ضمن توجه جديد في مساره الترجمي، اختار المترجم محمد آيت حنا الانتقال في عمله الاخير إلى الترجمة في مجال المسرح، باختيار واحد من أعلامه الكبار، بترجمة «الحياة السعيدة» لصامويل بيكيت إلى العربية. ترجمة كتاب «الأيام السعيدة» لصامويل بيكيت، صدرت عن دار المدى للإعلام والثقافة والفنون. وهو مسرحية من فصلين للكاتب الإيرلندي الذي يعتبر واحدا من أشهر أعلام الثقافة في القرن العشرين. وحصل بيكيت على جائزة نوبل للآداب سنة 1969. كتب صامويل بيكيت أعماله بالفرنسية والإنجليزية، ثم قام بترجمة جلّها بنفسه إلى اللغة الإنجليزية. وإذا كانت مسرحية «في انتظار غودو» قد ملأت مخيلة الناس، نظرا لما رافقها من ردود فعل النقاد والأوساط الأدبية، فإن الكاتب خلّف إرثا أدبيا لا يقل أهمية عن العمل الذي طبع حياته؛ ومن ذلك مسرحية «الأيام السعيدة» التي يطلّ بها، في تجربة جديدة في الترجمة، المترجم محمد آيت حنا. أصدر محمد آيت عدداً من الترجمات من بينها: «كاظم جهاد: حصّة الغريب» (2011)، و»الغريب» ل ألبير كامو (2013)، وثلاثية أغوتا كريستوف: «الدفتر الكبير» و»البرهان» و»الأميّة»، و»العالم والبلدان» ل أندريه ميكيل (2016)، وهو يعلن عن توجه جديد باتجاهه إلى الترجمة في مجال المسرح، باختيار واحد من أعلامه الكبار، بترجمة «الحياة السعيدة» لصامويل بيكيت إلى العربية. ويتضمن النص المترجم حاشية، ليست للكتاب، ولكن للترجمة نفسها. ينقل في هذه الحاشية مجموعة من الملاحظات التي سجلتها «مفكرة المترجم». ينتقي المترجم مفهوما عريقا في الثقافة العربية، وهو مفهوم «الحواشي»، ويخرجه في صورة جديدة، تقترب مما يطلق عليه فيليب لوجون «يوميات المشروع» أو «مفكرة العمل». يتأمل المترجم محمد آيت حنا عمل الكتّاب «المفلوقي اللسان» الذين كتبوا بلغتين جيئة وذهابا، وفكروا بهما معا. تنبع هذه التأملات من طبيعة الكاتب المترجم له؛ صامويل بيكيت الذي كتب باللغتين الفرنسية والإنجليزية، و»الأيام السعيدة» عملٌ كتبه الكاتب الإيرلندي في الأصل باللغة الإنجليزية، وعنوانه الأصلي (Happy Days)، ثم نقله (وليس ترجمه) إلى اللغة الفرنسية بنفسه، وعنونه ب(Oh les beaux jours). بناء على هذه المعطيات، يستنتج محمد آيت حنا أننا أمام نصين (أصل)، وليس نصا واحدا؛ نص بالإنجليزية، ونص بالفرنسية. يكشف المترجم، من خلال هذا التأمل، عن علاقته بالكتاب المترجم لهم، هذه العلاقة التي عبر عنها، في تصريح صحفي سابق، بصداقة الأنداد، إذ يقول –جوابا عن سؤال يتعلق بهذه العلاقة-: «صداقة في الغالب: صداقة الأنداد. نعقدُ صداقةً لا أمد محدّداً لها، صداقةً كانت أحياناً قبل الشّروع في الكتاب، ودائماً تمتد بعد الفراغ منه؛ لكنّها صداقةٌ حولَ أرضٍ متنازعٍ عليها، نسكُنها معاً، وفي الآن نفسه نتنازع مواطن أقدامنا عليها». نكتشف في «حاشية المترجم» أن المترجم لا يحدث تغييرا في لغة النص الأصلي، وهذا من دون شك، جوهر الترجمة، ولكنه، حين يفعل ذلك، يحدث تغييرا في تفكيره في الترجمة ذاتها. هذا التغيير، قلما يفصح عنه المترجمون، وإن فعلوا ذلك، فهذا يعني أن الترجمة عندهم مشروع أكبر من نقل نص من لغة إلى أخرى، هي تأمل في الذات المترجمة، لجعلها تستحق ما سماه ايت حنا «الصديق الندّ». كان من الممكن أن تتحول الحاشية على الترجمة التي وضعها محمد ايت حنا في ذيل الكتاب المترجم إلى مقالة أو مقالات منفصلة، تناقش قضايا الترجمة، أوعلاقة صمويل بيكيت بيوجين يونسكو، أو ثنائية الشخصية في مسرحيات بيكيت وغيرها من القضايا… لكن هذه الحاشية، وكما نعتها صاحبها، حاشية على الترجمة، لا على الكتاب. تعكس رحلة مشروع الترجمة، متعتها، ومشقاتها…، تعكس «الأيام السعيدة» التي قضاها المترجم رفقة واحد من أعظم مسرحيي القرن العشرين. يمنح محمد آيت حنا القارئ العربي متعة مضاعفة، المتعة الأولى يمثلها النص الأصل، «مسرحية في عمق تجربة ما بعد عبث الحربين وشروخهما»، والمتعة الثانية يمثلها النص المترجم الذي انتقى فيه المترجم معجمه بعناية دقيقة، ليمارس به ندّيته السالفة الذكر. وسيلاحظ القارئ درجة هذه الدّقة في ترجمة التوجيهات المسرحية، وتبئير الحوار بين الشخصيتين الرئيسيتين. الجمل الحوارية مفكر فيها في سياقات متعددة؛ سياق أدب بيكيت، وسياق أسلوبه، وسياق اللغة المترجم إليها… يقدّم المترجم اقتراحات في الحاشية لتحويل النص المسرحي إلى عرض؛ وهذا يؤشر أن المترجم واع بخصوصية الفن المسرحي، وأن النص الذي ترجمه، قد تكتب له ترجمة أخرى، هذه المرة على الركح، وليس على الورق.