حين كان خصوم المغرب وأعداء وحدته الترابية يغزلون حوله شبكة «البلد الذي لا يحترم حقوق الإنسان»، كان المغرب قد بدأ فعلا بأناة في نقض ما يغزله الآخرون، وكان يصنع زورقا من أجل تقوية عودته من «الجحيم» الذي شيده بالدم والأغلال جلادو العهد القديم. وفعلا، استطاع المغرب أن يستوعب الدرس، وأن يفطن لاستراتيجيات الغزل والعزل التي ينسجها حوله لوبي قوي يتحرك، دوليا، في كل مكان. فكان أن بدأ يحول الثقل إلى خفة، وأنهار السراب إلى أبواب مفتوحة على «الإنصاف والمصالحة» و«جبر الضرر» و«التعويض المادي» و«الإدماج الاجتماعي». و يوما بعد يوم، بدأ يكتسح مساحات إضافية على المستوى الأممي في مجال حقوق الانسان. ويتجلى ذلك بوضوح في تمكن حقوقيين مغاربة، الذين تمرسوا مدة طويلة في المجتمع المدني وفي الجمعيات الحقوقية، من فرض كفاءتهم كخبراء مستقلين على المستوى الدولي (مجلس حقوق الإنسان بجنيف) في موضوعات متنوعة ودقيقة، مما يشكل اعترافا بالتجربة التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان، سواء على المستوى المعياري أو المؤسساتي، وأيضا اعترافا لمنظومة حقوق الإنسان بالمغرب، التي لعبت دورا هاما في تكريس وتعزيز المسار الديمقراطي الذي ركب المغرب قاطرته. دخول الخبرة المغربية إلى مجلس حقوق الانسان لم يكن من قبيل الصدفة، بل ينم عن تقدم في الإرادة وتحول في المنهجية، حيث تحول المغرب من وضعية «الانكماش الدفاعي» إلى وضعية المنتج للخبرة والمصنع لها.. بل وضعية المنافس الذي يضرب له حساب في المعادلة الأممية الآن، بعد تمكن مجموعة كبيرة من الإسماء المغربية من مزاولة مهام خبراء مستقلين في العديد من الآليات التابعة للأمم المتحدة، مثل نجاة مجيد (مقررة خاصة للأمم المتحدة في مجال الاتجار بالأطفال واستغلالهم) والسعدية بلمير (عضو اللجنة الأممية ضد التعذيب)، فضلا عن عبد الحميد الجمري (رئيس اللجنة الأممية لحماية حقوق المهاجرين وعائلاتهم) وحليمة الورزازي (عضو اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان) والمحجوب الهيبة (عضو اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان) و حورية السلامي (عضو مجموعة العمل الأممية حول الاختفاء القسري) محمد عياط (الذي عين مؤخرا خبيرا مستقلا معنيا بحالة حقوق الانسان بساحل العاج، وكان قد عمل مستشارا خاصا للمدعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، كما سبق أن انتخب عام 2008 خبيرا مستقلا بلجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة). هذا بالإضافة إلى انتخاب الخبير والأستاذ الأكاديمي المغربي محمد بناني عضوا للجنة الاستشارية بمجلس حقوق الإنسان، إلى جانب 18 عضوا الذين يشكلون اللجنة الاستشارية التابعة للمجلس، والتي حلت محل اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بعد أن تم حلها على إثر تأسيس المجلس سنة 2006. وتُعتبر هذه اللجنة المكونة من 5 خبراء من إفريقيا و5 من آسيا و5 من أمريكيا اللاتينية، وخبيرين من أوروبا الشرقية، و3 من أوروبا الغربية، محفلا للتفكير والاستشارة التابع لمجلس حقوق الإنسان، حيث تتولى فقط دراسة المواضيع التي يطرحها المجلس ويطلب فيها رأيا استشاريا وليس من حقها اتخاذ قرارات. والجدير بالذكر أن اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان، التي تتكون من 18 خبيرا، أحدثت لكي تكون بمثابة هيئة فكرية للمجلس، بعد أن حلت محل اللجنة الفرعية السابقة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. وينكب خبراء هذه اللجنة على صياغة الدراسات وبلورة الآراء بناء على طلب من مجلس حقوق الإنسان، ووفقا لقراراته وتوجهاته. ويناط بهؤلاء الخبراء، بتوجيه من مجلس حقوق الإنسان، تقديم اقتراحات تروم على الخصوص تحسين نجاعة إجراءات المجلس، فضلا عن مشاريع البحث، في نطاق هامش التحرك المتاح لهم. وقد تمكن 4 مغاربة من أصل 11 مغربيا مرشحا من البقاء في القائمة القصيرة، ويتعلق الأمر بالخبراء الآتية أسماؤهم: . حمو أوحلي، وهو طبيب بيطري وأستاذ سابق بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة. كما كان عضوا سابقا بالمجلس الاستشاري لحقوق الانسان، وشغل منصب كاتب الدولة في التضامن والعمل الإنساني. . محمد بنهناسي، وهو أستاذ القانون العام بجامعة ابن زهر متخصص في "العلاقات الدولية" و"سياسات البيئة والأمن الإنساني". . حورية التازي صادق، وهي محامية وخبيرة في مجال تدبير الماء، وصاحبة كرسي اليونيسكو متعدد الاختصاصات حول الماء. . محمد عياط، وهو قاض عين من قبل في منصب مقرر خاص بدولة الكوت ديفوار، وقد