في اللقاء الجهوي للاتحاد الاشتراكي بجهة مراكشآسفي تخليدا لذكرى استشهاد عمر بن جلون: أكد محمد ملال عضو المكتب السياسي ورئيس لجنة التعليم والبحث العلمي والثقافة بمجلس النواب، أن مسألة المشاركة الشعبية في تسيير الشأن العام، وتدبيره، إحدى القضايا البارزة التي استأثرت باهتمام القادة التاريخيين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ تأسيسه. وأضاف محمد ملال الذي كان يتحدث في افتتاح اللقاء الجهوي الذي نظمته بمراكش مساء الأحد 6 يناير 2019 الكتابات الإقليمية بجهة مراكشآسفي، تخليدا للذكرى 43 لاستشهاد المناضل الاتحادي عمر بن جلون، في موضوع” الجماعات الترابية في خدمة التنمية”، أن الاتحاد الاشتراكي منذ تأسيسه كان همه الأول والأخير قضايا الجماهير الشعبية، لأنه يعتبر الاستماع لهذه الجماهير بداية لحل المشاكل العالقة كيفما كان نوعها، كما أن هذه القضايا ليست فقط قضايا حزب بل هي قضايا الشعب المغربي. وأوضح المتحدث في ذات السياق، أن الدعوة إلى إطلاق فكرة إصلاح النظام الجماعي حاضرة في خطابات الحزب في مختلف المحطات منذ سنة 1959، حيث اقترح الشهيد المهدي بن بركة اعتماد إصلاح النظام الجماعي كمدخل لدمقرطة النظام من القاعدة، بشكل تكون فيه الجماعة تسطر السياسات العمومية الموجهة للمجتمع سواء كانت اقتصادية، اجتماعية ، ثقافية، لكن هذه المبادرة يقول ملال لم يكتب لها النجاح، وووجهت آنذاك بالرفض، مما فوت على البلاد عقودا من التنمية. وقال عضو المكتب السياسي إن الاتحاد الاشتراكي خاض معارك فكرية طويلة من أجل دمقرطة المؤسسات المنتخبة وجعلها تمثل الإرادة الشعبية، حيث وصل هذا النقاش الحاد إلى مستوى مقاطعة الانتخابات المحلية مثلا في سنة 1963، وهي ثاني تجربة انتخابية جماعية في تاريخ المغرب بعد الاستقلال والأولى في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، مذكرا بأن الحزب وجه مذكرات عديدة لتوضيح وجهة نظره وللتأكيد على أهمية المؤسسات المنتخبة والديمقراطية المحلية في تنمية البلاد في شتى المجالات. وتضاعف هذا الاهتمام بالمؤسسات المنتخبة بعد المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، حيث دعا الحزب في هذه المرحلة مختلف الفاعلين للمساهمة في البناء الديمقراطي عبر إفساح المجال لنشوء مؤسسات منتخبة محلية جديدة تتمتع بالصلاحيات والإمكانات المالية التي تؤهلها للقيام بأدوارها المختلفة، حيث تجاوب الراحل الحسن الثاني مع هذه المطالب عبر خطاب 1976، ومباشرة بعد ذلك تم اعتماد الميثاق الجماعي الذي أخذ بعين الاعتبار جزءا هاما من الأفكار الاتحادية. وأكد محمد ملال أن مطلب تأهيل وتطوير الجماعات الترابية يبقى قائما لأن التنمية الشاملة لبلادنا رهينة بتقوية هذه المؤسسات، وتوسيع اختصاصاتها وإعطائها الإمكانيات المالية اللازمة للقيام بأدوارها، باعتبارها تلعب دور الوساطة بين الدولة والمواطن، وكذلك نظرا للتطورات التكنولوجية التي يعرفها العالم. وبعد استقرائه، لملامح التطور الذي شهدته بلادنا في هذا المجال، خاصة بعد اعتماد دستور 2011 والقوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والأقاليم والجماعات، والخطب الملكية والرسائل السامية الموجهة إلى مختلف الملتقيات المرتبطة بهذا المجال، توقف محمد ملال عند مرسوم الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، وعبر عن أمله في أن تتم مراجعة هذا الميثاق لإعطاء الفرصة للمنتخبين لإبراز قدراتهم التسييرية والتدبيرية لمجالات انتخابهم. وتميز اللقاء الجهوي بالعرض الذي ألقاه النقيب الأستاذ إدريس أبو الفضل العضو السابق بالمكتب السياسي للحزب، الذي أكد أن الشهيد عمر كان يرفض أن تكون الذكريات للتباكي