يبدو أن الصمت، أو الاستكانة إزاء أجواء التمييز على أساس العرق الذي تحترفه هوليوود بصور تعطي انطباعًا قاصرًا بالعكس.. يبدو أنه إلى زوال مع علو صوت الممثلة الأمريكية الآسيوية كونستانس وو، كواحدة ليست فقط رائدة في الحديث ضد التمييز في هوليوود، وإنما عملت أيضًا على تغيير هذا الواقع، كما سنعرف في السطور التالية المترجمة ببعض التصرف عن مجلة نيوزويك. طوال تاريخ التليفزيون، ترشحت امرأة أمريكيّة آسيويّة واحدة لجائزة إيمي لأفضل ممثلة رئيسية في مسلسل درامي. ذلك ما حدث هذا العام، عندما تلقّت ساندرا أوه ترشيحًا عن مسلسل “Killing Eve” من إنتاج “بي بي سي”. أما في تاريخ السينما، كان هناك ممثل واحد من أصل آسيوي فاز بجائزة أوسكار أفضل ممثل رئيسيّ، وهو “بن كينغسلي”، وهو بريطاني من أصول نصف هندية، وذلك عام 1982، عن فيلم “غاندي”. بينما الممثلة الوحيدة من أصل آسيوي التي رُشِّحت لجائزة أفضل ممثّلة، هي ميرل أوبيرون (نصف هندية وماورية)، لكنها لم تفز بالجائزة عن فيلم “The Dark Angel”، الذي أُنتِج منذ أكثر من 80 عامًا. أشارت الممثلة كونستانس وُو إلى تلك الصعاب، كَونها نشأت في فرجينيا ابنةً لاثنين من المهاجرين التايوانيين. ولسنواتٍ عديدةٍ كانت لوسي ليو، في مسلسل “Elementary” وعِدّة أفلامٍ، وسَاندرا أوه التي لعبت دور البطولة لمدة 10 مواسم في مسلسل “Grey's Anatomy”، هما مِن بين قلّة من الممثلات الآسيويات-الأمريكيّات اللاتي لَعِبن أدوارًا رائدةً في مجال الترفيه. أضافت كونستانس وُو وجهًا آخرَ مرحبًا به إلى هذا المزيج، عندما لعبت دور “جيسيكا هوانغ”، الأمّ المهاجرة التايوانية القلِقَة والمشاكِسة، في مسلسل “Fresh Off the Boat” من إنتاج “إيه بي سي”. والآن تتصدر بطولة فيلم “Crazy Rich Asians”، وهو أوّل فيلم هوليوودي ضخم يتصدر أدوارَه جميعَها ممثلون أمريكيّون آسيويّون وبريطانيّون آسيويّون، منذ 25 عامًا، منذ فيلم “Joy Luck Club” من إنتاج عام 1993. وكما ذكرت أليسون تشيو في حوار مع صحيفة واشنطن بوست، فإن الفيلم يعد مختلفًا على الرائج، لأنه فيلم كامل دون فنون القتال ودون الصورة “النمطية” عن الآسيويين. وعليه، كان الضغط كبيرًا لجعل كلّ عناصر الفيلم تؤول إلى طاقَم كامل من الأمريكيّين الآسيويين. فهِمَت مارغريت تشُو هذا الثِّقَل عندما استرجعَت دورَها منذ سنوات في مسلسل السيت كوم “All American Girl”، وهو أوّل مسلسل تلفزيونيّ أمريكيّ يسلّط الضوء على عائلةٍ آسيويةٍ، والذي استمر موسمًا واحدًا حين بدأ عرضه عام 1994. ولأنه لم يكن لدى تشُو المتوتّرة، أيَّ تحكُّم إبداعيّ، آلَ المسلسل إلى المُصادَقة على الصور النمطيّة، بدلًا من محْوِها. قالت تشُو في مقابلةٍ مع وسائل الإعلام الآسيويّة الكوريّة في الذكرى العشرين لعرضِه: “بشأن الهوية العرقية، هناك طريقةٌ صحيحةٌ لتكون آسيويًّا، وأخرى خاطئة لتكون كذلك، وهذا أمرٌ غريبٌ حقًّا؛ فالذعر ينبُع من عدم رؤية الآسيويّين الأمريكيّين على شاشات التلفاز، لذا تصبح الصور القليلة التي لدَينا عنهم مُتمعَّن فيها للغاية”. وأشارت تشُو أيضًا إلى أنّ التنوّع في مجال الترفيه قد قطَعَ شوطًا طويلًا (وهي مُعجَبة جدًا بمسلسل Fresh Off the Boat)، لكن تبقَى هناك حساسيّة مُفرِطة، إذْ يشعر البعضُ بالقلق من أنّ فيلم “Crazy Rich Asians” سوف يُخطِئ بالمَيل إلى جانب آسيوي جدًّا أو نقيضه؛ فقد ظهرَت الاتهامات بتبرئة ساحة الأمريكيّ الأبيض على تويتر، عندما أُطلِق على أحد نجومه، وهو هنري غولدينغ، أنه “ليس آسيويًا بما يكفي”، إذ إن والده بريطانيّ، وأمّه