تعرف المنظومة الصحية في المغرب عدة انتقادات من طرف المواطنين بشكل عام وكذلك من طرف المهنيين، بصفتكم رئيسا للشبكة المغربية للحق في الصحة، ما هو تشخيصكم وتقييمكم لهذه الوضعية؟ بالفعل يمكن القول بأن قطاع الصحة أو المنظومة الصحية ببلادنا بشكل عام، وصلت درجة غير مسبوقة من التردي، لعدة عوامل تتعلق بضعف التمويل من جهة، وباختلال كبير في الحكامة أمام ضبابية المسؤولية وعدم وضع الكفاءات المناسبة في مهام التسيير الإداري والمالي، واللاتوازن المجالي في توزيع الخدمات الصحية، كأننا مازلنا نعيش عصر المغرب النافع والمغرب غير النافع. أطباء يضيعون وقتهم في مكاتب فارغة، ومسؤوليات وهمية تخلو من أية فائدة تذكر لا على القطاع الصحي ولا على المرضى، بدل أن يكونوا بجانب المرضى الذين هم في حاجة ماسة إلى علمهم وتخصصاتهم الطبية لتأدية رسالتهم الإنسانية، إضافة إلى أن المراكز الصحية ومستشفيات الدولة فارغة أيضا من كل شيء، نظرا لعطالة التجهيزات أو تقادمها، غياب الأدوية وقلة الموارد. فضلا عن تقادم وتخلف التشريعات والقوانين في وزارة تشبه ثلاجة الحكومة في مجال القوانين، كقانون تحديد أسعار الأدوية الذي يعود لسنة 1969، بحيث لم تتوفر بعد الإرادة السياسية والشجاعة الكافية للحكومة في مراجعته رغم كونه يستنزف جيوب المواطنين وخاصة الفئات المستضعفة والفقيرة، هذا في الوقت الذي تعاني مستشفياتنا اليوم من أزمة الدواء وتعطل الكثير من الخدمات الصحية، وتهريب مستحقاتها من صندوق التماسك الاجتماعي إلى وجهة أخرى، لكونها مخصصة للفقراء. كما أن المنظومة الصحية بشقيها العام والخاص ظلت تعاني من تداعيات ومشاكل جمة أثرت بشكل كبير على مستوى جودة الخدمات المقدمة، وتزايد نسبة الأخطاء المهنية، واختلالات مرتبطة بالفساد الإداري والمالي، والتجاوزات على مستوى التعريفة المرجعية، وفرض رسوم إضافية غير قانونية على المرضى دون تدخل من الوزارة الوصية على القطاع. رغم أن المؤمنين لدى صناديق التأمين الإجباري عن المرض يحصلون على خدمة صحية غير مكتملة ويدفعون ثمنها غاليا من رواتبهم ومعاشاتهم بزيادة أزيد من 20 في المئة من تكلفة العلاج، وليست مجانية كما يحلو للحكومة الترويج له. أما اليوم في ظل هذه الأزمة فإن اغلب المستشفيات العمومية وحتى بعض المصحات، غالباً ما تجبر المرضى وذويهم على تحمل معظم تكاليف المستلزمات الطبية غير المتوفرة بها وخاصة الأدوية. ويعزى تردي الوضع الصحي بالمغرب في ظل الحكومة الحالية، إلى التقليص من نفقات الاستثمار والتسيير، وهزالة عدد المناصب المالية المخصصة لتوظيف الأطباء والممرضين، بحيث أن ميزانية وزارة الصحة لا تتعدى 5 في المئة من الميزانية العامة، و1.2 من الدخل القومي، في حين أن عدد المناصب المالية لا يتعدى 2000 مقابل ضعفها الذي يحال على التقاعد. والخطير في هذه المعادلة الصحية وخلافا لما كان منتظرا ومأمولا من نظام «راميد» أو المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود من استفادتهم مجانا من العلاج والأدوية، فقد تحول إلى