حلقت الروح الطاهرة للراحل أحمد الزيدي مساء الأحد على الحفل التكريمي الذي اعتادت النقابة الوطنية للصحافة المغربية تنظيمه كل سنة اعترافا بالطاقات الصحفية المغربية في كل المجالات، الذكرى اكتست طابع الحداد ، حيث أجلت النقابة الحفل الفني إلى أجل أخر، وألغت كل مظاهر الاحتفال.. وأنتجت النقابة، بمعية رفاق الراحل في الإذاعة والتلفزيون، شريطا توثيقيا لمرحلة هامة من حياة الراحل كصحفي وعضو نادي الصحافة بالمغرب، وكسياسي كبير في الأخلاق والنضال.. كما استعرض الشريط محطات من العمل المهني للراحل ولقطة مؤثرة من حوار أجراه مع الشهيد ياسر عرفات، كما تطرق الشريط إلى دور الراحل الكبير كبرلماني ورئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب والدور الطلائعي الذي لعبه والحزب في المعارضة والمساندة وكذا، منافحا عن قيم الاتحاد ومواقفه، وتميز الحفل بكلمة النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي ألقاها أمينها العام يونس مجاهد، وخصصت الكلمة جزءها الأكبر للراحل احمد الزيدي، وجاء في الكلمة «تعودت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، على إحياء اليوم الوطني للإعلام، الذي يخلد لاعتماد المغرب، سنة 1958، ظهير الحريات العامة، وضمنه الظهير المتعلق بحرية الصحافة، فإننا نواصل الوفاء لهذا التقليد، الذي نبتغي من ورائه التأكيد أننا سنواصل، الى جانب كل القوى الحية في بلادنا، النضال من أجل حرية التعبير، وعلى رأسها حرية الصحافة والإعلام، ومن أجل احترام حقوق الإنسان و سيادة الدولة الحق والقانون«.» وأضاف مجاهد» لا يخفى عليكم، أن نقابتنا ولدت سنة 1963، في خضم هذا المخاض، الذي طبع سنوات ما بعد الاستقلال، وشكلت باستمرار أداة للنضال على واجهة الدفاع عن صحافة وطنية حرة وعن كرامة العاملين فيها«.» وأوضح أمين عام النقابة «إذا كان المغرب قطع أشواطا مهمة في مسيرته من أجل بناء الدولة الوطنية، فإن إشكالات حرية الصحافة والإعلام، وقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، مازالت مطروحة بقوة، رغم أن بلادنا تتوفر على إطار دستوري مقبول، يتضمن مبادئ، قد تكون في حالة تفعيلها، ايجابية لترسيخ الانتقال الديمقراطي». وأضاف»يمكننا اليوم أن نؤكد أن نقابتنا مازالت تتطلع إلى إصلاحات هيكلية شاملة، تهم كل المجالات، سواء تعلق الأمر بالإصلاحات القانونية، وفي الصحافة المكتوبة أو الاعلام المرئي والمسموع أو في وكالة المغرب العربي للأنباء، وغيرها من القوانين المؤطرة وذات الصلة، أو بكل ما يهم أوضاع العاملين على المستويات المهنية والاجتماعية والمادية. ونؤكد كذلك، أن تطوير الصحافة الإلكترونية لا يمكن ان يتم بدون دعمها والاهتمام بمشاكلها وبالأجيال الشابة العاملة فيها««. كما شدد على التطلع إلى إعطاء الأهمية القصوى للموارد البشرية، وذلك باعتماد آليات الحكامة الجيدة والعادلة داخل كل مؤسسات الصحافة والإعلام، والتخلي عن منطق الزبونية والمحسوبية الذي لم ينتج غير الرداءة«. لذلك نطالب بتشجيع الكفاءات وتوفير إطارات التكوين، وانشاء هياكل داخلية لهيئات التحرير، تسهر على احترام الاخلاقيات وعلى الاستقلالية والنزاهة والجودة. إننا نعتبر أن بناء صناعة وطنية، مزدهرة وراقية، في الصحافة والإعلام، لا يمكن ان يتم بمنطق التحكم والوصاية، بل بالالتزام بقواعد الشفافية والديمقراطية. وهذه مسؤولية الدولة، التي لايمكن أن تتخلى عنها، وتعتقد أن الضبط والهيمنة سيعفيها من مهمة توفر المغرب على أدوات إعلام جماهيرية واجتماعية قوية، تقوم بدورها في الإخبار وتنشيط كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية، وتشكل حصنا للدفاع عن المصالح الوطنية وفي استحضار لروح أحمد الزايدي الطاهرة، قال مجاهد» لقد دأبنا في إحياء اليوم الوطني للإعلام، أن ننظم حفلا فنيا، إلى جانب تكريم مجموعة من الوجوه الإعلامية، التي قدمت خدمة لا مثيل لها للوطن، على هذه الواجهة، غير أننا هذه السنة، أجلنا هذا التقليد، واكتفينا بحصة التكريم، لأننا مازلنا تحت صدمة الفاجعة، التي ألمت بنا جميعا في فقدان أخينا الراحل السي أحمد الزايدي، رحمه الله». « وأضاف «ونحن نحيي ذكرى ظهير الحريات العامة، لا يمكننا إلا أن نستحضر الدور الذي لعبه زميلنا المرحوم، في النضال من أجل حرية الصحافة والإعلام وكرامة الصحافيين وكل العاملين في هذا القطاع«.» وأكد أن »الراحل تيمز بالسعي الحثيث، من خلال عمله كصحافي متميز في القناة الاولى، إلى تقديم صورة جديدة عن العمل الإعلامي، بأداء جيد وإتقان