قالت الدكتورة هدى درويش، أستاذة ورئيسة قسم الأديان المقارنة بمعهد الدراسات الأسيوية بجامعة الزقازيق، إن لدراسة الأديان أهمية كبيرة، منها معرفية الوقوف على حقيقة الأديان، والتعرف على مدى التشابه والتباين في ما بين الأديان وتحديد موقفه من هذا المعتقد أو ذاك، متمنية أن يحدث فى المجتمع طفرة فى دراسات الأديان المقارنة، وخاصة أن اليهود يعرفون عن الإسلام أكثر من المسلمين، وكذلك المسحيين، ولكن للأسف المسلمين معلوماتهم ضعيفة عن الأديان الأخرى وذلك من أجل معرفة المشترك بيننا ونعيش فى تسامح وخاصة أن الأديان كلها مشتركة فى قيم واحدة تخدم الإنسانية. وأضافت «درويش»، أن الدين هو أحد المحركات الرئيسية للجنس البشرى، ولا يمكن فهم الثقافات المعاصرة المختلفة إلا إذا فهمنا الأديان المنتمية إليها، وتعدد الأديان هو واقع حى فلا يوجد بلد من بلدان العالم إلا ويعيش على أرضها أجناس ينتمون إلى أديان مختلفة، فالبلد الواحد يضم اليهودى والمسيحى والمسلم والبوذى والهندى والمجوسى وغيرهم كثير فى المجتمعات المختلفة . وقالت: كل ديانة تتفرع إلى فرق ومذاهب فهناك المسيحى الكاثوليكى والبروتستانتى، ومن المسلمين يوجد الشيعى والسنى؛ ولذلك فإن دراسة الأديان مهمة لأجل قبول فكرة التعايش، سواء على اختلاف الدين أو المذاهب مع بعضها البعض على السلام والأمان والخير وفى الوقت نفسه قبول فكرة وجود أديان أخرى مع تعددها، كما أن الفهم العلمى الصحيح للأديان يساعد على تطور الفكر بوجه عام وفهم أوسع وأشمل للإنسانية ومشاكلها المعاصرة. وتابعت «درويش»: ترجع أهمية دراسة الأديان والعقائد والمذاهب والفرق المختلفة مجتمعة،‘لى تحقيق مستوى عال من الإدراك والمعرفة الكلية الشاملة للديانات، حيث تضع الدارس لها فى موقف الحَكَم ليصل بعقله إلى النتائج الصحيحة المنضبطة، فيقوم بعمل مقارنة صحيحة علمية منهجية تعتمد على الحجج القوية والبراهين والأدلة لإثبات ما توصل إليه من علم صحيح لا يستند إلى قول متعصب أو متحيز بل بمنطق معقول ومقبول بعيدًا عن أى هوًى أو انحرافٍ ذهنى، موضحة أن علم مقارنة الأديان علم ضرورى يؤدى إلى استخلاص أوجه الشبه والاختلاف بين الأديان ويساعد على معرفة الصحيح من الفاسد وإظهار الحقيقة وإرجاعها إلى مصدرها الإلهى الحقيقى. وأضافت: أصبح عالم اليوم على ترامى أطرافه يشكل ما يشبه السلسلة الواحدة متصلة الحلقات، بعد تنامى وسائل الاتصال الحديثة والمعاصرة، الأمر الذى يستلزم ضرورة تحقيق التعايش السلمى مع كافة الأجناس التى تعيش داخل البلد الواحد على اختلاف دياناتها ولغاتها تحقيقًا لحياة سالمة وآمنة مع الآخر . وتابعت: الإنسان إذا تأمل من حوله فسوف يجد أن كل فرد يعيش على سطح الأرض لا يخرج عن معتقد أو إيمان ما، يرتكز عليه شعوره وانفعالاته، هذا المعتقد هو ما يدين به فى حياته طبقا لمفاهيم عقله واختياره،وهى حقيقة فطرية ذاتية تتملك البشر منذ بدء الخليقة والإنسان مهما وصل من معرفة وعلم إلا أنه سوف يظل مقتصرا ومحدود المعرفة لأن كل يوم يأتى بجديد. وأضافت: دراسة الأديان والعقائد تساعد فى توجيه سلوكيات الشعوب على اختلاف أنواعها لأجل التعايش والمواءمة بين الأمم والشعوب على اختلاف ثقافاتها ولغاتها ودرجات تدينها وإيمانها، فالأديان تتطور طبقا لتطور ثقافات الشعوب وفى ذلك يقول «ماكس نور دوه» : «ستبقى الديانات ما بقيت الإنسانية، وستتطور بتطورها، وستتجاوب دائمًا مع درجة الثقافة العقلية التى تبلغها الجماعة» ([1])، فالدين والتوجهات العملية الناتجة عن المعتقد هو محرك ثقافة الشعوب وموجه العقول إلى السلوك القويم والتعامل الإنسانى الراقى. وقالت إن دراسة الأديان تعطى أهمية معرفية كبرى للوقوف على علة حقيقتها وتحديد موقف صاحب هذا العلم من هذا المعتقد أوذاك، كما تقدم لنا التفكير المعرفى لفهم الظاهرة الدينية والثقافية والحضارية للمجتمعات البشرية حتى يمكن تجاوز مواقف الانغلاق على الذات، والرغبة الاستعلائية باعتقاد دين بعينه وإقصاء أى دين آخر فهو علم يسهم فى تحسين التفاهم المشترك بين أهل