«... إن العمل الوحدوي الذي حقق الاستقلال السياسي والاقتصادي، من خلال كتلة العمل الوطني والكتلة الديمقراطية، والذي وجه كل جهوده من أجل رفع الظلم والاستبداد المسلط على هذا الشعب .. اخترنا العمل الوحدوي لبعث الروح فيه من جديد للعمل.. اخترنا أن نعيد الوهج للعمل الوحدوي مع إخواننا في حزب الاستقلال .. لمواجهة جبروت هذه الحكومة التي تعدت في استبدادها ما عرفته حكومات سنوات الجمر والرصاص.. منذ مؤتمرنا الوطني التاسع ونحن نسعى إلى مد الجسور مع كل الفاعلين من شرفاء هذا الوطن .. واستطعنا أن نكسر جليد الجفاء الذي خيم لعقود فاقت الأربعة مع إخوتنا في الاتحاد المغربي للشغل .. وليس من الصدف الغريبة أن يكون إحياء حزب الاتحاد الاشتراكي ليوم الوفاء لشهداء الاتحاد والوطن ، في يوم يؤرخ لامتداد أيادي الإجرام والاستبداد ، من خلال الجريمة البشعة باختطاف واغتيال عريس الشهداء أخونا المهدي بنبركة.. هو نفسه التاريخ الذي اختارته كل مكونات الطيف النقابي المناضل لتتيح للشعب المغربي فرصة قول لا ثم لا لهذه الحكومة .. اليوم يقول المغاربة لرئيس الحكومة إن طريقتك في التدبير أمست مرفوضة .. وإن الشعارات التي كذبت علينا بها في حملتك الانتخابية وسرقت بها أصواتنا أضحت مفضوحة .. اليوم حكومة هؤلاء امتدت من خلال قانون المالية الجديد إلى القوت اليومي للمواطن مباشرة ، من خلال الزيادة في القيمة المضافة للمواد المعيشية للي كياكل المسكين والضعيف.. «بهذه الحرارة خاطب الأخ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الجماهير الغفيرة التي حجت الى قاعة المؤتمرات بحمرية بمناسبة يوم الوفاء الذي اعتاد الاتحاد على إحيائه وفاء لشهداء الاتحاد والوطن في يوم 29 أكتوبر الذي يصادف ذكرى يوم اختطاف الشهيد المهدي واغتياله . وقد تميز حفل الوفاء الذي أحياه الحزب هذه السنة بمدينة مكناس بتنسيق مع الكتابتين الاقليمية والجهوية ، بالوفد الهام الذي رافق الكاتب الأول من أعضاء المكتب السياسي ورموز الحزب ورجالات المقاومة، يتقدمهم عبد الواحد الراضي ورئيس اللجنة الادارية لحبيب المالكي ، ومحمد أجار سعيد بونعيلات رئيس المجلس الوطني لأعضاء المقاومة وجيش التحرير، والمندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير مصطفى لكثيري وأبو المقاومين محمد بوراس الفكيكي ، والمناضل الهاشمي ومحمد الكاملي ... كما حضر المكرمون من مناضلي وعائلات مناضلي جهة مكناس تافيلالت تتقدمهم عائلة المرحوم محمد المكناسي وامحمد الحريكة وعائلة خوخو .. وعلا أفكوح والحاج صالح الناصف.. كما حضر ثلة من المناضلين المكرمين الذين واجهوا بصدور عارية وإيمان قوي فلول الاستعمار ورموز الحكم الفردي الاستبداد في سنوات الحديد والنار بعد الاستقلال، من ضمنهم عبد الرحمان ماسين ومحمد جابري وعزوز محامدي وأحمد العراقي.. (سنأتي على ذكر كافة المكرمين في عدد لاحق). وفي كلمة الكتابة الاقليمية بمكناس قال محمد إنفي: «... وما كان لجهة مكناس تافيلالت أن تعرف ما عرفته من أحداث مؤلمة ، ومآس قاسية ، لو لم يكن الاستبداد قد بسط نفوذه على كل مناحي الحياة ، وجعل من القهر أسلوبا لتدبير العلاقة مع المواطنين...» وكانت لحظة وفاء حقا عندما شرع في المناداة على شموع المقاومة المغربية واحدا واحدا ، الذين بفضلهم استنشقت بلادنا رائحة الحرية والانعتاق من بطش المستعمر .. وكانت لحظة وفاء من الاتحاد لشهداء الوطن وأخونا الكاتب الأول يكرم العائلات في جو حميمي