«غير خاف أن ما يجمعنا اليوم هو الوقوف على راهن الصحة والنظام الصحي ببلادنا, الذي يطبعه في هذا الوقت بالضبط عزم الحكومة المغربية على تحرير الاستثمار بالمصحات الخاصة... وهو أمر يستوقفنا جميعاً فاعلين سياسيين ونقابيين وجمعويين، و قبل هذا وذاك كمواطنين معنيين بهذه المبادرة الحكومية. فبذريعة المنافسة ومحاسنها والرفع من جودة الخدمات الطبية والتحكم في تكلفة العلاج، تقدم الحكومة على هذه الخطوة التي لا يسعنا سوى أن نخضعها اليوم للمساءلة, بغية استقصاء وقعها على النظام الصحي جملةً وتفصيلاً، وبالتالي تأثيرها المباشر والممتد زمنياً على فئات المواطنين عموماً وليس فقط على الأقلية القادرة على الولوج إلى المصحات الخاصة. فالأمر يتعلق بمنظومة صحية متكاملة لا يمكن فصل شقها العمومي عن شقها الخاص، ولا فصل إجراءاتها عن الإستراتيجية المطبقة في هذا المجال. لذلك، وفي هذا السياق، يفتح الاتحاد الاشتراكي برحاب المؤسسة التشريعية, الحوار الرامي إلى تنسيق المواقف المرتبطة بمصير النظام الصحي في ظل هذه المستجدات التي يعتبرها امتداداً لمسلسل اتضحت معالمه في بداية القرن الحالي من خلال النصوص التطبيقية ل"نظام التأمين الإجباري على المرض" وأجرأة نظام "المساعدة الطبية للمعوزين"، ثم تسارعت أحداثه ابتداءً من سنة 2012 لتؤدي إلى ما نحن بصدده اليوم من "تحرير الاستثمار في المصحات الخاصة أو الخصوصية". من البديهي أن ندشن هذا الحوار بتشخيص الوضعية، إن صح التعبير. فكما تؤكد "الحسابات الوطنية للصحة"، في نسختها الخاصة بسنة 2012، لا تتجاوز النفقات الإجمالية للصحة 1450 درهما للفرد في السنة. وتحت هذا الرقم، هناك مؤشرات أخرى يجدر أخذها بعين الاعتبار، ألا وهي: أولاً: تجاوز المساهمات الاجتماعية المباشرة من سقف المستطاع 53.6 بالمائة من النفقات الإجمالية إضافة إلى واجب الانخراطات في صناديق استرجاع المصاريف؛ ثانياً: انتقال عدد المندمجين في النظام الإجباري على المرض من 25 بالمائة إلى 33 بالمائة بين 2005 و2010، واسترجاع المصاريف خلال نفس الفترة من 17 بالمائة إلى 18.3 بالمائة من النفقات الإجمالية للصحة. ثالثاً: تخصيص ما يناهز 90 بالمائة من الميزانيات المرصودة للاستهلاك الطبي؛ رابعاً: استمرار اتساع الفوارق المجالية والاجتماعية في الولوج للخدمات الأساسية بتزامن مع ازدياد المخاطر المرضية والوبائية من جراء الضغط المطرد على الموارد والأوساط البيئية ,سواء بالبوادي أو الحواضر؛ خامساً: استمرار الفواتير في ارتفاعها الصاروخي بالمصحات الخاصة وكذا بالمستشفيات العمومية. هذه الأرقام إن دلت على شيء، فإنها تدل بدون أدنى شك على انخراط منظومتنا الصحية الوطنية في دينامية دولية ليست جديدة علينا، فقد سبقتنا دول أخرى إلى ما ينعت ب"نظام السوق في المجال الصحي"، وكانت النتيجة "تسليع" الخدمات الصحية في إطار "تشييء" الخدمات العمومية كلها أو جلها وتخلي الدولة عن دورها والتزاماتها الاجتماعية. يحق لنا التساؤل عن جدوى وانعكاسات المبادرة الحكومية المتعلقة بتحرير الاستثمار بالمصحات الخاصة، إذا علمنا أن تلك الدول الرائدة بدأت بالتخلي عن توجه "نظام السوق" في المجالات الاجتماعية، بما فيها الصحة، وإذا استحضرنا أن بلادنا اعتمدت سنة 2011 دستورها الحالي الذي يجعل الحق في الصحة وولوج العلاج لجميع المغاربة حقاً وطنياً أساسياً...به تكتمل مواطنة كل مغربية ومغربي. يحق لنا، إذن، أن نسائل هذا المشروع الحكومي من حيث مرجعيته، هل ينبني على بديل حقيقي للوصفات الجاهزة التي ثَبُتَ بطلانها في بلدان أخرى, أم هو قائم على توصيات بائدة لم تُجد نفعاً حسب دراسات علمية وذات مصداقية. يحق لنا كذلك أن نسائله من حيث دواعيه، هل يندرج فعلاً في معالجة الداء وفي إستراتيجية تقويم شاملة أم يقتصر على التعاطي مع الأعراض أو سد الثغرات، كما هو الشأن بالنسبة "للإستراتيجية القطاعية للصحة 2012-2016". يحق لنا في الأخير، بل يجب علينا طرح البديل والدعوة إلى الانتقال من الدفوعات المساندة أو المعارضة لشتى المبادرات بهذا الخصوص إلى المعالجة الشمولية والمندمجة للمسألة الصحية ببلادنا، وتحمل المسؤولية السياسية في ما ينتج عن أي خيار مهما بلغ في جزئيته أو شموليته. إنه ، نداء إلى كافة الفرقاء لتبادل الآراء قصد المساهمة في إنتاج فوائض القيمة المفروضة في إنعاش الصحة بالمغرب».