على مدى أربعة أيام ، احتضنت الرباط في الفترة ما بين 12 و15 نونبر 2014 ، تظاهرتين ثقافيتين كبريين للاحتفاء بالثقافة المغربية وجذورها الإفريقية بمختلف تعبيراتها الإبداعية، وتثمين المنجز الثقافي الوطني في امتداداته الاقتصادية والإنسانية. وفي هذا الإطار، عقد بالمكتبة الوطنية بالرباط، يوم 12 نونبر ، حدث ثقافي هام تمثل في «الملتقى العام حول الثقافة بالمغرب»، بمبادرة من جمعية «جذور» (RACINE)، وبشراكة مع مركز «ميميتا» للثقافة والتنمية، والسفارة النرويجية بالمغرب، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وشركاء آخرين، لعرض توصيات جمعية «جذور» حول السياسة الثقافية بالمغرب، والتي تمخضت عن سنتين من العمل الميداني والبحثي. وتوخى المنظمون لهذه التظاهرة الوصول إلى بلورة وتفعيل خطة عمل وطنية للثقافة، وذلك اعتمادا على المقترحات المستوحاة من الدراسات القطاعية والتوصيات التي أفرزتها الملتقيات الموضوعاتية حول السياسة الثقافية بالمغرب مع المهنيين والحرفيين، والمسؤولين المؤسساتيين، وكافة المعنيين بالشأن الثقافي الوطني. في نفس السياق، ومابين 13 إلى 15 نونبر ، نظمت الندوة الدولية الرابعة حول «الاقتصاد الإبداعي بإفريقيا» بمشاركة 40 دولة إفريقية، و12 دولة أوروبية، و10 دول من أمريكا الشمالية واللاتينية، وآسيا. وسعت هذه التظاهرة، التي نظمتها الجمعية المغربية للثقافة والتنمية بالمغرب وإفريقيا «جذور» (RACINE)، الممثل الوطني للشبكة الثقافية الإفريقية (ARTERIAL NETWORK)، وبدعم من وزارة الثقافة، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، إلى البحث في السبل الكفيلة بإيجاد صيغ فعالة لاستثمار القدرات الإبداعية في تحقيق التنمية، واستغلال الإمكانيات التي تتيحها الصناعات الإبداعية الإفريقية لتحقيق إشعاع عالمي. وقد عرفت الندوة الدولية الرابعة، حضور أزيد من 300 شخص من مهنيي القطاع الثقافي والفني، وممثلين عن مؤسسات من القطاعين العام والخاص ومنظمات دولية، وفاعلين اقتصاديين، وباحثين وأكاديميين، لمناقشة ووضع استراتيجيات للنمو المستدام لقطاع ثقافي إفريقي حيوي، يكون قادرا على خلق الثروة ومناصب الشغل، ودراسة إمكانية خلق آفاق وفرص اقتصادية جديدة في مجالات الثقافة والفنون والتراث. ويعد تنظيم هذه التظاهرات الثقافية من هذا الحجم، فرصة «لسد الفراغ الحاصل على المستوى الإفريقي ويوضح الرؤية الثقافية والفنية في القارة، ويعزز مشاركة المهنيين ويحفز على حضور أكثر وزنا للمنتوج الإبداعي الإفريقي في المنتديات والمعارض العالمية»، هذا ما سيشكل «فرصة لتقوية إبداع وإنتاج وتصدير المنتوج الثقافي والفني، ومواكبة فنانينا ومبدعينا حتى يلجوا عالم الصناعات الثقافية والإبداعية بمواصفات مهنية» . وهدف «الملتقى العام حول الثقافة بالمغرب» إلى الجمع بين مجموعة من العناصر التي تم العمل عليها منذ سنتين ، قصد جرد و تشخيص وضعية الفنون والثقافة، من أجل تقديم توصيات لتأسيس سياسة ثقافية بالمغرب، تمكن من المضي قدما نحو طريق التنمية البشرية ، الاجتماعية و الاقتصادية. وخلصت وثيقة «نحو سياسة تضع الثقافة في قلب التنمية بالمغرب» ، التي وزعت على هامش الملتقى العام ، إلى أن حركية الإنتاج والتأليف في المغرب تظل ضعيفة مقارنة بعدد السكان، حيث لا تتجاوز الإصدارات 1000 كتاب في السنة بكل اللغات، في الوقت الذي تنتج إيران 30 ألف كتاب سنويا وفرنسا 60 ألف كتاب في السنة. وحسب الوثيقة المقدمة في «الملتقى العام حول الثقافة بالمغرب» ، فإن ضعف المبيعات يكشف عن حلقة مفرغة تدفع نحو بطء نشاط الكتابة والتأليف وتقليص السحب (حوالي ألف نسخة)، حيث إن سحب 1500 نسخة من كتاب واحد في المغرب يتطلب ما بين ثلاث وأربع سنوات ليتم بيعه، مقابل شهرين فقط في لبنان. الوثيقة سجلت من بين خلاصاتها ، كذلك، أنه ليس هناك ناشر في المغرب، وبيّنت أنه لا أحد في المغرب يقوم بدور الربط بين الناشر والكتبي من أجل التحضير لطرح الكتب في السوق وتحسين طريقة عرضها من خلال توعية الكتبي، إذ ثمة فقط بعض شركات التوزيع لكنها لا تقوم بأي عمل في مجال النشر. وفي موضوع المكتبات بيّنت الوثيقة أن هناك أقل من 750 مكتبة موزعة بشكل غير متكافئ على مجموع التراب المغربي بمعدل مكتبة لكل 42 ألف و600 فرد تقريبا، وحوالي 15 منها فقط هي التي تقوم بعملها بشكل مهني ولها القدرة على تقديم الاستشارة وتنظيم اللقاءات، وتتوفر على نظام معلوماتي وتقدم محتوى على الأنترنت. لهذا لا تتوفر الدارالبيضاء مثلا سوى على 190 مكتبة بمعدل مكتبة واحدة لكل 21 ألف فرد من ساكنة المدينة، وهو معدل ضعيف جدا بالنسبة لمدينة تضم أزيد من 4 ملايين نسمة. للإشارة، تفاصيل «الملتقى العام حول الثقافة بالمغرب» والندوة الدولية الرابعة حول «الاقتصاد الإبداعي بإفريقيا»، سننشر وقائعهما ب «الملحق الثقافي» ليوم غذ الجمعة.