من قبيلة إيبان في جزيرة بورنيو، والتي تتقاسَمها بروناي وماليزيا وإندونيسيا. بدورها، فهمت كونستانس وُو ذلك، فهي على درايةٍ بالنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذْ كانت في قلب حملة “#StarringConstanceWu” على تويتر، التي صوَّرت كونستانس وُو أنها رائدة في عدة أفلام ضخمة متمركِزة حول الأمريكيّين البِيض مثل “The Hunger Games”. حتى الثناء على حملة بطولة كونستانس وُو لفيلم “Crazy Rich Asians”، تصاحبُه مشاعرٍُ معقّدة، بعد سنواتٍ من الكفاح من أجل العثور على عمل في هوليوود. تقول كونستانس وُو: “مِن الصعب الحصول على ميزة التعامل باحترام؛ ففي العادة يُطلَب منك أن تكون مُمتنًّا لأي فُتات تحصل عليه، وإن لم تكن مُمتنًّا لذلك الفُتات، فستصبح منبوذًا!”. في الفيلم المقتبس من رواية كيفن كوان -المتصدِّرة قائمة الأكثر مبيعًا، والتي تحمل الاسمَ نفسه- تلعب كونستانس وُو، دور راشيل تشُو، وهي أستاذة جامعية صينية أمريكيّة بسيطة في جامعة نيويورك، دَعاها رفيقها نِك (غولدنغ) لحضور حفل زفاف في سنغافورة. سرعان ما تكتشف أنه فاحش الثراء، وتقع راشيل ضحيّةً لغطرسة النخبة السنغافورية، بما في ذلك والدة نِك المسيطرة إليانور (ميشيل يوه)، والتي لا توافق على رفيقة ابنها “الآتية من قارّة أخرى”. ثمّ تنشأ بينهما لعبة نفسية عمَّن تصمد أخيرًا. على نقيض شخصية جيسيكا، المهاجِرة المرحة للغاية، في مسلسل “Fresh Off the Boat”، كان التحدّي أمام راشيل/ وو، هو إحداث فارق بسيط فى شخصية “امرأة صريحة” محاطة بشخصيات كبيرة. تقول كونستانس وُو: “عندما تلعب دورًا سطحيًّا لبطل، يمكنك أن تجعل هذه الشخصية تغنّي، لأنها إمّا صارمة أو مضحكة، هذه أو تلك؛ فأنت حينها كمَنْ يرسم باللون الأزرق فقط، ولكن هناك الكثير ممّا يمكنك فعلُه بهذا اللون الأزرق. هذه المرة توفّر لديّ المزيد من الأدوات، وهو أمر رائع، ولكنّه أتَى أيضًا مع قدْرٍ أكبر من المسؤولية”. بحذرٍ، يُعرب المخرج جون تشُو عن تفاؤله حول كيفيّة استقبال الفيلم، بعد عُروض الاختبار المبكّرة له. قال تشُو، إنّ “بعضَ المشاهِدين بَكَوا. ليس بسبب ما يحدث في الفيلم، بل فقط في فكرة التمثيل”، الذي يقدِّم مجموعة كاملة من الآسيويين المعاصرين، بدلًا من كليشيهاتٍ بسيطة. فكثيرون أثرياء بشكل رائع ومستَحَق، مثل شخصية سنغافوريّ لَعِبَ دورَه كين غيونغ، والذي يقول لابنه أنْ يُكملَ طعامَه، لأن “هناك الكثير من الأطفال الجائعين في أمريكا”! في الواقع، قلّل جون تشُو، وكذا كاتبا السيناريو، بيتر كياريلي وأديل ليم، من أهمية الثراء الفاحش في الرواية. يقول تشُو ضاحكًا: “لم تكن ميزانيّتنا كبيرةً بالقَدْر الكافي لجميع تصميمات الملابس الفاخرة”. وبدلًا من ذلك، ركَّزَ الكُتَّاب على الرحلة العاطفية التي يخوضها أيّ آسيويّ أمريكيّ عند سفره إلى آسيا لأول مرةٍ، مثل رحلة تشُو الخاصة، عندما كان طفلًا في التاسعة. يقول المخرج الذي نشأ في كاليفورنيا لأم تايوانية وأب صينيّ، إنّ “هويّتك الثقافية تنقسم. تعتقد أنك يجب أن تختارَ إمّا أنّك آسيويّ أو لا. لكن بعد ذلك عليكَ إعادة مزج الثقافات؛ مع تقييم فلسفات كلٍّ منها وتحديد ما يُمكنه المواصلة معك”. بالنسبة إلى كونستانس وُو (36 عامًا)، فإن الأمر شخصيّ أيضًا. إذْ بدأتْ رحلة عائلتها عندما هاجَرَ والداها من تايوان إلى الولاياتالمتحدة، حيث وَجَدَ وظيفةً لتدريس الأحياء وعلم الوراثة في جامعة فرجينيا كومنولث. وبدأت كونستانس وُو التمثيلَ في سن ال12، حين لعبت دورَ حيوان الخُلد في إنتاج مسرحي لرواية “الريح في أشجار