في الدرس الافتتاحي أمام طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بسطات موضوع هذا الدرس الافتتاحي الذي أتشرف بإلقائه بهذه المؤسسة الجامعية المرموقة هو موضوع ذو راهنية ومركب الأبعاد وبالغ الأهمية يسائل الجميع ويستدعي فتح نقاش وطني واسع. يدور الحديث كثيرا منذ الآونة الأخيرة حول النموذج التنموي الجديد لبلادنا في ظل ما وصلت إليه من حجم الخصاص الاجتماعي ومتطلبات تحقيق العدالة الاجتماعية والتضامن المجالي. وقد وقف الخطاب السامي بمناسبة الذكرى 19 ليعد العرش على بعض الاختلالات والمعيقات الظرفية والموضوعية التي يواجهها الواقع الاجتماعي بغية تصحيحها والتجاوب المستمر مع مطالب المواطنين والتفاعل مع الأحداث بل واستباقها، عوض تركها تتزايد وتتفاقم، كما أكد عليه جلالة الملك بقوله : «إن الشأن الاجتماعي يحظى عندي باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان. فمنذ أن توليت العرش، وأنا دائم الإصغاء لنبض المجتمع وللانتظارات المشروعة للمواطنين، ودائم العمل والأمل، من أجل تحسين ظروفهم». هذا الإحساس العميق بأن خيار النموذج التنموي الجديد، يوحي ويدعو لفتح نقاش أفكار ورؤى لتوضيح معالم المسار الذي يؤدي إلى إنجاز مقاصد وأهداف التنمية بمفهومها الشامل والمستدام التي تتسع لمضمونين ملموسين متكاملين : – مضمون النمو المتمثل في الرفع من معدله السنوي ومؤشراته الكمية التي تحيل على نسب تزايد مخرجات وأحجام الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والاستثمار المراكمة للثروة الوطنية وتثمين مستويات الدخول وعائدات ثمار الإنتاج الوطني؛ – مضمون التنمية الشاملة والمستدامة بشقيها المتمثلين في النمو كمعطى كمي وتوزيع ثمار النمو باعتباره الوجه النوعي للتنمية، وهو ما يعطي للتنمية أبعادها التوزيعية الاجتماعية والبشرية فوق بعدها الاقتصادي. إن التنمية مسلسل دائم ومستمر وتراكمي ينشد خلق الثروات والمؤهلات الاقتصادية المدرة للدخول والمؤمنة لفرص الشغل والإدماج الاقتصادي والاجتماعي للفئات العمرية البالغة سن التشغيل والوافدة على سوق الشغل. وطالما أن النموذج التنموي لا يستجيب لهذه الحاجيات والانتظارات المجتمعية في مرحلة من مراحل التطور الاقتصادي، فهو يكون قاصدا في تصوره وناقصا في أدائه وكفاءته ومحدودا في نجاعته. فالنموذج التنموي الصالح والناجح هو الذي يستنبط صحته وعافيته من قدرته على الاستخدام الأمثل والأنجع للموارد المادية والبشرية المتاحة والمتوفرة في المجتمع وتعبئتها في مجهود التنمية المتوازنة والخلاقة. سيتمحور هذا الدرس حول محورين أساسيين للبحث والتفكير: المحور الأول: واقع الحال للاقتصاد الوطني وحتمية تجديد النموذج التنموي: على ضوء المعطيات الاقتصادية والإحصائية للأشهر الستة الأولى من سنة 2018، يسير الاقتصاد الوطني بوتيرة بطيئة، عكس ما توقعته السنة المنصرمة الدوائر الرسمية وغير الرسمية، على الرغم من أن مؤشرات تفيد بإمكانية نمو طفيف لمعدل التضخم خلال الفصلين الثاني والثالث للسنة الجارية 2018. ويستفاد من هذا المنحى للاقتصاد الوطني أن معدل النمو سيعرف عند نهاية السنة انخفاضا مقارنة بالسنة الماضية 2017، حيث سيستقر عند 5،3 % عند متم دجنبر 2018 وعند 1،3 %.