تنامت في السنوات الأخيرة مع نهاية كل سنة ميلادية، الدعوات إلى تحريم الاحتفالات بدعوى مخالفتها للدين والشريعة، وبأنها مدعاة للتشكيك في تدين المغاربة رغم أن احتفالهم لا يعدو كونه ممارسة اعتيادية وليس رمزا دينيا، بالنظر الى أن التقويم الميلادي هو ما ينظم معيشهم اليومي والمهني، ومعاملاتهم. الدعوة تنم عن تغلغل ثقافة التحريم والمنع والكراهية تجاه الآخر المختلف، وهي ثقافة تُرِكتْ لعقود خارج رقابة المشرفين على الحقل الديني وتحت سلطة التأثير الوهابي الدخيل على الاختيار المذهبي المالكي الذي اختاره المغرب لوسطيته واعتداله، بعيدا عن هذا المذهب غير القابل للتفاعل، باعتماده على نصوص جامدة وآليات نقلية تمنع تأويل النصوص، وتكفر كل الداعين الى الاجتهاد مقابل تشجيع الإقبال على فتاوى ابن تيمية وابن عثيمين وابن باز المتسمة بالتشدد والتعصب الديني. وهو التأثير الذي كانت له تداعياته منذ أواخر السبعينات بعد إغلاق مسالك الفلسفة والسوسيولوجيا، وتعويضها بشعب الدراسات الإسلامية التي شكلت مشاتل خصبة لتفريخ هذا الفكر الانغلاقي حيث نشطت حركة تدفق الأموال ومعها الكتب والأدبيات السلفية، التي حملت نوعا معينا من التدين نظر إليه المغاربة على أنه الدين الصحيح، وصمّت الدولة آذانها وأغمضت عينيها عنه لأسباب سياسية أهمها كبح جماح حركات اليسار وحركات الإسلام السياسي معا، إلى أن غدا هذا الفكر حركة منظمة بخلفية إيديولوجية وثقافية لها منظروها وأعلامها والمدافعون عنها، وهو ما انتبهت إليه الدولة متأخرة بعد أن انتقل الى مرحلة التنفيذ، وبالضبط في أحداث تفجيرات 16 ماي 2003، وانتهاء بالبشاعة التي عشناها ثلاثة أسابيع قبل انسلال هذه السنة، بذبح مواطنتين أجنبيتين بكل وحشية من طرف أتباع هذه المذاهب والثقافة الدخيلة والرافضة للآخر «الكافر». لقد حمت السلفية الوطنية المغربية بروادها الأوائل المختار السوسي، وشيخ الاسلام محمد بلعربي العلوي وعلال الفاسي، المغرب من الانزلاقات المذهبية، كما أن التصوف المغربي ووسطية المذهب المالكي ساهما في ذلك لأن نمط التدين المغربي كان قائما على التدين والسلوك وقبول الاختلاف وحرية العقيدة، قبل أن تدخل ثقافة التحريم حياة المغاربة كتجل واضح لحالة الاشتباك العقدي والمذهبي بين تدين تقليدي صوفي مالكي وشعبي، تؤطره وترسم معالمه الدولة ممثلة في إمارة المؤمنين والوزارة الوصية «وزارة الاوقاف»، إلى تدين وافد تُوطّن له الحركات الإسلامية التي تشترك في مرجعياتها العقدية والفقهية بنهلها من أدبيات السلفية المشرقية. ثقافة التعايش التي سادت لقرون بالمغرب، تجد ترجمتها الفعلية في تزايد الحضور المسيحي عبر تاريخ المغرب. ففي نهاية القرن التاسع عشر مثلا وبداية القرن العشرين، أي في 1830 كان عدد المسيحيين الاوربيين محدودا في 250 شخصا ، منهم 200 بطنجة ليرتفع في 1858 الى الى 700 مسيحي ثم 1400 في 1864 والى 3000 في 1864 و1000في 1910 دون احتساب قوات الاحتلال الفرنسية والاسبانية وسكان مدينتي سبتة ومليلية، لينتقل هذا الرقم في 1924 الى 87.000 استقر منهم 11000بطنجة و39.283 بالدارالبيضاء حتى وصل عدد الكاثوليك منهم في 1927 الى 100.000 قبل أن يضطر العديد منهم، وضمنهم رجال الدين الى مغادرة المغرب بعد الاستقلال. والى حدود 2017، تم تسجيل حوالي60 مكانا رسميا لإقامة شعائر المسيحيين ، أربعون منها تابعة للكنيسة الكاثوليكية، وأكثر 12 من تابعة للكنائس البروتستانتية المختلفة إلى جانب عدد ضئيل من الكنائس الأرثودكسية المشرقية. وتتوزع هذه الكنائس على مدن الداربالبيضاء(7) ، في الرباط (4)وكنيستين في طنجة ووجدة ومكناس، وكنيسة في كل تطوان والحسيمة والقنيطرة ، الجديدة ، المحمدية ،سطات، بني ملال، بركان ، الرشيدية، فاس، إفران، ميدلت، تازة، أكادير، الصويرة، مراكش، تازة، ورزازات، آسفي، تارودانت، سلا، العرائش، خريبكة، أصيلة. إن ما استجد على قيم المغاربة اليوم من قبيل انتشار أفكار التطرف ونبذ الآخر وثقافته، يستدعي من المؤسسات الوصية على الشأن الديني بالمغرب ترشيد التدين ، بالاشتغال على مثلث العقيدة والفقه والسلوك للحفاظ على خصيصة التعايش والتسامح التي عرف بها المغاربة الذين عاشوا وتعايشوا مع المسيحيين واليهود لقرون، دون أن يمس ذلك بعقيدتهم أو ينتقص من إيمانهم، وهو التعايش الذي جعل الكنيسة تجاور المسجد والبيعة، وجعل الكنيسة تتحول أحيانا إلى مسجد يرفع فيه الآذان ويتلى فيها القرآن، ككنيسة «روش نوار» بالبيضاء التي تحولت إلى مسجد لا يجد المغاربة حرجا في أداء صلواتهم به، كما أن التاريخ المغربي الرسمي يحتفظ ببعض المبادرات المشرقة في هذا الباب، حيث تبرع السلطان الحسن الاول بن محمد في 1880 بقطعة أرضية لبناء كنيسة أنجليكانية صغيرة بطنجة والتي بعد بنائها لم تتسع لعدد المصلين، فبنيت كنيسة جديدة في 1894 حملت اسم كنيسة القديس «أندر» . كما تمتلك الى اليوم الكنيسة الكاثوليكية بالمغرب ، العديد من المؤسسات التعليمية يبلغ عددها 16 مؤسسة ، موزعة على مجموع التراب الوطني، 4 منها بالقنيطرة و5 بالدارالبيضاء، و3 بالرباط وواحدة بمكناس و2 بالمحمدية وواحدة بمراكش ، يدرس بها آلاف التلاميذ المغاربة دون أن يسجل عليها أي تدخل في مواد التعليم الديني، أو مساس بعقيدة من يدرسون بها. الاحتفالات حدث طارئ، لكن الثابت هو هذا الفكر الرافضي الذي يتسرب عبر مسام الدين ليهدد النسيج المجتمعي المغربي وينسف أمنه الروحي الذين حماه في حمأة الإضطرابات الاقليمية وهزات الربيع العربي.