عرقلة حقيقية أمام الفقراء والمعوزين، بسبب إجراءات معقدة وتلاعب في تحديد الفئة المستهدفة ومعايير غير موضوعية لتحديد الفقر من عدمه، كما أن هدف التغطية الصحية الإجبارية الشاملة لم يتحقق بعد، حيث أن 30 في المئة من المواطنين المغاربة محرومون اليوم من أية تغطية صحية، وعليهم أداء تكلفة العلاج من جيوبهم. فضلا عن أنه لا يمكن التغاضي عن أن الفساد المتفشي في بعض أركان وزارة الصحة وعدد من المستشفيات منذ سنوات، أدى إلى حالة متردية لمستوى الخدمات الصحية، بالإضافة إلى تدهور أجور الأطباء والممرضين بسبب ارتفاع الأسعار وتدني قدرتهم الشرائية، مما أدى لدى البعض منهم بالطبع إلى البحث عن مورد إضافي في القطاع الخاص سعياً إلى تحسين أحوالهم المعيشية. تشكلت مؤخرا جبهة أطلق عليها اسم الجبهة الوطنية للدفاع عن الصحة، ضدا على تمرير مشروع تفويت قطاع الصحة للشركات التجارية، كيف ترون هذه الخطوة؟ لكل حركة مجتمعية الحق في اتخاذ ما تراه مناسبا تجاه قضية من قضايا ومشاكل المجتمع، وكل حسب قناعته ومبادئه وتوجهاته. لكن كنا نأمل حقيقة أن تكون معركة المدافعين عن الحق في الصحة هي مواجهة اللوبي الرافض للتخفيض من أسعار الأدوية ببلادنا، وهي القضية التي تؤرق بال جميع الأسر والمرضى بمختلف فئاتهم الاجتماعية، وخاصة المستضعفين منهم، بحكم أن القانون المنظم لتحديد أسعار الأدوية بالمغرب متجاوز جدا ويفرض بموجبه على المواطنين أسعارا خيالية غير مقبولة ومرفوضة اجتماعيا وأخلاقيا، إذ أن أسعار الأدوية بالمغرب مرتفعة ب 47 مرة عما هو معمول به في العديد من الدول بما فيها الدول المصنعة كسويسرا وفرنسا، حسب آخر تقرير للبنك الدولي لسنة 2013 الذي أكد على تردي الخدمات الصحية بالمغرب، وغياب العدالة الصحية، ووقف بشكل خاص على ارتفاع أسعار الدواء واستنزاف الشركات الأجنبية لجيوب المواطنين أمام صمت الحكومة ومشاركتها في هذه الجريمة . أما بخصوص مشروع تغيير القانون 10/94 الذي سيتم بموجبه تشجيع الاستثمار في قطاع الصحة، لا يمكن اعتباره خوصصة للقطاع بحكم أن المنظومة الصحية هي أصلا مكونة من قطاعين عام و خاص منذ استقلال المغرب، ويتوسع القطاع الخاص بمصحاته ومختبراته ومراكز التشخيص سنة عن سنة، لكنه يظل مع ذلك ضعيفا وممركزا في المدن الكبرى كالبيضاءوالرباط، وهو ما يحتم على عدد واسع من المواطنين التنقل من شرق البلاد وجنوبه إلى وغربه إلى الوسط الذي تتمركز فيه المصحات الخاصة. أما بالنسبة للوجه الآخر لهذه العملة، وهو تحرير القطاع الصحي الخاص وفتح رأسماله لغيرالأطباء، في اعتقادي المتواضع ليس هناك قانون يعطي للأطباء حق احتكار الاستثمار في قطاع الصحة بالقطاع الخاص ويمنع عن غيرهم هذا المجال، وإلا علينا أن نتساءل عن وضعية مستشفى الشيخ زايد، وقريبا بالبيضاء مستشفى الشيخ خليفة، فضلا عن 13 مصحة للضمان الاجتماعي ؟ ثم إن القوانين الجاري بها العمل منذ مدة ولم يطرأ عليها أي تعديل في مجال فتح مصحات بالقطاع الخاص هو القانون المنظم للمقاولات التجارية تحت نظام شركات مجهولة الاسم، بما فيها أثناء البناء، بل إن المستثمرين في هذا المجال ليسوا بالضرورة أطباء، بل هم أسر أو جماعات مختلطة أو أطباء. فإعادة النظر في القانون 94/10 من اجل تشجيع الاستثمار في الميدان الصحي ، سيكون لها بلا شك وقع ايجابي على الصناعة الصحية التي مازالت بلادنا جد متخلفة فيها، على الرغم من توفر المغرب على أساتذة وأطباء وكفاءات عالية وتجربة عالمية، في الوقت الذي توجد بلدان أخرى كالأردن على سبيل المثال لا الحصر، التي انتقلت بسرعة إلى تغطية شاملة لمواطنيها وتخصص اليوم ما يقارب من 9 في المئة من ميزانيتها للصحة، وتحسنت مؤشراتها الصحية بشكل كبير وتوجد اليوم على رأس الدول العربية ومن أكثر دول العالم جذباً للاستثمارات الطبية والمنتجعات الاستشفائية وتوفيرها لعدة مزايا منها السياحة العلاجية والمنتجعات الصحية والبحوث الطبية الحيوية وإنتاج ومبيعات المعدات الطبية وإنتاج المنتجات الطبيعية، وتعمل الحكومة الأردنية على تشجيع وتعزيز الاستثمار في القطاعات الصحية والاستشفائية العامة والخاصة، حيث تبنت معظم المستشفيات الأردنية برامج ضمان الجودة وخطت خطوات متقدمة في سبيل تطوير النظام الصحي، إذ حصلت 9 مستشفيات على الاعتمادية الدولية. وعليه فإن إعادة النظر في القانون ستضع حدا للخلط وتوضيح الأمور بشكل جلي، وسترفع حالة احتكار غير مبرر، بل ستساعد مهنيي الصحة على توسيع أماكن اشتغالهم وتوسيع معارفهم عبر استيراد أجهزة متطورة وحتى لا يبقى مجال العمل في المصحات الخاصة حكرا على فئة من الأطباء والممرضين دون أخرى .وهناك من الأطباء من يبحث عن مستثمرين غير أطباء للمشاركة في بناء مشروع طبي خاص، فلماذا حرمانهم وترك هذا المجال بين يدي العائلات الغنية. هل فعلا اعتماد هذا القانون هو ضرب للحق في الصحة للجميع، وما هي انعكاسات تحرير رأس مال المصحات على الحق في الصحة والولوج إلى العلاج؟ نعتبر أن حق الصحة للجميع هو حق إنساني يجب أن تتحمل الدولة والحكومة مسؤولية توفير الخدمات الصحية بالمجان للجميع وبالجودة المطلوبة علميا، وبالتالي تعميم التغطية الصحية على جميع المواطنين وتطبيق العدالة الصحية والإنصاف بين الجميع وتوفيرها في جميع الجهات مدن وقرى، وقريبة من السكان. أما القانون الذي يتم حشره في هذا الموضوع «موضوع الحق في الصحة والخوصصة وتسليع الخدمات الصحية»، فإن الأمر غير صحيح ونستغرب أن من يرفض الخوصصة هم أصحاب مصحات القطاع الخاص ؟ مراجعة القانون وتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص لا يهدد بتاتا الحق في الصحة إذا تم إعداده وبلورته وفق منظور المساهمة في توسيع الخريطة الصحية لتصل المصحات إلى المغرب العميق والى ملايين السكان الذين يضطرون للسفر مئات الكيلومترات للوصول إلى البيضاء أو الرباط .... بل الهدف هو رفع حالة اللبس والاحتكار في القطاع الطبي الخاص والتشجيع على الاستثمار في هذا المجال على غرار جميع الدول التي عملت على تطوير صناعة الرعاية الصحية، وعملت على توفير البنيات التحتية والأجهزة الطبية المتطورة والأدوية