وأنت تنصت إلى قطعة (من ضي بهاك) وهي من توقيع عبد القادر الراشدي، أو (شفت عيون) للملحن عبد الرفيق الشنكيطي، أو (كنت ناسي) للملحن عبد القادر وهبي، لا تلبث أن تدرك قيمة الصوت الذي يقوم بالغناء، صوت من معدن نفيس، صوت في غاية الأناقة كصاحبه، صوت يتكلم لغة الاتزان والرصانة في ثقة نفس عالية، وكأنه شيخ وقور خبر الحياة فراح يعلم الناس، إنه الفنان محمد الحياني صاحب الأغنية الذائعة الصيت والمتوجة في بداية السبعينات كأغنية الموسم (بارد وسخون) وصاحب أغنية (راحلة) الجوهرة السابحة في وجدان الناس. لم يستعجل الحياني الشهرة، بل صعد السلم درجة درجة حتى نصب ثالث فرسان الأغنية المغربية العصرية مع بلخياط والدكالي، وفي مشواره الفني ملحنون كشفوا عن جمالية صوته، وعلى رأسهم حسن القدميري الذي عرى عن مساحات الجمال ومناطق الرقة في صوته فجنت أذن المستمع من وراء ذلك ثمارا لذيذة تهبط على القلب متعة وبهاءا، والشهود على ذلك هذه الأغاني المفعمة برقة الإحساس (الجرح برا – بارد وسخون – أنا حر – لا سماحة يا هوى – من بعد الغربة – لا حول وخلاص – الأيام – مالي ومال التنهيدة …)، وعندما انفكت علاقة عامر مع بلخياط، وبحث عامر عن صوت يسد به فراغ رفيق الأمس، لم يجد أحسن من صوت الحياني، فقدم له ألحانا رائعة، نذكر منها (قصة الأشواق – وغنت لنا الدنيا …). وأما الملحن عبد العاطي آمنا فقد ألبس صوت محمد الحياني حلة جديدة أدخلته إلى عالم أخر من الجمال والحلاوة ( وقتاش تغني يا قلبي – يا وسادة – ياللي بيك القلب ارتاح)، ولا ينبغي تناسي الملحن عبد الحميد بن إبراهيم والذي كان له الفضل في اكتشافه ومن أجمل ما لحن له قطعة (ذكرى الطفولة)، وأما عبد القادر وهبي فله مع فناننا قطعة تنضح برهافة الإحساس (ما كاين باس). لقد رحل محمد الحياني ولكن صوته لا زال يعيش في أعماقنا، لأنه خلف تركة فنية ستمنحنا السحر والنشوة كلما فتحناها.