المناسبات وعبر العديد من المنابر الإعلامية وكتابة سيراتهم الذاتية التي تتحدث عن معاناتهم من جراء ما تعرضوا له من اعتقالات تعسفية واختفاءات قسرية وتعذيب ومحاكمات صورية وغيرها من الانتهاكات، كما ساهمت جلسات الاستماع العمومية وعدد من الندوات التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة وعدد من الجمعيات الحقوقية في إماطة اللثام على عدد من الأحداث والحقائق والتي تشكل اليوم قاعدة أساسية يمكن الاستناد إليها حاضرا ومستقبلا لمتابعة البحث والتحري من أجل الكشف عن كل الحقائق التي لازال الغموض يلفها أو التي لم تجرؤ الدولة على الإقرار بها . ومن بين الاختلالات التي لم تستطع هيئة الإنصاف والمصالحة ولا المجلسين الاستشاري والوطني لحقوق الانسان معالجتها في مجال الكشف عن الحقيقة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: - عدم تحديد هوية الضحايا المدفونين في المقابر الجماعية التي تم اكتشافها باستعمال تقنية الحمض النووي وعدم تحديد الجهة المسببة في الوفاة. - عدم الكشف عن أسماء المتورطين في ما حدث من انتهاكات في إطار استبعاد المسؤوليات الفردية، وهو ما يكرس الإفلات من العقاب. - عدم تدقيق درجة المسؤوليات المؤسساتية بين المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان والشرطة والجيش والقضاء والإعلام وغيرها من الأطراف. - عدم الكشف عن حقيقة بعض الأحداث التي تخللتها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كأحداث الريف بين سنة 1958 وسنة 1959. - عدم تعاون بعض أجهزة الدولة وبعض الذين كانوا يتقلدون مسؤوليات أمنية أو عسكرية آنذاك من أجل الوصول إلى بعض الوثائق أو بعض الحقائق الضرورية. أما في مجال حفظ الذاكرة، نشير إلى أنه رغم المجهود الذي بذلته هيئة الإنصاف والمصالحة ثم ٍٍالمجلسين الاستشاري والوطني لحقوق الانسانٍ لمعالجة هذا الموضوع، سواء من خلال تنظيم بعض الندوات أو بلورة بعض التصورات حول تجميع وحفظ الأرشيف المتعلق بما حدث في الماضي من انتهاكات وتنظيم عملية ولوجه واستغلاله، والمتمثل أساسا في وضع برنامج "الأرشيف، التاريخ، والذاكرة" والذي يصطلح على تسميته اختصارا ب IER-2، فإن هذا المجهود لم يكلل بعد بنتائج ملموسة رغم الدعم المالي الذي قدمه الإتحاد الأوربي لإخراج البرناج إلى الوجود والذي بلغ 8 ملايين أورو. وفي هذا الصدد نشير إلى أن معتقل تازمامارت الرهيب قد تم هدمه ولم يبقى منه سوى قبور الضحايا التي لا تحمل أسمائهم بل حروفا لاثينية ! وأن عددا من المعتقلات الأخرى كمعتقل أكدز ومعتقل قلعة مكونة أصبحت آيلة إلى السقوط و الاندثار. أما بعض المقابر الجماعية فإنها لم تحظ بالإهتمام الكافي بتهيئتها وترميمها بالشكل الذي يعيد الكرامة والاعتبار اللازم لذاكرة الضحايا المدفونين فيها. وخلاصة القول يمكننا أن نجزم بأن التجربة المغربية الرسمية في مجال إقرار الحق في الحقيقة وحفظ ذاكرة الضحايا لم تتجاوز الحدود المرسومة لها، مما جعل المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف كجمعية تمثل الضحايا بالإضافة إلى عدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية على المستوى الوطني و الدولي، تعتبر أن ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مازال مفتوحا وبأن التسوية الشاملة والعادلة والمنصفة ما زالت في بداية الطريق رغم ما تحقق من مكاسب في هذا المجال خاصة ما يتعلق بجبر الأضرار وتحقيق بعض الإصلاحات السياسية والقانونية والدستورية والمؤسساتية ومصادقة الدولة المغربية على بعض الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان والتي من شأنها تعزيز حماية هذه الحقوق. ٍٍ - VI مبادرات المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف في مجال الكشف عن الحقيقة وحفظ الذاكرة اعتبر المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف الذي أسسه سنة 1999 ثلة من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدها المغرب بين سنة 1956 وسنة 1999، أن تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لا يمكنها أن تحقق المصالحة المنشودة إلا من خلال أجرأتها وتأصيلها بالاستناد إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وإلى معايير العدالة الانتقالية. وفي هذا الصدد أكد المنتدى من خلال وثيقته التأسيسية المسماة "وثيقة الحقيقة" على أن معالجة تركة أزيد من 40 سنة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لن يتأتى إلا من خلق لجنة مستقلة للحقيقة يعهد إليها ما يلي: - معاينة وإثبات وقائع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتعريف والاعتراف بها عموما، تجاوزا لموقف