تتوقف «معظم» بلدان العالم، سنويا – باختلاف مراتب نموها الاقتصادي ودرجة رفاهها الاجتماعي – يوم الخامس عشر من شهر أكتوبر، عند «أوضاع» نسائها القرويات، وذلك في سياق الاحتفال ب»اليوم العالمي للمرأة القروية « ، الذي تم إقراره منذ سنة 1997 من قبل القمة العالمية للمرأة ،على خلفية خلاصات المؤتمر الرابع لمجموعة من المنظمات غير الحكومية الملتئم ببكين سنة 1995. توقف يتوخى تحسيس السلطات المعنية ب «الدور المحوري» الذي تلعبه المرأة القروية، والذي يرتدي أكثر من لبوس، دون أن تواجه، في الغالب الأعم، ب «الاعتراف» المستحق، المادي منه أو المعنوي؟ المرأة القروية، أو جندية الخفاء، تكدح، بشكل يومي، ومنذ الساعات الأولى للصباح إلى أوقات متأخرة من الليل، داخل البيت وخارجه. وقد ازدادت مهامها في مناطق عديدة من المغرب، تعقيدا ومعاناة، خلال السنوات الأخيرة، بسبب عاملي هجرة الرجال نحو المدن بحثا عن فرص للعمل، وتوالي سنوات الجفاف جراء التغيرات المناخية القاسية. ففي بعض قرى إقليمتارودانت – على سبيل المثال لا الحصر – أضحت المرأة «مجبرة» على شد الرحال نحو الأسواق الأسبوعية لاقتناء الحاجيات الضرورية للأسرة، من مواد غذائية وغيرها، بل قد ترمقها أحيانا وهي تجادل جزارين بشأن بيع بقرة أو خروف يعد ثمنها المدخول الواحد الأوحد للأسرة التي تعاني الويلات مع متطلبات المعيش اليومي . كما أن ندرة المياه الصالحة للشرب تفرض على المرأة / الفتاة قطع مسافات بعيدة لبلوغ إحدى «عيون الحياة» قبل أن يجف مخزونها بفعل الاستنزاف جراء الطلب المتزايد. وضعية سبق أن استعرض بعض تمظهراتها «المقلقة» تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2014، من خلال الإشارة إلى أن «أكثر من سبع نساء من بين كل عشر نساء «71.8 في المائة» في الوسط القروي، يعانين من الأمية، مقارنة بحوالي أربع نساء من أصل عشر «39.9 في المائة» في المناطق الحضرية، كما أن «حصة المرأة في العمل غير مدفوع الأجر تصل إلى 73.8 في المائة في المناطق القروية، منها 73.6 في المائة من النساء يشتغلن أساسا في الأنشطة الفلاحية…». وفي هذا السياق لابد من التذكير، بأن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية – تم إطلاقها سنة 2005 – مكنت «من إحراز تقدم» ملموس في ما يخص إدخال «ملامح تغيير» على أوضاع نساء القرى والأرياف، كما يتبين من خلال «تشجيع المرأة القروية، عبر تقديم الدعم المالي واللوجستي والمعنوي، على الانخراط في أنشطة مدرة للدخل، خاصة في إطار تعاونيات، مما ساعد على انتشال مئات النساء من براثن الفقر والهشاشة والإقصاء»، علما بأن «نظام التعاونيات» يعد بمثابة العمود الفقري لما يعرف ب «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» الذي تستهدف أنشطته، بالأساس، الشرائح المجتمعية المعوزة، في أفق إخراجها من دائرة الهشاشة، أو، على الأقل، التخفيف من وطأتها ذات التداعيات الثقيلة على الفرد والجماعة. من جهته، سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن ضمن تقريره المعنون ب «تنمية العالم القروي: تحديات وآفاق». السنة الماضية، بمناسبة انعقاد الدورة السبعين العادية للمجلس، ملاحظات بشأن وضعية المرأة القروية، داعيا إلى تفعيل، ما أسماه ب «المقاربة المندمجة للمساواة امرأة – رجل في سياسة التنمية القروية واتخاذ إجراءات إيجابية من أجل تمكين المرأة القروية من رفع العوائق البنيوية والثقافية والقضاء على الممارسات التمييزية المجسدة على أكثر من صعيد: «لامساواة، وضع المرأة داخل الأسرة والمجتمع، المشاركة في اتخاذ القرار، الحق في الولوج إلى الملكية والأراضي السلالية، الزيجات المبكرة للفتيات القرويات، العمل المنزلي للأطفال، استغلال النساء العاملات، ظروف النقل…»، مع الإلحاح على استعجالية «ضمان ولوج أفضل للساكنة القروية للخدمات الاجتماعية والبنيات التحتية وتقوية دينامية الاقتصاد القروي وحماية و تثمين الموارد الطبيعية». إنه، بلا شك، واقع قاس، ذاك الذي تعاني من حدته مئات النساء القرويات ، في أكثر من منطقة على امتداد جغرافية جهات البلاد المتباينة التضاريس والمناخ، شهد في السنوات الأخيرة تحركا رسميا – لا يمكن إنكاره – من أجل تدارك سلبيات السنوات العجاف» تنمويا»، لكن جسامة النقائص البنيوية تستوجب إيلاء ساكنة العالم القروي عموما، والنساء خصوصا، المزيد من العناية والاهتمام، من خلال الإسراع بإنزال مختلف البرامج التنموية ذات الصلة على أرض الواقع،علما بأن مستويات «التقدم والرقي»، كما هي متعارف عليها دوليا، لاتقاس فقط ب «أوراش الأسمنت» المفتوحة في هذه المدينة أو تلك، وإنما تستحضر، أساسا، «مستوى عيش» السكان، حضريين كانوا أو قرويين؟