في أواخر دجنبر 2019، فيما بلغ 1،4 % نهاية سنة 2017. وأكد مصدر موثوق به أن نمو الاقتصاد الوطني اتسم بنوع من الهشاشة، مادام معتمدا على التساقطات المطرية التي تنعش القطاعات الفلاحية والقطاعات الثانوية المرتبطة بها، وطالما أنه يعتمد بالأساس على الطلب الداخلي المرتبط أساسا بالاستهلاك السنوي للأسر، ولا يعتمد على التصنيع بالقدر الذي يعتمد على الاستهلاك المرتبط بالاستيراد في جل المواد الاستهلاكية وفي مقدمتها المواد الطاقية. وقد أبرزت آخر معطيات الحسابات الوطنية للفصل الأول من سنة 2018 تباطؤ النمو على أساس سنوي من 3,5 % إلى 2،3 % ، مع تراجع القيمة المضافة الفلاحية من 8،14 % إلى 5،2 % وتحسن وتيرة الأنشطة غير الفلاحية من 2 % إلى 4،3% . ومن المتوقع أن تستمر هذه التوجهات على المدى المتوسط، حيث سيتراجع النمو الوطني، حسب توقعات بنك المغرب من 1،4% في 2017 إلى 5،3 % في 2018 و 1،3 % في 2019، باعتماد فرضية تسجيل موسم فلاحي عادي مشيرا إلى أنه في المقابل، يرتقب أن تواصل وتيرة الأنشطة غير الفلاحية انتعاشها بنمو تقدر نسبته في 3،3 % في سنة 2018 و 7،3 % في سنة 2019. وإذا كان الإجماع على أن محاصيل المواسم الفلاحية هي قوام الاقتصاد الوطني ومعدلات نموه، فإن الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط تثبت وتؤكد أن المنحى التصاعدي لاستهلاك الأسر يبقى من أسس هذا النمو الذي يتأرجح في خط مساره بين الارتفاع والانخفاض. وفي آخر تقاريره حول الوضعية الاجتماعية والاقتصادية الخاص بسنة 2017 والصادر في شهر شتنبر من هذه السنة، كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني عاجزة عن توفير الإدماج الاقتصادي لفئات عريضة من المواطنين من خلال قراءة عدد من المؤشرات المتعلقة بالتشغيل. وهكذا، فإن 9،41 % فحسب من السكان البالغين سن العمل يتوفرون على شغل في سنة 2017. وبالإضافة إلى ذلك، بلغ معدل البطالة 2،10 % في نهاية سنة 2017 مقابل 9،9 % في 2016، بحيث أن 2،10 % من السكان النشيطين يوجدون في وضعية بطالة وهي بطالة طويلة الأمد بالنسبة لفئة كبيرة منهم، في حين أن أكثر من نصف السكان في سن التشغيل والعمل غير نشيطين (3،53 % في سنة 2017)، ولا سيما في صفوف النساء. وأخيرا، تسجل نسبة مرتفعة من الذين يفلتون من البطالة ودونية النشاط، تلجأ للعمل في القطاع غير المهيكل وغير المنظم في ظل ظروف عمل غير مستقرة (3،36 % من مناصب الشغل غير الفلاحية) أو الشغل الناقص أو الهش أو الهجرة للخارج. هذه الوضعية تقتضي بالضرورة العمل على تقوية القدرات الإدماجية والاستيعابية للاقتصاد الوطني، بما فيها النهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كما هو الحال في العديد من البلدان المتقدمة. فعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، يساهم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بنسبة 6,53 %من الشغل المؤدى عنه، وهي نسبة تتراوح بين 9 و10 % في فرنسا، وتبلغ 3،10 % في بلجيكا و 7،9 % في إيطاليا و 7 %في إسبانيا. وقد بادر المغرب إلى تطوير قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من خلال اعتماد استراتيجية وطنية للنهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني 2010-2020. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في إطار هذه الاستراتيجية الواعدة، وعلى بعد عامين من حلول أجلها، فإن النتائج المحققة لا ترقى إلى مستوى الأهداف المسطرة، بالنظر إلى أن مساهمة هذا القطاع حاليا في الناتج الداخلي الخام لا تتجاوز 2 %، عوض 9،3 % المحددة كهدف في أفق سنة 2020، كما يشغل القطاع الفرعي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني نحو 5 % من السكان النشيطين، عوض نسبة 5،7 % التي استهدفتها الاستراتيجية الوطنية للنهوض 2010 – 2020. وفضلا عن ذلك، تؤكد نتائج القطاع الفرعي أن أثاره وانعكاساته الفعلية على إدماج حاملي الشهادات العليا وعلى النساء لاتزال دون الكفاية ودون مستوى الإمكانات التي يتيحها، حيث لا يشغل سوى 2 % من الخريجين، فيما 5،14 % فحسب من التعاونيات هي تعاونيات نسوية. وإجمالا، فالاقتصاد الوطني لا يزال يعاني من العديد من أوجه القصور البنيوية التي ينبغي معالجتها. وكما سجل التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن دينامية الاقتصاد الوطني فقدت خلال السنوات السبع الأخيرة، زخمها، على اعتبار أنها لم تستطع الحفاظ على مستوى مرتفع من النمو، وهي وضعية تطرح، حسب التقرير، جملة من التساؤلات والاستفهامات حول نموذج النمو الحالي الذي لا يزال يعاني من أوجه القصور التي تعيق قدرته على خلق الثروة والتوزيع العادل لثمارها. ومن بين أسباب هذا العجز البنيوي، الازدواجية البنيوية التي تطبع الاقتصاد الوطني والتي تتجاوز في إطارها بعض فروع الانتاج العصرية المتسمة بالدينامية والمندمجة في سلاسل القيمة العالمية من جانب، وفروع ذات قيمة مضافة ضعيفة ومحدودة وكذا أنشطة الاقتصاد غير المهيكل وغير المنظم من جانب آخر. إن محدودية نموذج النمو الحالي تتجلى أيضا على مستوى الاستثمار والذي يتسم بضعف الفعالية والنجاعة، اقتصاديا واجتماعيا، رغم استمرار تسجيله لمستويات مرتفعة (حيث بلغ المعامل الحد لإنتاجية رأس المال le taux marginal de productivité du capital : 8,5) وهو وضع يقتضي ضرورة الانكباب على النهوض بالاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة وتلك التي لها قدرة أكبر على توليد الآثار التبعية غير المباشرة على مستوى باقي فروع الاقتصاد الوطني. وعلى مستوى الاستقرار الماكرواقتصادي، اتسمت سنة 2017 باستمرار جهود تحسين توازنات المالية العمومية، وتجلى ذلك بوجه خاص في انخفاض عجز الميزانية إذ بلغ 6،3 % من الناتج الداخلي الخام، كما سجل تباطؤ وتيرة تنامي مديونية الخزينة التي بلغت 1،65 % من الناتج الداخلي الخام، وفي المقابل فإن مستوى الدين العمومي الإجمالي ظل مرتفعا، حيث وصل إلى 82 % من الناتج الداخلي الخام، مما يستدعي التحلي بمزيد من اليقظة . وأخيرا، فإن نموذج النمو الوطني الحالي أضحى أقل إدماجا من خلال التشغيل، سيما أن نسبة كبيرة من المناصب المحدثة تتصل بوظائف تتطلب مؤهلات بسيطة وبوظائف غير مستقرة، وبالتالي لا يمكنها أن تشكل رافعة حقيقية للارتقاء الاجتماعي l'ascensseur social. المحور الثاني: أي نموذج تنموي جديد في مستوى المرجعية يجيب عن أسئلة الواقع ويرسخ منظومة القيم الوطنية والمواطنة: ويظل السؤال الحارق والآني : أي نموذج تنموي جديد يجيب عن أسئلة الواقع الاقتصادي والاجتماعي ويرسخ منظومة القيم الوطنية والمواطنة، هو من الأهمية والجدة ما لا يسمح بتركه على الغارب، يستوجب الإرادة السياسية والنقاش