استضافت المكتبة الوطنية بالرباط «ليلة الفلاسفة»، بتعاون وتنسيق مع المعهد الثقافي الفرنسي، وهي ليلة كاملة امتدت من السابعة والنصف من مساء الخميس 21إلى الثانية من صباح الجمعة 22 نونبر الجاري. وقد تواصلت الليلة بمناقشات وعروض وحوارات في قضايا فلسفية، أو لها علاقة بالفلسفة كاللغة الهوية والتفكير. والمثير في هذه الليلة الاستثنائية ، تنظيم «حلقة» (بالمعنى الشعبي) من أجد الفلسفة. فكان مجموعة من الشباب والشابات متحلقين حول الباحث «علي بنمخلوف». هذا إضافة إلى تنظيم مجموعات تفرقت على مختلف القاعات في المكتبة تدخل فيها كل من الأكاديميين والمفكرين والصحفيين والفنانين المغاربة والأجانب مثل: جليل بناني، محمد زين العابدين، مهدي عليوة، كنزة الصفريوي، عبد الله العلوي، محمد الدكالي، جونوفييف فريس، فرنسيس وولف... في محاور ذات صلة بالتفكير الفلسفي: «اللغات، الكلمات، الهويات». كما تدخل سليم عبد المجيد، عبدو الفيلالي الأنصاري، إدريس كسيكس، محمد موهوب، ناديا يالا كيسوكيدي، آن سوفانيارغ، جيروم فيراري في محور «نزاعات الذاكرة». أما أحمد التوفيق ومحمد موهوب وعادل حجي وبيار كاي ومارك دو لوناي لقدموا تأملات في محور «الفلسفة والدين». وما كان مثيرا للانتباه في «ليلة الفلسفة» هو إقبال الشباب والطلبة على محاور الليلة، إضافة إلى وعيهم الجدلي الذي يربط بين الفلسفة وباقي ممارسات التفكير الأخرى، والأنشطة الفنية كالرسم والموسيقى. وبذلك فالليلة قامت بربط الفلسفة بجذور ممارساتها وأنشطتها الإغريقية الأولى. ومنذ افتتاح الليلة، التي ترأسها وأدارها مدير المكتبة الوطنية الأستاذ إدريس خروز، و المتدخلون يعيدون للفلسفة ما بدأت تفقده مع مرور الزمن، إذ تمحورت ندوة الافتتاح حول «الفيلسوف والمدينة» بمشاركة الأساتذة ماتيو بوت - بونفيل، وهو مندوب هذه التظاهرة الثقافية، الذي اعتبر الليلة «متاهة ممتعة، ومغامرة ليلية جماعية». إضافة إلى المشاركة المتميزة لمارك كريبون، المترجم وأستاذ الفلسفة بجامعة «ليل» الفرنسية، ومحمد الدكالي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط، الذي تدخل في محور «عداوة القناعات الراسخة للحقيقة وخطرها الأخطر من الأكاذيب» حسب الألماني نيتشه. وضرورة التفريق بين القناعة والفلسفة، و»عجز كل أضواء الفلسفة عن اي من عنف الإنسان الذي اعتبره أرسطور حيوانا سياسيا». بالنظر إلى الجمهور الغفير الذي حج تلك الليلة إلى المكتبة الوطنية، وبالنظر إلى حجم المشاركين ونوعيتهم، وبالنظر إلى دقة وحسن التنظيم الذي كان للمكتبة وللمعهد الفرنسي فضلا كبيرا، يمكن استخلاص أن الفلسفة نشاط من الفكر يحتاجه إنسان اليوم، خصوصا في هذه اللحظات المظلمة والغامضة التي تمر منها الثقافة العربية. كما يمكن الاقتناع بضرورة دعم تدريس الفلسفة، وما يرتبط بها من أنشطة فكرية وفنية، داخل الجامعة المغربية وداخل المؤسسات الثقافية المغربية المنشغلة اليوم بكل شيء إلا في التفكير في تنظيم حوار حول قضايا الفكر والثقافة. كما يطرح كل ذلك على الندوة أن تتخذ من إصلاح الجامعة المغربية واستقطاب المفكرين والباحثين الجادين إليها لاستعادة حيوية فكرية كانت ذات يوم وافتُقدت.