23 سبتمبر, 2018 - 02:05:00 أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تقريره السنوي حول الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية بالمغرب خلال سنة 2017. ونبه التقرير الى المخاطر التي تهدد الاقتصاد المغربي، والتي تتجلى في ارتفاع المديونية التي تهدد استدامة ميزانية الدولة، كما كشف محدودية برامج التنمية المحلية، مما ادى الى تنامي الاحتجاجات (جرادة)، وكذا التناقض في معدل النمو الاقتصادي والتراجع في الاستثمار وتنامي إفلاس المقاولات ومحدودية الصادرات المغربية. النمو والاستثمار وجاء في التقرير ان النمو الاقتصادي سجل انتعاشا، حيث ارتفع نمو الناتج الداخلي الخام من 1.1 في المائة في سنة 2016 إلى 1.4 في المائة في 2017 . ويعزى هذا التحسن، حسب التقرير، بشكل خاص، إلى الانعكاس الإيجابي للموسم الفلاحي الجيد. فقد ارتفعت القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 15.4 في المائة سنة 2017، بعدما كانت قد انخفضت بنسبة13.7 في المائة في السنة الماضية، فيما ظل نمو القيمة المضافة غير الفلاحية متواضعا، رغم ما سجله من ارتفاع، إذ انتقل من 2.2 في المائة إلى 2.7 في المائة ما بين سنتي 2016 و2017. ونبه التقرير إلى انه بغض النظر عن هذا التحسن، الذي يبقى ظرفيا بالأساس، يلاحظ أن دينامية الاقتصاد الوطني فقدت خلال السنوات السبع الأخيرة زخمها، على اعتبار أنها لم تستطع الحفاظ على مستوى مرتفع من النمو. وجاء في التقرير ان هذه الوضعية تطرح جملة من التساؤلات بخصوص نموذج النمو الحالي الذي لا يزال يعاني من العديد من أوجه القصور التي تعيق قدرته على خلق الثروة. ومن بين أسباب هذا العجز، يوضح التقرير، الازدواجية البنيوية التي تطبع الاقتصاد الوطني والتي تتجاور في إطارها بعض الفروع العصرية المتسمة بالدينامية والمندمجة في سلاسل القيمة العالمية من جهة، وفروع ذات قيمة مضافة ضعيفة وكذا أنشطة الاقتصاد غير المنظم من جهة أخرى. وأضاف التقرير، ان محدودية نموذج النمو الحالي تتجلى أيضا على مستوى الاستثمار، والذي يتسم بضعف الفعالية رغم استمرار تسجيله لمستويات مرتفعة (حيث يبلغ المعامل الحدي لإنتاجية رأس المال ICOR-5.8 ، وهو وضع يقتضي ضرورة الانكباب على النهوض بالاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة أعلى وتلك التي لها قدرة أكبر على توليد الآثار التبعية غير المباشرة على مستوى باقي فروع الاقتصاد الوطني. ودعا المجلس في تقريره إلى إحداث هيئة مستقلة تناط بها مهام التتبع والتقييم القبلي والبعدي للسياسات والاستثمارات العمومية. المبادلات التجارية وبخصوص المبادلات الخارجية، افاد التقرير ان اتسمت خلال سنة 2017 بارتفاع عام في حجم الصادرات، مع تفاقم طفيف للعجز التجاري (188.8 مليار درهم). وقد عرفت أغلب المهن العالمية للمغرب دينامية مهمة، خاصة قطاع السيارات. لكن، هناك قطاعات أخرى كالإلكترونيك وصناعة الأدوية تجد صعوبة في بلوغ الحجم الذي يمكنها من المساهمة بشكل قوي في تحسين رصيد الميزان التجاري. مسجلا التقرير، أنه بالرغم من مختلف التدابير المتخذة لتحفيز الصادرات، فإن مساهمة المبادلات الخارجية في نمو الناتج الداخلي الخام تبقى مساهمة محدودة، وإن كانت قد شهدت تحسنا طفيفا جدا خلال سنة 2017 . ويعكس هذا الوضع حسب التقرير، ضعف توجه المقاولات المغربية نحو التصدير، لاسيما المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، حيث قامت 6324 مقاولة فقط بمعاملات تجارية في مجال التصدير خلال سنة 2017. وبخصوص بنية الصادرات المغربية حسب المنتوج، أشار التقرير