الصريح والواعي والتوافقات بين أطياف المجتمع وقواه الحية والفاعلة بوضع الآليات والمنهجيات الكفيلة بتصحيح مسار التنمية وتثمين مرتكزاته. هذا التوجه الوطني حملته الرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك نصره لله إلى المنتدى البرلماني الثالث للعدالة الاجتماعية، والتي أكد فيها بوضوح وجلاء» أن إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي هي قضية كل المغاربة وكافة القوى الحية للأمة، أفرادا ومؤسسات، أحزابا ونقابات،ومجتمعا مدنيا وهيئات مهنية. والمغرب ولله الحمد، بتوفر على كفاءات عالية ويتميز بنضج وقوة مؤسساته، مما يتيح لنا الإقدام على حوار بناء ورصين بكل جرأة ومسؤولية، حول النموذج التنموي الذي يرتضيه كل المغاربة». انتهى المقتطف من الرسالة الملكية السامية. إن أي نموذج تنموي جديد يتحمل فيه الجميع مسؤولية نجاحه وإنجاحه ويقتضي وضعه في منظومة إصلاحات بنيوية هيكلية» وعلى مراحل وفي سياقات ترصد الحاجيات الحقيقية للمجتمع والمعبر عنها ضمن استقراء الواقع وتحليله وتحديد الأهداف والتوجهات، وترتيب الأولويات والأسبقيات وتأصيل قيم الالتزام والتعبئة وروح التطوع والتضامن والتضحية والمسؤولية وخدمة الصالح العام وربط الحقوق بالواجبات. فالنموذج التنموي الذي نطمح لتحقيقه لا ينحصر في سن السياسات العمومية التي تعتمدها الدولة وتبلورها في برامج تنموية وطنية أو مجالية وقطاعية من قبيل المخطط الأخضر والمخطط الأزرق في قطاع السياحة ومخطط التسريع الصناعي وغيرها. وقد أبانت التجربة أن تعدد وتراكم البرامج والمشاريع والمبادرات التنموية على أهميتها وجدواها الاقتصادية، إلا أنها تقتضي وتستوجب الالتقائية فيما بينها تحقيقا للتناسق والانسجام في الأهداف وفي وسائل التفعيل والتنفيذ ومراعاة حسن التدبير والحكامة الجيدة.ومن ثم، فإن النموذج التنموي الجديد في تصوره ومنظوره ورؤيته، ينبغي أن يرقى إلى مستوى الاشتغال على قضايا الإنسان والشباب على وجه الخصوص ومدى وعيه الفكري وإدراكه الموضوعي لماهية النموذج التنموي وآفاقه وأبعاده، والاقتناع الجمعي بوجاهته وصوابه. إن كل مشروع تنموي جديد يصدر عن مطالب المجتمع وتطلعاته وآماله، يستقيم لتوازي هذه المداخلات وتكاملها وتبيئتها.فما لم يتم إدماج هذا المجتمع بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية والعمرية و السوسيو-ثقافية في المشروع أو النموذج التنموي الجديد كما نصت عليه الرسالة الملكية التي شدد فيها جلالته على ضرورة «وضع مسألة الشباب في صلب النموذج التنموي المنشود، والتفكير في أنجع السبل من أجل النهوض بأحوال شبابنا، باعتبارهم الرأسمال الحقيقي لبلادنا، وثروته التي لا تنضب» مقتطف من النطق السامي. فالشباب، هو الرأسمال البشري الحقيقي والثروة النوعية للوطن. فهو قوة الحاضر ورهان المستقبل وأمله لإحقاق الصعود المنشود والسمو بالمدلول الوطني النبيل للحوار الوطني، حول النموذج التنموي المنشود والانخراط في الشأن العام، محليا وجهويا ووطنيا وارتياد مجال المقاولة المواطنة والعمل المنتج والمدر للدخل وللثروة، بمنأى عن الاتكالية المقيتة والفردانية الأنانية للانصهار في ضمير جمعي يسهم في بناء مجتمع المواطنة وإحقاق مبدإ المواطنة الدستورية ومن مداخل ومقومات الخصوصية المغربية والهوية الوطنية