و تعداد الفضائل، و لكن لبناء المستقبل و تشييد الأمل. وأشار النقيب أبو الفضل في عرضه إلى أن عمر بن جلون كان من الشباب المغربي الذي تشبع بالفكر الغربي واغترف من منابعه بأوروبا. وكان من الشباب الذي يفيض حيوية وفكر وذكاء حادا جعله يجمع بين تكوين المتخصص ( في التصالات الذي حصل فيه على شهادة الدكتوراه بتفوق) ودراسة الفكر الاشتراكي. وأوضح أن عمر لدى عودته إلى المغرب بعد إتمام دراسته، كان يحمل هم بلده، متشبعا بالدفاع عن كرامة المواطنين، واستقلال وطنه، حيث انخرط في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد تأسيسه سنة 1959، حيث كان الشهيد منشغلا بهذه المرحلة الجديدة، ومنظرا لآفاقها و تطلعاتها المستقبلية، من خلال معركة الديمقراطية التي كان المغرب المستقل حديثا، يخوضها بعدما ظهر أنه يتأرجح بين الاستبداد الذي بدأت ملامحه تتقوى، والتطلع إلى دولة حداثية وديمقراطية، كما انشغل بالديمقراطية كسؤال داخلي يهم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتحريره وقتها من القيادة النقابية التي تشكل كابحا لتحويل الطبقة العاملة عن مسارها السياسي. وأضاف أبو الفضل أن الشهيد عمر بن جلون، انخرط بمثابرة في مختلف المعارك الديمقراطية، وكان يستشرف الآفاق ويطارد الإشكاليات بمنهجية التحليل الملموس للواقع المادي الملموس، وكان يجمع صفات المثقف العضوي، والفاعل السياسن وكفاءة الإطار التنظيمي. وواجه إشكالية الدمقراطية بنفس فكر متجدد، وبقلق دائم، عكسته مساهماته ومطارحاته، التي انتصرت لاستراتيجية النضال الديمقراطي التي كرسها المؤتمر الاستثنائي للحزب، كما شكلت قضية الوحدة الترابية مركزا مهما من انشغاله الفكري والنضالي. والشيء نفسه بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي خصص لها حيزا مهما من تفكيره ووجدانه، وأسس لها صحيفة تحمل اسم ” فلسطين”، وكان من أول الداعمين لسفارة دولة فلسطين بالرباط. واستعرض النقيب أبو الفضل ملامح الربط الجدلي لدى عمر بن جلون بين الفكر والممارسة، مشكلا بذلك بصمة ملهمة في تاريخ الاتحاد الاشتراكي، وصوتا حقيقيا للنضال الديمقراطي والكفاح من أجل وطن أكثر حرية ومساواة وعدالة، وعرج على العلاقات الوثيقة التي كانت تربطه بجهة مراكش، وبمناضليها، تنظيرا وتنظيما، بآفاق إنسانية رحبة عمقتها صلات شفافة مع المناضلين. وختم الأستاذ أبو الفضل عرضه، باستعراض ملامح الجريمة التي استهدفت الشهيد عمر بن جلون، واستهدفت من خلاله فكرا بكامله، والتي قال في شأنها إن الوثائق التي لم تنشر لهيئة الإنصاف والمصالحة أكدت في شأنها أنها كانت حصيلة تنسيق محكم بين أجهزة المخابرات وتنظيم الشبيبة الإسلامية. ومن جهته، أكد الأكاديمي الدكتور محمد الغالي، الذي خصص مداخلته للتمكين في تحقيق التنمية المستدامة، أن الشهيد عمر بن جلون، هو شهيد القضايا العادلة للشعب المغربي. وأوضح أن مداخل التمكين يمكن قراءتها في مرجعيات الاتحاد الاشتراكي الذي شكل خزانا للمثقف العضوي ينخرط مع الشعب في همومه، وينصهر فيها. وأوضح الدكتور الغالي، أن موضوع الجماعات الترابية يشكل عنصرا من نظام سياسي بكامله، مؤكدا أن التمكين لا يتحقق فقط في إطارتقوم به الدولة، ولكن أيضا في علاقته بأثر على المواطن، معتبرا أن مبادئ المساواة والإنصاف والعدالة الاجتماعية التي كانت حاضرة دائما في مرجعيات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يمكن أن تعتمد لقياس مدى تحقق التمكين. وأكد الدكتور الغالي، أنه لا يمكن للمخرجات الشمولية للدولة أن تحقق التوازن والفعالية والنجاعة، إذا لم يتوفر التناسق للسياسات العمومية الوطنية والترابية والقطاعية، منبها إلى عدم الرهان كثيرا على المرسوم