الكافية وفي متناول القدرة الشرائية للمواطنين في جميع الجهات. فبالرجوع إلى تجارب عدد من دول امريكا اللاتينية والعربية التي كانت مؤشراتها الصحية مخيفة تمكنت من تحسينها بفضل الاستثمار في الصحة والموارد البشرية بها، وبالتالي فضرب الحق في الصحة هو ما تقوم به الحكومة اليوم من تدمير للقطاع العام الذي يستقبل كل الفئات المعوزة والفقيرة وتتراجع خدماته الصحية يوما عن يوما للأسباب التي سبق أن ذكرتها في البداية لصالح القطاع الخاص. هذا الأخير يستحوذ اليوم ، رغم ضعف بنياته ، على 86 في المئة من نفقات الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، ومثيلها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مقابل 5 في المئة فقط لجميع مستشفيات الحكومة ال141 ومراكزها الجامعية الكبرى ومستشفيات الجيش الملكي . فنحن مع حماية الحق في الصحة وولوج العلاج والأدوية للجميع وبأثمان في المتناول، لكن كذلك مع إعادة تنظيم القطاع الخاص وهيكلته وبنائه على أسس جديدة شفافة وملزمة تتماشى ومعايير المنظمة العالمية للصحة، ووضع ميكانزمات ووسائل للمراقبة والتقييم والمتابعة. قانون يسمح بتوسيع التغطية الصحية وتوفير الامكانات الطبية سواء في القطاع العام او القطاع الخاص على قاعدة أن الصحة ليست سلعة للبيع والمتاجرة، بل تخضع لقوانين تحكمها وأسعار تعتمدها الحكومة والمستثمرون، أطباء أو غير أطباء، بشراكة مع صناديق التأمين عن المرض ومؤسسات التأمين وتخضع لمراقبة وتقييم الوكالة الوطنية للتأمين الصحي وفق نظام جديد شفاف عادل يحافظ على ديمومة النظام من جهة وحقوق المرضى والمؤمّنين من جهة ثانية. من جهة أخرى يجب الاعتراف بضعف الاستثمار في القطاع الصحي الخاص بالمغرب، مقابل زيادة الطلب على الخدمات الصحية في ظل تطبيق نظام التأمين الإجباري عن المرض، وهذا لم يعقبه تطور للقطاع الخاص، فبيئة الاستثمار فيه ضعيفة ومحدودة وممركزة جدا، فمن المؤسف أن نسبة أعداد أسرّة القطاع الصحي الخاص مازالت في حدود 10 في المئة من مجموع أسرة القطاع العام، وبعضها أصبح متقادما لم يعد يلبي ويستجيب للمواصفات المعمول بها قانونا وبعيد كل البعد عن المواصفات الدولية التي تساعد على ضمان الأمن الصحي للمريض. نحن نعتبر في الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة بالنظر إلى تراجع الاستثمار في القطاع العام بسبب ذيول الأزمة المالية على الاقتصاد الوطني والتقليص من نفقات الاستثمار المخصص للقطاع العام ، أن تشجيع الاستثمار في القطاع الصحي الخاص وفق دفتر تحملات واضح يأخذ بعين الاعتبار خصوصية القطاع ومنع جعله مجالا للمتاجرة والمنافسة المالية والربح السريع، وضرورة إخضاعه لمراقبة الدولة التي تحدد أسعار الخدمات كما هو الشأن بالنسبة لأسعار الأدوية ( تعريفة مرجعية ملزمة)، فضلا عن كون الاستثمار في القطاع الصحي سيسمح بالفعل بخلق فرص شغل كبيرة للأطباء والممرضين والتقنيين وسيساعد على تحسين الضغط الهيكلي الذي تواجهه شبكة تقديم الرعاية الصحية العمومية في البلاد، خاصة أن