الإنكار والتستر الذي انتهجته الدولة لسنين طويلة ومساهمة في رد الاعتبار للضحايا والمجتمع. - تحديد الأشخاص والجماعات التي كانت ضحية لهذه الانتهاكات. - تحديد المسؤوليات الفردية والمؤسساتية في تلك الانتهاكات واستمرارها. - توضيح الأسباب والظروف والعوامل المرتبطة بذلك. أما في مجال حفظ الذاكرة فإن الأرضية التوجيهية المصادق عليها من طرف المؤتمر الأول للمنتدى فقد أشارت إلى ما يلي: "الحفاظ على الذاكرة الفردية والجماعية للضحايا وللمجتمع حيث تشهد على الماضي الأسود الذي عاشته بلادنا وتشهد على أشكال المقاومة والمواجهة التي ابتدعها الضحايا والمجتمع". ولإعطاء هذا التصور للحقيقة والذاكرة مدلوله الملموس بادر المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف منذ تأسيسه إلى تنظيم عدد من القوافل إلى بعض الأماكن التي تشهد على ما حدث في الماضي من انتهاكات جسيمة، حيث شارك في هذه القوافل بالإضافة إلى عدد من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعائلاتهم، ممثلين عن الأحزاب الديمقراطية والجمعيات الحقوقية والمركزيات النقابية ووسائل الإعلام الوطنية والدولية وعدد من المثقفين والفنانين، حيث كانت الغاية من تنظيم هذه القوافل تكمن في تذكير الرأي العام بما شهدته بلادنا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفي إعادة الاعتبار للضحايا وعائلاتهم. ومن بين هذه القوافل التي أطلق عليها قوافل الحقيقة نذكر: قافلة تازمامارت ? قافلة قلعة مكونة وآكدز- قافلة مقهى ليب بباريس. كما نظم المنتدى عددا من الوقفات الرمزية بإشعال الشموع أمام بعض الأماكن التي استعملت في إطار عمليات الاختطاف و الاختفاء القسري و التعذيب كمعتقل الكومبليكس ومعتقل الكوربيس ومعتقل درب مولاي الشريف والنقطة الثابتة PF3 بالإضافة إلى وقفات أخرى أمام المقابر الجماعية التي تم اكتشافها. ومن أجل إنعاش ذاكرة الضحايا وجعلها جزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للمجتمع ومن أجل إعادة الاعتبار للضحايا وعائلاتهم، ينظم المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف كل سنة وبالضبط في 29 أكتوبر، الذي يصادف يوم اختطاف واغتيال عريس الشهداء المهدي بن بركة، يوم الشهيد أو يوم ضد النسيان، حيث تشكل هذه الذكرى مناسبة يلتقي فيها ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لكي يتذكروا أولئك الضحايا الذين سقطوا نتيجة التعذيب أو الذين تمت تصفيتهم إثر أحداث إجتماعية أو سياسية. وكتتويج لهذه المبادرات في مجال الكشف عن الحقيقة وحفظ الذاكرة حول ما عاشته بلادنا من انتهاكات جسيمة، قام المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف بإعداد تصور لتأسيس مركز مستقل لذاكرة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والذي حددت له الوثيقة المسماة "ورقة الذاكرة" بعض الأهداف التي نذكر منها: - إعادة الاعتبار للضحايا والمجتمع - تحصين الأجيال الحالية والقادمة من تكرار ما حدث في الماضي من انتهاكات جسيمة. - تجميع وتنمية وإعادة تنظيم الأرشيف الرسمي وغير الرسمي المتعلق بما حدث من انتهاكات جسيمة. - ترميم وصيانة الأماكن التي ترمز إلى ما حدث في الماضي من انتهاكات وتحويلها إلى مراكز للذاكرة. - إصلاح المقررات الدراسية، خاصة منها مواد التاريخ بما يضمن تنقيتها من آثار الاستبداد والتسلط السياسي وتبرير القمع وبما يعيد للضحايا اعتبارهم الرمزي. - تشجيع البحث العلمي في مجال التاريخ و علوم الاجتماع والسياسة من أجل تمكين الأجيال الناشئة من معرفة ما حدث في الماضي من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان و استخلاص ما يلزم من الدروس و العبر منها وتحصين الأجيال القادمة ضد تكرار ما حدث في الماضي من انتهاكات. - حث الدولة على تقديم اعتذار رسمي وعلني للضحايا وللمجتمع، وجعل هذا اليوم الذي ستقدم فيه الدولة هذا الاعتذار يوما وطنيا ضد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. (*)عبد الحق عندليب، عضو المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، مكلف بملف الحقيقة والذاكرة ملاحظة: هذا العمل المتواضع أعد في الأصل لتقديمه في إطار فعاليات المنتدى العالمي لحقوق الإنسان المنعقد مؤخرا بمدينة مراكش، إلا أنه ولأسباب مجهولة تم إلغاء الورشة التي كانت ستحتضنه والتي كانت ستشرف عليها التنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان. لذلك يسعدني كثيرا أن تقوم جريدتنا الغراء الاتحاد الاشتراكي بنشر هذا العمل بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في إطار اهتمامها بقضايا حقوق الإنسان وبنشر ثقافة حقوق الإنسان كما عودتنا بذلك دائما.