إلى أنه تم إحراز تقدم على مستوى المحتوى التكنولوجي للصادرات، حيث تحسنت حصة المنتجات ذات المحتوى التكنولوجي المتوسط من مجموع صادرات المملكة. ونبه التقرير إلى ان الصادرات المغربية تظل موجهة على العموم نحو مناطق جغرافية ذات معدل نمو اقتصادي ضعيف، إذ لا تشكل الصادرات الموجهة نحو بلدان ذات معدل نمو اقتصادي يفوق 4.5 في المائة سوى 12.4 في المائة من مجموع صادرات المملكة. وشدد المجلس في تقريره على ضرورة تسريع جهود تنويع وجهات الصادرات المغربية، عبر استهداف شركاء أكثر دينامية ويتوفرون في الوقت نفسه على أسواق ذات جاذبية مهمة من حيث حجمها. وبالإضافة إلى ذلك، يقتضي النهوض بالصادرات العمل بشكل خاص على تحسين جودة منتجاتنا وتنافسيتها غير السعرية، مع العمل على ملاءمة أفضل للعرض الذي نقدمه مع حاجيات كل سوق مستهدف وخصوصياته. وفي ما يتعلق بالمبادلات التجارية بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، اشار التقرير ان حصة هذه البلدان من مجموع المبادلات التجارية للمملكة لا تزال ضعيفة، غير أنها تتخذ منحى تصاعديا بوتيرة شبه متواصلة منذ سنة 2013، لتبلغ 3 في المائة سنة 2017 . ومن أجل النهوض بالمبادلات التجارية بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، دعا التقرير الى مضاعفة الجهود بغية التقليص المتبادل للحواجز الجمركية بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، والتي يظل حجمها مرتفعا جدا، وكذا الى تعزيز الترابط اللوجيستيكي بين المغرب والشركاء الأفارقة، وضمان جودته، بالاضافة الى تسريع جهود تطوير بنية صادرات المغرب، من أجل الرفع من مستوى التكامل التجاري بين الصادرات المغربية وبين حاجيات بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من الواردات. تراجع في مناخ الأعمال أما في ما يتعلق بمناخ الأعمال خلال سنة 2017 ،فقد سجل التقرير تراجع المغرب برتبة واحدة في تصنيف مؤشر التنافسية الذي يعتمده المنتدى الاقتصادي العالمي (الرتبة 71 )، وفي تصنيف مؤشر ممارسة الأعمال (Business Doing) (الرتبة 69)، موضحا أنه ثمة خمسة عوامل تشكل العراقيل الرئيسية التي تحول دون تحسين مناخ الأعمال بالمغرب، ألا وهي : الفساد، ضعف نجاعة الإدارة العمومية، الحصول على التمويل، النظام الضريبي، بالإضافة إلى التعليم غير الملائم لحاجيات سوق الشغل. وتنضاف إلى هذه العراقيل حسب التقرير، إشكالية تمديد آجال الأداء، حيث واصلت منحاها التصاعدي لتبلغ 99 يوما في المتوسط سنة 2017 ، في وقت لم يتم فيه بعد نشر النصوص التطبيقية للقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بآجال الأداء المعتمد في سنة 2016 . وأورد التقرير، ان خلال سنة 2017 تراجعت وتيرة إحداث المقاولات، مسجلة 2.5 في المائة مقابل 3.8 في المائة خلال السنة المنصرمة، فيما لا تزال المقاولات حديثة النشأة تواجه صعوبات في البقاء، حيث ان 37 في المائة من المقاولات التي تم التشطيب عليها خلال سنة 2017 يقل عمرها عن خمس سنوات وحوالي 69 في المائة منها يقل عمرها عن عشر سنوات. وأضاف التقرير ان استمرار هذه العوامل المعرقلة يضع مسألة فعالية الإصلاحات المتعددة التي تم إنجازها إلى حد الآن موضع التساؤل، كما أنه يكشف عن البطء المسجل في تنفيذ سياسات النهوض بمناخ الأعمال وتحسين أداء المرفق العام. من جهة أخرى، أشار التقرير ان أداء المغرب في مجال الابتكار يظل أداء متواضعا، وهو ما يتجلى في المراتب التي يحتلها في التصنيفات العالمية، وكذا في ضعف عدد طلبات تسجيل براءات الاختراع المودعة من لدن المواطنين المغاربة.