سبق له أن شارك في مشروع بحث دولي حول النزاعات والاضطهاد والعدالة في أعقاب الصراع حيث كان مسؤولا عن هذا المشروع البحثي في شمال إفريقيا. كما ساهم في صياغة مدونات نموذجية للعدالة الجنائية الانتقالية للأمم المتحدة، وله العديد من المنشورات في مجال القانون الجنائي وعلم الجريمة. وقد ضمت لائحة المرشحين فضلا عن هؤلاء: الموساوي العجلاوي (أستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية)، محمد فتوحي (أستاذ التربية على البيئة والتنمية المستدامة بجامعة محمد الخامس الويسي وباحث في مجال القانون الدولي)، عبد الهادي بنيس (رئيس نادي البيئة بجمعية رباط الفتح للتنمية المستدامة)، حسن شواوطة (رئيس الجمعية المغربية لخبراء تدبير النفايات والبيئة)، سمية الأمراني (عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، عبد المجيد مكني (رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان فاسمكناس) ومحمد الخديري ( (رئيس التحالف من أجل النهوض بحقوق الأشخاص في وضع إعاقة). ويعتبر الانتقاء في اللائحة القصيرة إنجازا مهما بالنسبة للمغاربة، حيث تدرج أسماؤهم كخبراء في بنك المعلومات الخاص بالمجلس الذي يمكنه الاستعانة بخدماتهم متى اقتضت الضرورة ذلك. كما يعتبر إنجازا من حيث تراكم التجربة وتقوية الوجود داخل الديناميات الحقوقية الدولية. إذ نجح المغرب في تقوية علاقاته المتعددة الأطراف من خلال العديد من الترشيحات التي امتدت من 2005 وما زالت مستمرة إلى اليوم. والأكيد أن اختيار المغرب الانخراط المكثف في مثل هذه الترشيحات لم يكن اعتباطيا، بل يندرج في إطار الأهداف التي حددها في مجال التعاون المتعدد الأطراف، ولاسيما في إطار المنظمة الأممية، خاصة أن خصوم المغرب درجوا على التلويح بورقة "حقوق الإنسان" لإحراج المغرب وتشويه صورته وإضعاف موقفه أمام المنتظم الدولي كلما طُرح نزاع الصحراء، خاصة الجزائر التي "تحيِّح" وترشي "الحياحة" في كل مكان من أجل تشغيل الآلة الدعائية المناهضة للمغرب. ويؤكد هذا الانخراط الواعي الانسجام الواضح والملاءمة التامة بين المبادرات التي يتم القيام بها على المستوى الداخلي وتلك المنفذة على المستوى الدولي، حيث قطع المغرب أشواطا على مستوى علاقته بمجلس حقوق الإنسان، وذلك باستقباله للآليات التعاقدية، أي لجن المعاهدات الدولية التي صادق عليها، وتلزمه بتقديم تقريره كل سنتين، ذلك أنها آلية لمراقبة مدى احترام الدولة لمعاهداتها. هذا فضلا عن ترحيبه بالآليات غير التعاقدية التي تجسدها الإجراءات الخاصة، والتي يقوم بها إما المقررون الخاصون أو المستشارون المستقلون أو فرق العمل. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب استقبل عام 2013، مثلا: . جوي نغوزي إيزيلو، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالاتجار في البشر، والتي أشادت بالإصلاحات التشريعية والإجراءات الهامة التي قام بها المغرب بهدف مكافحة الاتجار بالبشر بشكل شامل، وخاصة مشروع القانون المتعلق بالاتجار بالبشر الذي يمنع بموجب مقتضياته كافة أشكال الاستغلال في العمل، ولاسيما الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة. . فريق العمل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي ، والذي كان يتكون من من خمسة أعضاء يترأسهم السنغالي مالك الحجي سو؛ وذلك بطلب من المغرب. كما سبق للمقرر الأممي الخاص بمناهضة التعذيب، خوان مانديز، أن زار المغرب في شتنبر 2012، وذلك بطلب من المغرب بغاية الوقوف على الجهود المبذولة من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان. وبالعودة إلى الخمس سنوات السابقة، فقد استقبل المغرب 5 مقررين أمميين خاصين و4 فرق عمل، وذلك بمعدل زيارة واحدة كل 6 أشهر. مما يؤكد، حسب المتتبعين، أن المغرب يشكل استثناء على مستوى دول المنطقة من حيث الانفتاح على الآليات الأممية الحقوقية، ومن حيث دعوة المقررين الخاصين وفرق العمل. وقد شكل انتخاب المغرب بمجلس حقوق الإنسان بأغلبية ساحقة في الجمعية العامة اعترافا دوليا بالإصلاحات الدستورية والمؤسساتية الكبرى التي عرفها المغرب، والتي تتماشى مع الاختيارات الديمقراطية الداخلية والانخراط المستمر في حماية حقوق الإنسان في كافة أبعادها. حيث ستستمر عضويته من يناير 2014 الى نهاية سنة 2017. وقد جاء انتخاب المغرب بعدما حصل على 163 صوتا من أصل 193 صوتا المشكلة لهذا المجلس. وجدد المجلس عضوية 14 من أعضائه جرى توزيعهم على أمريكا اللاتينية بمقعدين، والعدد نفسه لكل من أوروبا الغربية والشرقية وأربعة مقاعد لآسيا والمحيط الهادي.