المستقبل ينذر باحتمالات خطيرة على مستوى التوظيف وسد أبوابه أمام آلاف الأطباء والممرضين والرمي بهم للشارع، وبالتالي فخلق مستشفيات ومصحات كبيرة في العديد من مناطق المغرب سيساعد على خلق مناصب الشغل، كما سيسمح لعدد من الأساتذة الأطباء بالاشتغال في ظروف سليمة وفي جميع مناطق المغرب، ومساهمتهم في رأسمال الشركات التي تستثمر فيها المجال وفي اختصاصات متعددة كما هو عليه الحال اليوم في العديد من الدول الأمريكية والأوربية والأسيوية وحتى العربية التي يقوم القطاع الخاص فيها باستثمارات غير مسبوقة لدعم العناية الصحية وكذلك القطاعات التكميلية (مثل الأبحاث العلمية). وهنا لابد من الاشارة، وخلافا لما يتم الترويج له إلى أن استقلالية الطبيب وحتى الممرض تظل قائمة بقوة القانون والأعراف والأخلاق المهنية، ولا يمكن لأحد أن يتدخل فيها كما هو الشأن اليوم في القطاع العام، وهي قاعدة عامة في جميع البلدان سواء كان الطبيب موظفا في القطاع العام أو كان أجيرا في القطاع الخاص. ما هي الإجراءات المصاحبة للحفاظ على حقوق المريض وحقوق الشغيلة الصحية بالقطاع الخاص في ظل القانون الجديد المرتقب تعديله ؟ سؤال جوهري يضع العديد من المصحات الموجودة أمام المساءلة عن عدم احترامها لمدونة الشغل والتي توجد في وضعية غير سليمة حتى مع بعض أطباء الصحة العمومية والممرضين الذين يقومون بالمداومة أو بعمليات جراحية في هذه المصحات، بعضها يتعامل باستخفاف كبير وبتعويضات هزيلة لا ترقى إلى نوعية الخدمات التي يقدمونها أثناء عملهم بهذه المصحات. ناهيك عن فئة لا يستهان بها من أجراء المصحات، ممرضات ومساعدات، الذين لا يعرفون طعم الترقية أو الزيادة في الأجور أو حتى الحماية الاجتماعية. وهناك كذلك بالطبع مصحات تحترم قوانين الشغل والصحة والسلامة المهنية في العمل بل تساهم في التكوين المستمر لأجرائها. وبالتالي بات من الضروري واللازم مراجعة التشريعات و الأنظمة والقوانين المنظمة والمشرعة للاستثمار في القطاع الصحي وإحداث التغيير المناسب، توفير قنوات رسمية للدعم المالي الحكومي لتشجيع الاستثمار الصحي والطبي سواء للمصحات الموجودة او التي ستنشأ بعد مراجعة القانون، مراجعة النظام الضريبي على المصحات والخدمات الصحية بالقطاع الخاص، وضع نظام تشاركي بين القطاع الخاص وصناديق التأمين عن المرض والحكومة تحت إشراف ومراقبة وتتبع الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، خلق المحاكم المتخصصة في المجال الطبي للبت في القضايا الصحية والطبية بما فيها الأخطاء الطبية والتجاوزات، تبني وتفعيل مبدأ الشفافية في تدبير المصحات والمستشفيات الخاصة وماليتها وعلاقتها مع صناديق التأمين تحت مراقبة وزارة الصحة وزجرها للمخالفات وإغلاق المصحات والمستشفيات التي لم تعد تستجيب لمعايير محددة قانونا، إلغاء كل القوانين التي تربط مهنيي الصحة من الأطباء والممرضين والصيادلة وجراحي الأسنان بالأمانة العامة للحكومة لتحمل وزارة الصحة كل المسؤولية، التواصل الدائم مع القطاع الصحي الخاص وإدماجه الفعلي في السياسة الصحية ومساهمته وإشراكه في الرعاية الصحية الأولية والحملات الوقائية واعتماد نظام معلومات مشترك وإجباري لمتابعة المؤشرات الصحية . هل لذلك أي تأثير على الممارسة الطبية و صحة المواطن، وعلى تكلفة العلاج؟ مما لاشك فيه أن المسؤولية الطبية ستظل من مسؤولية الطبيب كما هو الشأن في جميع دول العالم، حيث لا يمكن لصاحب مصحة أو مستشفى، أن يتدخل في قرارات الطبيب، فالممارسة الطبية مستقلة بقوانين تحكمها وله حرية اختيار نوعية العلاج بتنسيق مع مريضه، وليس بتوجيه من أية جهة كانت. ثم أن تكلفة العلاج بتعريفة مرجعية تسهر على تطبيقها وزارة الصحة والوكالة الوطنية للتأمين الصحي وتحت متابعة ومراقبة صناديق التأمين، وبالتالي فلابد من ضوابط تتحكم في المشروع الصحي وليس التجاري بالمفهوم الشامل للكلمة. يجب القطع مع الفوضى والتسيب في هذا المجال الذي يهم حياة المواطنين، وعلى وزارة الصحة والوكالة خلق أجهزة طبية للمراقبة والتتبع وزجر المخالفات. أمام الاختلالات التي يعرفها المشهد الصحي، ما الذي توصون به، وماذا تقترحون للخروج من هذه الإشكالية؟ إذا تحدثنا عن حق الرعاية الصحة باعتباره حقاً أساسياً من حقوق الحياة وليس منحة أو صدقة أو إحسانا من أحد، فإن «دستور» منظمة الصحة العالمية يقر عددا من الحقوق في هذا المجال. أهم هذه الحقوق هي حق الإنسان في مستوى معيشي ملائم ومحقق للسلامة الجسدية والنفسية الروحية وذلك يتطلب: الحصول على الطعام الكافي والمتوازن والحصول على الماء السليم صحياً والمسكن الصحي والملابس اللائقة بشرياً والملائمة مناخيا، الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والصحة الإنجابية والخدمات الاجتماعية، الحصول على الأمان من البطالة والمرض والعجز وتقدم العمر والأمان من عدم القدرة على المعيشة في ظروف قاسية خارج نطاق تحكم الإنسان. فمن هذه المنطلقات يمكن الحديث عن الحق في الصحة وولوج العلاج والأدوية وضمان الأمن الصحي للجميع وليس عبر اشكالية مصالح القطاع الخاص وهمومه ورغباته في المنظومة الصحية بالمغرب. اليوم نحن أمام ما يسمى بصناعة الرعاية الصحية وهي تعد من القطاعات التي تعرف تطورا سريعا، وفي ظل المستجدات الاقتصادية الحديثة، نجد أن هناك العديد من التغييرات والتي تشمل زيادة حدوث الأمراض المعاصرة وزيادة متوسط أعمار السكان، وارتفاع الطلب على الخدمات العلاجية المتقدمة، فضلاً عن ارتقاء مستوى المعرفة والتعليم لدى المستهلك والذي بإمكانه حالياً الاطلاع والوصول الى المعلومات بصورة لم يسبق لها مثيل. لذلك تظل مسؤولية الدولة قائمة في حماية ورعاية صحة مواطنيها بدل تفتيت النظام وترك الفقراء على الهامش، لكون الاستثمار في الصحة وتشجيعه سيكون موجها للطبقة الوسطى والأغنياء، أما الفقراء في ظل الوضعية المتردية للمستشفيات وغياب تغطية اجتماعية مجالية حقيقية ، فلا ملجأ لهم إلا مستشفيات الدولة، ومن مسؤولية الدولة والحكومة الاستمرار ومواصلة تحمل عبء تكلفة العلاج باعتبار أن ذلك يشكل حقاً من حقوقهم الأساسية.