وتفان في العمل، وكان ذلك بداية مسار لن يتوقف، من العطاء والمقاومة، في وقت كان فيه الإعلام مرتبطا بالداخلية. وفي هذا الإتجاه سار أخونا أحمد الزايدي، عندما بدأت المحاولات الأولى لانخراط العاملين في الإعلام العمومي، في العمل النقابي، داخل نقابتنا، حيث عمل بشكل دؤوب، إلى جانب زميلات وزملاء آخرين، على تشجيع الالتحاق بالنقابة، وكانت محطة تأسيس نادي الصحافة، مرحلة حاسمة في هذا التوجه«. وبخصوص عمل الراحل في نادي الصحافة أكد مجاهد «»لقد تأسس نادي الصحافة في إطار صراع بين عدة توجهات، أهمهما، قطبان كانا يتجاذبان توجهات متناقضة، حيث كان هناك من يريد أن يجعل من مشروع النادي بديلا للعمل النقابي، وفي مواجهته، وكان هناك بالمقابل من يسعى إلى إفشال هذا المخطط، وجعل النادي إطارا ديمقراطيا للإعلام، يتكامل مع العمل الذي تقوم به النقابة الوطنية للصحافة المغربية. وكان الفقيد من بين الذين تصدوا لمحاولات ضرب النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وحافظ على التوجه الأصيل لنادي الصحافة، وجعله داعما ومساندا للعمل النقابي، رغم كل الضغوطات التي تعرض لها. ومن بين الضغوطات والإغرءات، تلك التي قدمها لنا الوزير الأسبق في الداخلية، إدريس البصري، حيث استقبلنا كأعضاء المكتب التنفيذي لناي الصحافة، وعرض علينا بوضوح مكتسبات ومنافع لاتخطر على بال، بشرط أن يحارب النادي، النقابة التي كان كاتبها العام آنذاك، الأستاذ محمد اليازغي«.» ولم يكن الصراع سهلا، لكن أخونا الزايدي، رحمه الله رفقة البعض منا، رفض العرض ودخلنا في مواجهة قاسية مع السلطة. ولعب النادي كذلك دورا هاما في المناظرة الوطنية الإعلام، حيث شكلت المقترحات التي قدمها، في كل اللجان، الى جانب النقابة، العمود الفقري للتوصيات، التي مازلت الكثير منها صالحها إلى اليوم. ولا يمكن أن ننسى الانخراط القوي للمرحوم في كل النضالات، التي قادتها النقابة، من أجل إصلاح الإعلام العمومي، هذا الدور الذي واصله وهو نائبا، ورئيسا للفريق الاشتراكي بمجلس النواب، حيث كان صوتنا، مع نواب ومستشارين آخرين، كما كان مبادرا في عدة قضايا تتعلق بهذا الشأن، وداعما لنا أيضا في كل مطالب الإصلاحات القانونية والمؤسساتية. »وأضاف مجاهد «لم يقتصر دور أخينا، السي احمد الزايدي، على هذه المهمات الصعبة في الإطار الإعلامي، بل لقد ارتبط أيضا بالنضال الديمقراطي وبهموم الجماهير الشعبية و قضايا المجتمع، من خلال العمل في الجماعة التي كان يرأسها ومن خلال خوضه لمعارك انتخابية، من أبرزها تلك التي حصلت في دائرته ببوزنيقة، عندما تم تزوير الانتخابات سنة 1993، فنظمت الجماهير مسيرة حاشدة احتجاجا على التزوير، مما اضطر السلطة الى إعادة الانتخابات التي عاد فيها المقعد لصاحبه الحقيقي. فبالإضافة إلى التزوير، الذي كانت تعاني منه القوى الديمقراطية، فإن السلطة، آنذاك كانت تحاول منع الصحافيين، وخاصة العاملين في الإعلام العمومي من ممارسة الفعل السياسي والارتباط بالقوى الديمقراطية لذلك كانت المعركة شرسة، وشاركت فيها العديد من القوى في تلاحم كبير، مساندة لأخينا السي احمد الزيدي، وانتصارا للاختيار الديمقراطي. ذلك ما قدمه الراحل، كنموذج لارتباط الصحافي كمواطن، بقضايا شعبه، لأن الإعلام غير الملتزم بالديمقراطية وبمبادئ حقوق الإنسان، وبالمسؤولية الاجتماعية، وبالصحافة الأخلاقية، لا يستحق الانتماء لهذه المهنة. مسار الفقيد لا يمكن الإلمام به في مثل هذه المناسبة، لكننا نريد في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن نؤكد على وفائنا لرسالة وروح أخينا السي احمد الزايدي، الذي لا يمكن أن ننسى خصاله الإنسانية، وحفظه للود والصداقة، ولذلك، لا نستغرب لحجم المواساة والتعاطف ومشاعر الحزن والأسى التي تم التعبير عنها في فاجعة فقدانه. وإذا كان من رمزية ينبغي أن تطبع ما رافق توديع المرحوم، هو أن روابط التعاطف الأخوي والتضامن والتآزر، تتعالى على كل الاعتبارات الأخرى، مهما كانت قيمتها، لأن دروب الحياة وظروفها تتغير، والقناعات تتحول، لكن الثابت الذي لا ينبغي أن يتلاشى هو العلاقات الإنسانية، التي لابد أن تظل جوهر وجودنا. رحم الله أخانا الأستاذ والمناضل أحمد الزايدي، الذي حافظ باستمرار على هذا الجوهر وصانه، إلى آخر يوم في حياته. وبعد الكلمة المِؤثرة تم تكريم 27 من رجال ونساء الإعلام المغاربة الذين افنوا زهرة شبابهم خدمة للإعلام والصحافة والمجتمع وفيما يلي أسماء المكرمين.بهذه المناسبة بعدما تم تبادل كلمات الحب والعرفان للجميع.