المتعلق باللاتمركز، بقدرما ينبغي الرهان على مسؤولين ترابيين لهم القدرة على تحقيق احترام كبير لروح الجهوية المتقدمة، وقادرين على اتخاذ القرارات، في انسجام مع الجيل الثالث من الحقوق الذي يضعنا فيها دستور 2011. ودعا الدكتور الغالي إلى ضرورة التخلص من التفكير في الجهوية بعقلية مركزية، مؤكدا أن أي اختلال في تحقيق التمكين سيجعل المؤسسات في أزمة. وتناول الأستاذ عبد الغني وفيق رئيس جماعة وركي بإقليم قلعة السراغنة، موضوع دور الجماعات الترابية في التنمية، من زاوية عدد من الأسئلة التي تحدد الإكراهات التي تقيد أداء رؤساء الجماعات، من مثل هل يتوفر جميع الرؤساء على خبرة ودراية في الشأن المحلي؟ وهل لديهم الكفاءة اللازمة لضبط المساطر والإلمام بالقوانين المنظمة لهذا المجال؟ وهل يحملون عقلية المسير الجماعي؟ وهل بإمكانهم فعلا أن يستحضروا كل مطالب السكان وأولوياتهم؟ وطرح عدد من المعضلات التي تؤثر على قيمة العمل الجماعي، وفي مقدمتها مالية الجماعات ، وتضخم الموظفين ما يستنزف غلافا كبيرا من ميزانية الجماعات، وتحصيل الديون، واستخلاص الضرائب، وكذا إشكالية إدارة الصفقات بإجراءاتها المعقدة، وكذا سياسة التواصل التي من المفروض أن يعتمدها الرئيس في انفتاحه على الساكنة والمحيط السوسيو اقتصادي والرأي العام، إضافة إلى مسألة الرقابة على أداء المجلس، وغياب سياسات التقييم الداخلي للبرامج والمشاريع. ومن جهته، استعرض عبد السلام كريم رئيس جماعة لفريطة بإقليم قلعة السراغنة، تجربة الاتحاد الاشتراكي في التدبير الجماعي، مؤكدا في هذا الصدد أنه ينبغي لمدبر الشأن العام، قبل أن يحوز على أي خبرة تدبيرية أن يكون حاملا لمشروع، واضح في أهدافه، وفي الوسائل المعتمدة في تحقيقها. وبعد تقديم الوضعية التي وجد عليها الجماعة المجلس الحالي، استعرض أهم الإنجازات التي حققها في فترة وجيزة، والتي تمثل قفزة نوعية على المستوى التنموي لاسيما إذا استحضرنا شح الإمكانيات. أما الأستاذ خالد زريكم عضو غرفة الصناعة والتجارة والخدمات بجهة مراكش وعضو جماعي بمجلس مقاطعة مراكشالمدينة، فأكد في مداخلته التي تركزت حول موضوع” دور الغرف المهنية في تحقيق التنمية الجهوية” على ضرورة تمكين الغرف من أدوار تقريرية بدل طابعها الاستشاري، ومعالجة ظاهرة إقصائها وخلق منافسين لها مدعومين من المركز والدولة، مطالبا برد الاعتبار للعمل السياسي، ولهذه المؤسسات الدستورية التي لا يمكن الاستغناء عنها لأنها تساهم في الممارسة الديمقراطية بتمثيل فئات واسعة من المجتمع، وذلك برد الاعتبار للعمل السياسي ككل، مشددا على ضرورة إيلاء الأحزاب السياسية أهمية أكبر لهذه المؤسسات، لانتشالها من مستنقع الفساد والولاءات والزبونية، وجعلها فعلا أداة لخدمة التنمية الجهوية. وكان عبد الحق عندليب الذي سير اللقاء، قد أكد الكلمة الافتتاحية التي ألقاها باسم الكتابات الإقليمية لحزب بجهة مراكشآسفي، على قوة هذه اللحظة المخلدة لذكرى استشهاد المناضل عمر بن جلون، الذي ظل زعيما ملهما لكل المناضلات والمناضلين من أجل الحرية والمساواة والعدالة والكرامة، معتبرا أن الحزب يؤكد مرة أخرى من خلال هذه المناسبة التاريخية صموده واستمراره كصوت للقوات الشعبية ومدافعا عن قضاياها. وعرف اللقاء الذي تميز بحضور عضوي المكتب السياسي بديعة الراضي ومحمد ملال، وأعضاء المجلس الوطني للحزب بالجهة، والمستشارين الاتحاديين أعضاء المجالس المنتخبة، ومناضلي الحزب، وعدد من الفعاليات السياسية والجمعوية والنقابية، قراءة الفاتحة على روح الشهيد عمر بن جلون، وإلقاء قصيدة مؤثرة في ذكراه من إبداع الشاعر أحمد المهداوي، والوقوف دقيقة صمت، ترحما على روح ضحيتي الاعتداء الإرهابي بإمليل.