مشيرا إلى أن الابتكار والتطور التقني لا يشكلان مكونين أساسيين في نموذج النمو القائم حاليا، في ظل محدودية نجاعة السياسات العمومية الرامية إلى النهوض بالابتكار والبحث والتطوير. ودعا المجلس الى الانكباب بشكل خاص على حكامة منظومة الابتكار، والولوج إلى أنماط تمويل ملائمة، والاستثمار الأمثل للفرص التي يمكن أن تتأتى من بناء شراكات بين منظومة التعليم العالي والبحث والقطاع الخاص. تباطؤ تمويل الاقتصاد افاد التقرير انه بالنسبة لتمويل الاقتصاد، شهدت وتيرة تطور القروض البنكية تباطؤا خلال سنة 2017 ، وذلك على الرغم من ارتفاع القروض المقدمة للمقاولات الخاصة. واشار إلى انه رغم ان المؤشرات المتعلقة بأداء المنظومة البنكية قد ظلت جيدة على العموم، إلى أن نسبة القروض معلقة الأداء من إجمالي القروض شهدت ارتفاعا طفيفا خلال هذه السنة، بالإضافة إلى استمرار تنامي ظاهرة التركيز في القطاع البنكي. وأضاف أن انفتاح الأبناك المغربية على باقي بلدان إفريقيا يستدعى التحلي بالمزيد من اليقظة من أجل تتبع الأخطار المرتبطة بنشاطها داخل القارة، سيما مسألة قدرة الزبناء على الوفاء بالالتزامات المالية (الملاءة)، نظرا لهشاشة الطبقة الوسطى بإفريقيا. وجاء في التقرير ان سنة 2017 تميزت أيضا باعتماد المالية التشاركية بشكل رسمي في المغرب وتعد هذه الخطوة ثمرة مسلسل طويل لملاءمة الإطار القانوني، سيما في إطار القانون البنكي، ومن خلال مختلف التدابير الهادفة إلى تقليص حجم الإكراهات الضريبية. لكن، إذا كانت هذه المنتجات المالية تحبل بالعديد من الفرص، فإن المجلس يثير الانتباه إلى وجود جملة من التحديات التي يتعين رفعها من أجل توفير كافة الشروط الكفيلة بإنجاح هذه التجربة في المغرب. قدرة الاقتصاد على مقاومة الصدمات وفي ما يتعلق بقدرة الاقتصاد على مقاومة الصدمات، جاء في التقرير ان المنجزات المحققة خلال هذه السنة متباينة. فعلى مستوى الاستقرار الماكرواقتصادي، اتسمت سنة 2017 على العموم باستمرار جهود تحسين توازنات المالية العمومية. وتجلى ذلك بشكل خاص في انخفاض عجز الميزانية، إذ بلغ 3.6- في المائة من الناتج الداخلي الخام، بالإضافة إلى تباطؤ وتيرة تنامي مديونية الخزينة التي بلغت 65.1 المائة من الناتج الداخلي الخام. في المقابل، ظل مستوى الدين العمومي الإجمالي مرتفعا، حيث وصل إلى 82 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مما يقتضي التحلي بالمزيد من اليقظة لتفادي المس باستدامة ميزانية الدولة وقدرتها على مقاومة الصدمات على المستوى الماكرواقتصادي. وبخصوص التوازنات الخارجية، افاد التقرير ان سنة 2017 شهدت تراجعا في نسبة عجز الحساب الجاري إذ بلغت 3.6 ِ في المائة من الناتج الداخلي الخام، عوض 4.2في المائة. ورغم ما عرفه من انخفاض، فإن استمرار رصيد الحساب الجاري في مستويات سلبية منذ سنة 2007 ، يؤثر سلبا على قدرة الاقتصاد المغربي على مقاومة الصدمات، كما يكشف عن عدم توازن بنيوي بين الادخار والاستثمار بالمغرب. ودائما على المستوى الماكرواقتصادي، تميزت حسب التقرير، سنة 2017 بتسارع وتيرة الاستعدادات من أجل سعر صرف أكثر مرونة. وقد شرع في هذا الانتقال مع بداية سنة 2018 . غير أن التحول إلى نظام صرف أكثر مرونة يقتضي اتخاذ تدابير للمواكبة ويتطلب درجة أكبر من الحذر والتفاعل في ما يتعلق بتتبع وتدبير المخاطر المحتملة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. محدودية نماذج التنمية وبخصوص قدرة المجاالت الترابية على مقاومة الصدمات الاقتصادية، جاء في التقرير ان الاحتجاجات التي شهدتها بعض أقاليم المملكة هذه