الإيمان بالمشترك الديني والروحي التاريخي والقيمي والوطني والمجتمعي، والتحلي بروح الوطنية الحقة والصادقة والمواطنة الملتزمة والمسؤولية والتشبث بقيمنا الدينية والوطنية الراسخة. فالوطنية الصادقة والمواطنة المسؤولة، تعنيان منظومة من القيم والمثل العليا والنواظم التي تجمع بين البعدين المحلي والكوني وصمام الأمان في الحفاظ على الهوية الوطنية والخصوصية التربوية والثقافية، بشكل يضمن الارتباط الذاتي والحضاري للمواطن بجغرافيا وبمجال محدد من خلال «الانتماء» و«الحقوق» و«الواجبات» و«المشاركة».فالوطنية والمواطنة كقيمتين إنسانيتين لا ماديتين، تؤسسان لانفتاح المواطن وإعداده وتأهيله، ليكون ذلك «المواطن العالمي» من خلال تشبعه بمفاهيم وقيم كونية مثل «الحرية» و«الديمقراطية» و«التنوع» و«الاختلاف» و«السلام» و«حقوق الإنسان» و«المسؤولية العالمية المشتركة» و»المجتمع الدولي» والحوار بين الديانات والحضارات والثقافة» و«التسامح» و»التساكن» و»المحبة». فالتربية على قيم الوطنية والمواطنة تنشد استشعار الفرد والجماعة بمحبة الوطن وبالاعتزاز بالانتماء إليه، باعتباره عضوا فيه، منشغلا ومهموما بقضاياه وعلى وعي وإدراك بمشكلاته ورهاناته، وملتزما بالمعايير والقيم والمثل السامية التي تعلي من شأنه وتنهض به، ولا يتخلى عنه حتى وإن اشتدت الأزمات وعائدات الدهر ونوائبه. فالتربية على المواطنة الصحيحة والإيجابية لن تتأتى إلا بتحمل كل الفاعلين، مواطنين ومؤسسات،دولة ومجتمعا، أفرادا وجماعات، مسؤولياتهم التاريخية تجاه وطنهم ومواطنيهم بدءا من البيت العائلي ورياض الأطفال والمدارس والإعداديات والثانويات وانتهاء بالمدارس العليا والكليات والجامعات. إن الاضطلاع بالمسؤولية والنهوض بها يجعل المواطن الصالح والواعي يعتنق اعتناق المؤمن لعقيدته قضايا وهموم وطنه ويحمل الغيرة الوطنية على مقوماته ومقدساته وثوابته، ويجسد أروع صور الانصهار في الوطن، أو لنقل بلغة أهل التصوف «الحلول»أي أن يحل الوطن في قلب المواطن، وأن يحل المواطن في ثنايا الوطن. إنه التزام أخلاقي وروحي تجاه الوطن الذي ليس له حدود جغرافية وأرقام بالكيلومترات المربعة. إنه أكبر من ذلك بكثير. فالوطن هو صيغة الجمع ورمزية التاريخ وصيرورة الحاضر وآمال وتطلعات المستقبل. هو نحن عندما نتحمل الأمانة ولا نتحلل منها أو نخل بها ونتقلد المسؤولية ولا ندعها ونلتزم بالقانون ولا نخرقه ونربط الحقوق بالواجبات والالتزامات. ولا نجعل من أجواء الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان مطية للتسيب والترهل والفوضى ولا نجعل من قيم التضامن والتآزر والتكافل الاجتماعي مدعاة أو موجبا للتواكل والانتهازية والأنانية. إنها وغيرها منظومة القيم الوطنية والمواطنة بحمولتها التي يجب أن تتربى عليها وتتشبع بها الناشئة والشباب والأجيال الجديدة والمتعاقبة جيلا عن جيل، لتربية وبناء جيل واع ومسؤول ووطني ومواطن، قادر على مواجهة التحديات لبناء وإعلاء صروح الوطن -المغرب -حاضرا ومستقبلا ومؤهل لكسب رهانات التنمية الشاملة والمستدامة والمندمجة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية. وفي مثل ذلك، فليعمل العاملون. وفي مثل ذلك، فيتنافس المتنافسون. وما ذلك علينا بعزيز، (وقل اعملوا فسيرى لله عملكم ورسوله والمؤمنون). صدق لله العظيم.