دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في تعزيز دور المدافعين عن حقوق الإنسان وحماية حقوقهم، هو محور المؤتمر الدولي الثالث عشر للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، المنظم بمراكش من 10 إلى 12 أكتوبر الجاري تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، من قبل التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة. المؤتمر، الذي ينظم مرة كل ثلاث سنوات، بشكل متناوب على جميع القارات، والذي ينعقد بالمغرب بالتزامن مع تخليد المجتمع الدولي لثلاثة مواعيد رئيسية هي: الذكرى 70 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذكرى 20 للإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان والذكرى 25 لإقرار مبادئ باريس الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، اختير له هذه الدورة موضوع "توسيع الفضاء المدني وتعزيز دور المدافعين عن حقوق الإنسان وحمايتهم، مع التركيز على المرأة ودور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان". إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كشف أهمية ودلالة انعقاد هذا المؤتمر في الكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية قائلا:" نبدأ أشغالنا اليوم في الوقت الذي يتعرض فيه العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان في جميع القارات، رجالا ونساء، إلى الاعتقال، معزولين عن العالم وعن عائلاتهم ورفاقهم في النضال. تُسلب حريتهم لسبب بسيط هو رغبتهم في الدفاع بشكل سلمي عن الحقوق التي أقرها المجتمع الدولي". وأكد اليزمي على الأهمية التي يكتسيها موضوع المؤتمر، بحكم تركيزه على النساء والأدوار التي يقمن بها كمدافعات بشكل عام داخل الحركة الحقوقية و كذا التهديدات التي يتعرضن لها، خاصة عندما يشتغلن على قضايا تعتبر حساسة أو محظورة، مثل المساواة بين الجنسين والصحة الجنسية والإنجابية. مضيفا أن هناك فئة قد لا يخطر على بال أحد أنها تنتمي للمدافعين عن حقوق الإنسان، وهي فئة الأطفال، حيث نظمت لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة هذه السنة يوما دراسيا حول هذا الموضوع. و قال اليزمي إنه أمام تزايد الاعتراف الدولي بالدور المحوري للمؤسسات الوطنية، ظهرت قضايا جديدة تفرض على المدافعين على حقوق الإنسان الاشتغال عليها، ومن بينها التداعيات الجديدة للهجرة واللجوء، وخطاب الكراهية والتغيرات المناخية والمقاولة وحقوق الإنسان والانخراط في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، وهو ما يستدعي، حسب رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تعزيز التعاون جنوب/جنوب و شمال / جنوب للتعامل مع هذه القضايا. ومن جهته أكد مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، أن هناك حاجة ملحة إلى التفكير في تقديم إجابات واضحة وإصدار توصيات دقيقة بخصوص تطوير وتعزيز المعايير الدولية والوطنية ذات الصلة بتوسيع الفضاء المدني وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، ولاسيما تطوير المبادئ والقواعد المتعلقة بمستويات وأوجه وأشكال الحماية التي ينبغي توفيرها لهذا الفاعل الرئيسي، والتدابير اللازمة للنهوض بأدواره ووظائفه، باعتباره شريكا رئيسيا في تعزيز حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي ومسهما في التنمية. واعتبر الرميد أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بتوفير بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مواتية يتم فيها احترام حقوق الإنسان، ويكون فيها تجسيد الكرامة الإنسانية هدفا رئيسا لكافة الأطراف المعنية بتعزيز حقوق الإنسان، ومرتكزا لكل الخطط والسياسات والبرامج والمبادرات العامة والخاصة. وبدورها أكدت بياتي ريدولف، رئيسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، على ضرورة تعزيز الحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون مخاطر كبيرة بسبب التزامهم من أجل الكرامة الإنسانية التي لا تتحقق إلا بالتمتع بهذه الحقوق. وأشارت إلى الأهمية التي يحظى بها توسيع الفضاء المدني، من أجل ضمان مشاركة أوسع في إرساء الحقوق وتحويل الاستفادة منها إلى واقع ملموس. مؤكدة على الدور الحيوي للمنظمات المدنية في ترسيخ حقوق الإنسان والدفع إلى احترامها. واعتبرت بيغي إكس، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في كلمتها التي ألقتها في الجلسة الافتتاحية، أن حماية المدافعين عن حقوق الإنسان تزداد إلحاحا في ظل الضغط المتزايد على حقوق الإنسان بسبب تزايد الخطابات السلطوية المناهضة لها، حيث يتقلص الفضاء المدني مع الحكام المستبدين الذين يجدون فيه تهديدا كبيرا. وتزداد هذه الوضعية تعقيدا، حسب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، مع استغلال بعض الدول للتهديدات الإرهابية للتضييق على حقوق الإنسان بمبررات أمنية. كما أن الدفاع عن المصالح الاقتصادية يدفع في بعض الحالات، إلى النظر إلى المدافعين عن حقوق الإنسان كعدو. وأكدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، أن شرعية الدول مرتبطة باحترام حقوق الإنسان، مضيفة أن المدافعين عن حقوق الإنسان يلعبون دورا بالغ الأهمية في النهوض بالوضع الإنساني، الذي يشكل الغاية الكبرى من تنميتها. ودعت إلى المساهمة في توسيع الفضاء المدني لانتعاش هذه الحقوق. وعرف المؤتمر مشاركة قرابة 300 مشارك من بينهم رؤساء وممثلو 100 مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان عضو في التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (الذي يضم 121 مؤسسة)، بالإضافة إلى خبراء مستقلين بالأمم المتحدة وخبراء آليات وأنظمة إقليمية لحقوق الإنسان وممثلي هيئات حكومية ومنظمات غير حكومية ومنظمات دولية. وتناول المؤتمر المحاور التالية: "التهديدات التي يتعرض لها الفضاء المدني والرصد"، "حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، لا سيما المدافعات عن حقوق الإنسان، بما في ذلك المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان"، "التواصل حول حقوق الإنسان وتعزيز الخطابات الإيجابية"، "تعزيز المشاركة في الحياة العامة وإسماع صوت الناس" و"تعزيز التعاون والشراكات". وتهدف مؤتمرات التحالف العالمي إلى تطوير وتعزيز التعاون بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وتوفير منتدى يشجع على تبادل الأفكار المبدعة والتجارب مع المؤسسات الوطنية والتحديد الجماعي لما يشكل ممارسة فضلى وما يعنيه تطبيق مبادئ باريس على أرض الواقع، ومناقشة بنود جدول الأعمال وضمان متابعتها على المستوى الوطني.