السنة كجرادة، والتي كان من بين أسبابها نقص فرص الشغل ِاللائق وموارد الدخل المستقرة، كشفت محدودية نماذج التنمية القائمة في بعض المجالات الترابية والمعتمدة على مورد طبيعي واحد أو التي تتوفر على بنية إنتاجية غير متنوعة بالقدر الكافي، مما يقتضي بلورة استراتيجية حقيقية لتنويع الأنشطة القطاعية وفرص الشغل في هذه المناطق، مع الحرص على تثمين الموارد والإمكانيات المحلية. وشدد التقرير على ضرورة أن تعمل برامج التنمية الجهوية (PDR)على أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار، نظرا لما يكتسيه من أهمية بالغة في استدامة المجالات الترابية، كما ينبغي العمل على ضمان إشراك فعلي لجميع الأطراف المعنية في مراحل التصميم والتنفيذ والتقييم. بطالة الشباب تتفاقم وفي ما يخص الجوانب المتعلقة بالإدماج الاقتصادي، جاء في التقرير ان سوق الشغل تمكن خلال سنة 2017 من إحداث 000 86 منصب شغل صاف، عوض فقدان 000 37 منصب شغل في السنة الفارطة.مشيرا الى ان القطاعات الرئيسية الأخرى أحدثت عددا أقل مقارنة بسنة 2016 . وشدد التقرير على أن نموذج النمو الوطني أضحى أقل إدماجا من خلال التشغيل، سيما أن نسبة كبيرة من المناصب المحدثة تتعلق بوظائف تتطلب مؤهلات بسيطة وبوظائف غير مستقرة، وبالتالي لا يمكنها أن تشكل رافعة حقيقية للارتقاء الاجتماعي. وفي هذا السياق، بلغ معدل البطالة 10.2 في المائة في نهاية سنة 2017 عوض 9.9 في المائة في 2016 ، وذلك رغم تراجع معدل النشاط. من جهة أخرى، لا يزال الشباب يعانون من صعوبات كبيرة في الحصول على منصب شغل، حيث يتجاوز معدل البطالة في صفوفهم معدل البطالة على الصعيد الوطني ب 6.2 مرة. كما يفوق معدل بطالة الشباب 40 في المائة في الوسط الحضري. وتُحيل هذه الوضعية وفق التقرير، على التأثير المحدود لمختلف برامج إدماج الشباب، كما تُبرز ضرورة اعتماد رؤية شمولية ومندمجة على المدى الطويل في مجال تشغيل الشباب. وأضاف التقرير ان ضعف خلق المقاولة يساهم في تقليص فرص الشغل المتاحة أمام الشباب فبسبب مختلف المعيقات التي يواجُهها الشباب حاملو المشاريع، يظل معدل إحداث المقاولات بالمغرب في مستويات محدودة، علما ان نسبة الاشخاص الذين يطلع عليهم «المقاولين بحكم الضرورة»، لأنهم اختاروا المبادرة الحرة كملاذ أخير في ظل غياب فرص شغل مأجور، تبقى بدورها نسبة مرتفعة في المغرب. الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أما بخصوص الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والذي غالبا ما يتم تقديمه كأحد الحلول التي من شأنها أن تساهم في الرفع من قدرة الاقتصاد على الإدماج، دعا التقرير إلى بذل المزيد من الجهود على مستوى هذا القطاع. مشيرا إلى انه رغم اعتماد الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالاقتصاد الاجتماعي برسم الفترة 2010 - 2020 ، وعلى بعد سنتين من بلوغ أجلها، فإن القطاع لا يساهم إلا بنسبة 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام، أي أقل من الهدف الذي حددته الاستراتيجية حاليا في 3.9 في المائة في أفق سنة 2020. كما لا يشغل القطاع سوى 5.5 في المائة من السكان النشيطين، بدل نسبة 7.5 في المائة المحددة في إطار الاستراتيجية المذكورة. وعلاوة على ذلك، تؤكد النتائج التي حققها قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن انعكاساته على إدماج حاملي الشهادات والنساء لا تزال دون مستوى الإمكانات التي يتيحها، حيث لا يشغل سوى في المائة 2 من الخريجين، كما أن التعاونيات النسائية لا تشكل سوى 5.14 في المائة من مجموع التعاونيات.