الأديان الأخرى، ويساعد على تنشئة اجيال تقوم على المعرفة الصحيحة والفهم الواعى لخاصية كل دين والاعتراف به. وأوضحت، أن علم مقارنة الأديان علم عظيم الفائدة؛ إذ يقدم للمفكرين المسلمين أهم العناصر للدفاع عن الإسلام ضد التحديات التى تواجهه، ليس فقط تحديات الأديان الأخرى؛ وإنما تحدى الحركات الإلحادية الكبرى المنتشرة فى العالم أيضًا. وقالت «درويش» إن ما مرت به الأمة الإسلامية من أزمات استفحلت بعد أحداث 11 سبتمبر مرورا بواقع الخلاف بين الفرق والمذاهب، وما صاحب ذلك من مواقف عالمية تجاه الإسلام كل ذلك يحتم دراسة علم مقارنة الأديان بموضوعية للوقوف على تعاليم الأديان واعتماد مقارنة الأديان وسيلة فاعلة فى الحوار مع الآخر، وخاصة أنه كثر فى الآونة الأخيرة الحديث حول أهمية الحوار مع الآخر تحقيقاً لمنظومة السلام بين الأديان، حيث وضع كثير من علمائنا الكرام حلولاً قيمة لتحقيق أهداف هذا الحوار، من بين تلك الحلول أن يكون الحوار قائما على الاحترام المتبادل وقبول الآخر والبعد عن التحيز أو التعصب . فمن أولويات هذا الهدف ضرورة إنشاء بنية تحتية للثقافة الدينية فى المدارس بمعنى قيام المعلمين والأساتذة التربويين بالاهتمام بالتثقيف الدينى للنشء منذ بداية دخوله المرحلة التعليمية الأولى، عن طريق وضع مقرر أساسى يتناول الجانب السلوكى والأخلاقى فى التعاملات الإنسانية مع كافة الأديان، بهدف التعرف على مذاهب وعقائد الديانات الأخرى بموضوعية دون تعصب أو تطرف، وهذا المقرر يكون ملزماً سواء على المستوى الحكومى العام أو الخاص، والتعرف على كيفية إدارة حوار علمى موضوعى، وتنشئة الفرد على أسس الدين الصحيح مع توسيع الفكر لقبول ثقافة الاختلاف، ومما لا شك فيه فإن الديانات السماوية مصدرها واحد أنزلها المولى سبحانه وتعالى، للتوحيد والهداية وترقى الإنسانية عن طريق رسله الكرام الهداة، بدايةً من الديانة اليهودية إلى المسيحية ثم الإسلام فكان تسلسلاً زمنياً لا مجال فيه لإنكار أو تفضيل ديانة عن غيرها. ومع التطورات التى يشهدها واقعنا الحالى، وتغلغل المادية والتعصب فى حياتنا المعاصرة وسيطرة المصالح والتغيرات التى تأتينا من كل جانب بتسميات مختلفة من عولمة، وتحديث، والقول بعصرنة الدين، ونداءات العلمانية بشمولية الانسان فى الحياة والطبيعة وغيرها أصبحت هناك ضرورة ملحة لدراسة الكتب السماوية وتفحص نصوصها بالحجة والبرهان الصحيح، للوقوف على أوجه التشابه بينها وصولاً إلى نقاط الالتقاء التى تُقرب ولا تُفرق بين أبناء الإنسانية جمعاء. وأوضحت «درويش» أن الديانات السماوية تتفق على وجوب التحلى بالفضائل والأعمال الصالحة واجتناب الرذائل والبعد عن كل الشرور، هذا الاتفاق يفتح لنا نافذة للوصول إلى جوهر الديانات التى نزلت بالحق، ومن ثم يفتح لنا باب الحوار الموضوعى القائم على احترام حقوق الإنسان فى المعتقد والحياة . من الحقائق الأصلية فى الأديان والتى يجب ترسيخها فى النشء هو اتفاق النصوص السماوية على أهم أسس العقيدة الدينية وهو التوحيد فقد جاء فى القرآن الكريم «هو الله الذى لا إله إلا هو» وجاء فى الوصايا العشر التى تقوم عليها مبادئ الشريعة اليهودية: «أنا الرب إلهك لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» وجاء ذكر التوحيد فى نصوص الإنجيل فى قوله « لأن الله واحد وليس آخر سواه « « مرقس 12 / 32 «، كذلك النواهى التى وردت فى الوصايا العشر: «لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور»، وهى مبادئ أكدت عليها كافة الأديان. واختتمت «درويش» حديثها بمخاطبة العلماء من رجال الدين وغيرهم من القائمين على مهمة التعليم والتثقيف فى الجامعات المختلفة ومراكز العلم والبحث، بذل الجهد والعمل من أجل نشر الثقافة الدينية بين الأجيال الجديدة حتى يكون الحوار بين المسلم والآخر حوارًا موضوعياً بناءً، يتحلى بالشفافية والسماحة والترقى الفكرى الذى يتطلبها الحوار اهتداءً بقول الله عز وجل: «وجادلهم بالتى هى أحسن» فتترقى الإنسانية كلها بالهداية إلى سبل المحبة والإحسان والسلام.