الصفصاف”، ثمّ درسَت التمثيل في معهد الفنون المسرحيّة بكلية بَرشاس بجامعة ولاية نيويورك. وقد عانَت بعد التخرّج لتجد عملًا في المسرح، حتى أوشكَت على التوقّف عن التمثيل لتدرس اللسانيّات في جامعة كولومبيا. ما أنقَذَ مشوارها عام 2010، هو هجْر حبيبِها لها. تقول كونستانس وُو: “لم أخطِّط أبدًا للعمل في التلفزيون أو السينما، لكن لأنّني كنتُ منكسرة القلب بسبب صديقي النيويوركيّ، كان علي أن أترك دودغ (بمقاطعة لاسين، كاليفورنيا)”. أما الأخبار الجيدة في لوس أنجلوس، أنها كانت تتلقّى تجارب أداء في التمثيل، بفضل حصّة (كوتا) التنوع العرقيّ التي تُوفِّرها هوليوود. ضجِرَت وُو سريعًا من الأدوار الرمزية التي تُعرَض على الأقليات، مثل الصديقة المقرَّبة والمُساعِدة المرحة. تقول: “لا أعتقد أن أيّ تجربة أداء تلفزيونية قدَّمتُها كانت من أجل دور البطولة”. كان حصولُها على دورها في مسلسل “Fresh Off the Boat” عام 2015 بمثابة نِعمة ونِقمة. “حتى في هذا المسلسل لم يكن دوري هو الرئيسيّ؛ فقد كان البطل هو راندل بارك، الذي قام بدور زوجها في المسلسل. أنا أحبّه، وسعيدة لأنه حَظِيَ بهذا المكان؛ لكن الممثلات الآسيويّات الأمريكيّات نادرًا ما يقمن بالدور الرئيسيّ في قصصنا. دائمًا ما نكون على الهامش أو يتمّ تَشْييؤنا”، تقول كونستانس وو. كانت كونستانس وُو دائمًا هي الاختيار الأوّل للمُخرِج جون تشُو لأداء شخصية راشيل. كان المخرج -الذي من بين أعماله الجزء الثاني من فيلم Now You See Me، والاقتباس القادم من المسرحية الموسيقية In the Heights، للملحِّن لين مانويل ميراندا- معجبًا كثيرًا بحساب تويتر الخاص بالممثّلة وُو، ويقول: “لفت انتباهي ما كانت تشارِكه على حسابها، والمقالات واللقاءات التي تقوم بها متحدثة عن صورة الآسيويّين الأمريكيّين، كان لها تأثير كبير عليّ عندما كنت أقرّر أيَّ أفلام سأقوم بإخراجها”. يُذكر هنا أن كونستانس وو كانت ضمن قائمة مجلة تايم لأكثر 100 شخصية مؤثر، بسبب حديثها ضد التمييز على أساس الجنس والعرق في هوليوود، عام 2017. وكان اللقاء الأول بين المخرج تشو والممثلة كونستانس وو، لقاءً مهمًا، لكن عندما تعارَضَ وقتُ تصوير الفيلم مع تصوير مسلسلها “Fresh Off the Boat”، اضطرا للافتِراق بعد تردّد. تقول كونستانس وُو: “بعد شهور قليلة، قلت لنفسي لا بُدّ أن أخبره بما يمكنني إضافته لهذا الدور”. ثم أرسَلَت له رسالةً إلكترونيّة مليئةً بالحماس، قالت فيها شيئًا من هذا القبيل: “لا ضغائنَ بيننا، بالطبع، إذا كنتَ تريد التصوير في الخريف. لكن إذا استطعتَ الانتظارَ، سأكون متحمِّسة جدًّا لأصبح جزءًا من الفيلم”. يتذكّر تشُو جملةً أخرى قالتها وُو، وهي “إذا لم أكتب لك هذه الرسالة، فإنني سأندم على هذا بقية حياتي”. لذا أجَّلَ تشُو على الفور موعدَ التصوير ثلاثةَ أشهر. يقول عن ذلك: “علمتُ حينها أنَّ الأمر كان مقدَّرًا”. سيُقرِّر شبّاك التذاكر وحدُه إنْ كان فيلك “Crazy Rich Asians” سيصبح نقطةَ البداية للمزيد من الأدوار الرئيسية للآسيويّين الأمريكيّين، أم لا. لكن كونستانس وُو متحمِّسة للمنصّات البديلة التي توفّر المزيد من المحتوى الآسيويّ الأمريكيّ؛ مثل النجاح الذي حقّقته شبكة نتفليكس مع مسلسل عزيز أنصاري “Master of None”، وكذا موقع يوتيوب الذي يستضيف مسلسلات ويب مثل “Yappie” من إنتاج شركة وُنج فو. وأضافت كونستانس وُو: “الآسيويّون الأمريكيّون لا ينتظرون الإذْن؛ إنّهم يصنعون محتواهم بأنفسهم. لا نحتاج للقلق بشأن بوّابات هوليوود، لأننا الآن نصنع بوّاباتِنا”. *ومترجم من مصر