افتتحت مساء أمس الجمعة بمقر المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط الدورة الأولى من "ليلة الفلاسفة" التي ينظمها المعهد الفرنسي بالمغرب إلى غاية الثانية صباحا، وذلك بعروض ومناقشات وقراءات وموسيقى . وتضمن برنامج هذه الدورة الأولى، التي استقطبت جمهورا غفيرا من الطلبة والمهتمين، مداخلات في حلقات فلسفية ومحاورات مع الجمهور ومع متدخلين آخرين على شكل مناظرات أو حوار ليلي بين متدخلين ومسير للجلسة، وكذا على شكل منتدى "بذرة الفلسفة" الذي يتمثل في حوار بين الفلاسفة المدعوين وطلبة الجامعات وتلاميذ الثانويات. وتمحورت الندوة الافتتاحية، التي أدارها الأستاذ إدريس خروز مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، حول موضوع "الفيلسوف والمدينة" بمشاركة الأساتذة ماتيو بوت – بونفيل مفوض هذه التظاهرة الثقافية التي اعتبرها "متاهة ممتعة، ومغامرة ليلية جماعية"، ومارك كريبون المترجم وأستاذ الفلسفة بجامعة ليل الفرنسية، ومحمد الدكالي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس في الرباط . وركز الأستاذ الدكالي على "عداوة القناعات الراسخة للحقيقة وخطرها الأشد من الأكاذيب" حسب الألماني نيتشه، وضرورة التفريق بين القناعة والفلسفة، و"عجز كل أضواء الفلسفة عن الحد من العنف" حسب الفرنسي باسكال، وكون "الإنسان حيوانا سياسيا" حسب الإغريقي أرسطو، متسائلا عن ماهية الفيلسوف بصفته كائنا "ينشغل بالحقيقة" و"لكن بطريقته الخاصة"، أو من خلال "بورتريه للفيلسوف" حسب جيل دولوز. وتناول الدكالي بالتحليل بورتريه الفيلسوف من خلال نص مطول للفيلسوف الفرنسي الموسوعي سيزار كينو ديمارسي (1676-1756) من كتابه "الفيلسوف" (1730)، خاصة تأكيده على التمييز بين الفيلسوف والآخر من جهة وبين الفيلسوف والفيلسوف من جهة ثانية، وقدرته على التفريق بين إصدار الأحكام لدى وجود مبرراتها الكافية وسندها الصحيح وبين الحكم بمجرد الظن وإطلاق الكلام على عواهنه كما يفعل الإنسان العادي. وفي هذا السياق، أشار الدكالي إلى اقتناع الآخر "غير الفيلسوف" بأفكاره إلى درجة عدم تقبله أفكار الآخرين، وإقباله على العمومية والتقريبية، وتقديمه الأشياء على أنها حقائق، ولو أدت إلى كثير من المآسي والحروب، فيما لا يمكن للفيلسوف إلا أن يتحرى الحقيقة قبل الحكم على الأشياء وسبره أغوارها قبل إصدار أحكام تكون معقولة ومناسبة للمقام، باعتبار العقل الفلسفي يقوم على "الملاحظة والوضوح والدقة"، وهو ما لا يتقبله الآخرون عموما. ودائما في إطار بورتريه ديمارسي من خلال نصه الفلسفي، تحدث الدكالي عن اهتمام الفيلسوف بذاته ومجتمعه باعتباره موجودا في بيته ما دام موجودا في المدينة، ورغبته في التمتع بما تمنحه الطبيعة فيكون بالتالي شريفا، ومبتهجا غير متجهم، على غير ما يتصوره الغير عادة، ومفيدا يروق للآخرين، متسائلا عن نسبة الفلاسفة الذي ينطبق عليهم هذا البورتريه. وتتواصل "ليلة الفلاسفة" بمداخلات لمفكرين وأكاديميين مغاربة وأجانب من قبيل جليل بناني وعلي بنمخلوف ومحمد زين العابدين ومهدي عليوة وكنزة الصفريوي وعبد الله العلوي وجونوفييف فريس وفرنسيس وولف في محور "اللغات، والكلمات، والهويات"، وسليم عبد المجيد وعبدو الفيلالي الأنصاري وإدريس كسيكس ومحمد موهوب وناديا يالا كيسوكيدي وآن سوفانيارغ وجيروم فيراري في محور "نزاعات الذاكرة"، وأحمد التوفيق ومحمد موهوب وعادل حجي وبيار كاي ومارك دو لوناي في محور "الفلسفة والدين" وغيرهم. يشار إلى أن "ليلة الفلاسفة" ستنتقل غدا إلى مدينة الدارالبيضاء، بعد باريس وبرلين وأثينا، على أن تنتقل السنة القادمة إلى نيويورك .