تخطى كل أدبيات التنظيم الجاف وعانق دفء المحبة والوفاء (تفاصيل اللقاء في عدد قادم ). (...) إننا عندما نجتمع في يوم الوفاء فليس فقط لكي نعبر عن مشاعر وفائنا وإخلاصنا لأرواح شهدائنا الأبرار الذين استرخصوا أرواحهم من أجل الحرية والديمقراطية وسقطوا في درب النضال بمنتهى الشجاعة ونكران الذات. وليس فقط من أجل أن نقيم لشهدائنا الحداد الوطني اللائق بتضحياتهم الغالية. وليس فقط من أجل أن نتصالح مع ذاكرتنا النضالية الجماعية. إن معنى الوفاء عندنا هو أبعد من الانحناء بخشوع أمام بطولة الاستشهاد، وأعمق من صدق الترحم على أرواح الشهداء، إنه في العمق وفاء الفكرة الاتحادية المتوهجة، ووفاء للمشروع الاتحادي الطموح، ووفاء للمسار الاتحادي الذي لازال يشق طريقه بإصرار. فكيف يمكن أن نكون اليوم أوفياء لشهدائنا الأبرار دون أن نستحضر المشروع المجتمعي الذي استشهدوا من أجله؟ ودون أن نجدد وفاءنا لهذا المشروع، ودون أن نجدد التزامنا بمواصلة النضال من أجل هذا المشروع؟ وما دمنا نتحدث عن المشروع، فلاشك أنكم سمعتم ببعض الدراسات والتقارير التي بدأت تبشر هذه الأيام بتوجه المغرب بخطوات واثقة نحو إرساء قاعدة اقتصادية صلبة تضمن استقرار البلاد وكسبها لتحدي اللحاق بالبلدان الصاعدة اقتصاديا. أن وفاءنا العميق والراسخ أيها الإخوة الأعزاء، هو بالضبط هو ما يجعلنا اليوم نرى أن هذا الأفق الواعد يستلزم منا فضلا عن مراجعة شاملة لسياساتنا العمومية، تصالحا جريئا مع تاريخنا المعاصر، واعترافا شجاعا برصيد قادتنا التاريخيين الأفذاذ الذين وضعوا منذ فجر الاستقلال لبنات الإقلاع الاقتصادي المغربي، الذي كان من شأنه أن يجعل من المغرب دولة ناشئة وقوة إقليمية لولا الانقلاب على المسار التنموي الديمقراطي ونهج سياسة الإقصاء والقمع والتخلف. واليوم، فإن تشبيه البنك الدولي للقفزة الاقتصادية المغربية بالنموذج الاقتصادي لدول جنوب شرق آسيا، هو في اعتقادنا تشبيه متأخر، لأن المغرب سبق أن عرف بداية قفزة تنموية حقيقية منذ أكثر من نصف قرن، وذلك في إطار تفعيل المشروع المجتمعي الاتحادي الذي تم إجهاضه قبل اكتمال ملامحه وإنتاج ثماره. في يوم 1959/6/6 صدر بلاغ عن الديوان الملكي مفاده أن محمد الخامس استقبل بعثة خبراء عن صندوق النقد الدولي بمحضر نائب رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد الوطني والمالية عبد الرحيم بوعبيد، وقال الملك: إن منصب تسيير الاقتصاد الوطني والميزانية ليس بالمنصب الهين، لأنه يشتمل على مسؤوليات جسام تقبل السيد بوعبيد تحملها بشجاعة مثالية، وقام بمهمة تحرير الاقتصاد الوطني من التبعية، حتى أصبح اقتصادنا مستقلا بميزانية للتجهيز يتم تمويل أكثر من نصفها بالموارد المغربية الصرفة. لقد كان المشروع المجتمعي الاتحادي منذ بداية الاستقلال يروم بناء مجتمع متوازن ومتناغم يضمن العيش الكريم للشعب، سواء في البادية أو في المدينة. ولبلورة المشروع على أرض الواقع، كان لابد من توفير على الأقل شروط ثلاثة، كما جاء على لسان المهدي بن بركة. هذه الشروط هي التدبير المقاولتي، والذي يقابله بلغة العصر الحكامة، والتخطيط الذي يمكن ترجمته بالاستراتيجية، وأخيراً المشاركة الديمقراطية للشعب في إنجاز المشروع وبناء المجتمع الجديد أو ما يعبر عنه اليوم بالديمقراطية التشاركية. هناك شرط رابع يتعلق بتكريس السيادة الوطنية وتعزيزها على جميع الأصعدة، لأنها شرط عين لبناء مجتمع متطور. والملاحظ أن الدول الناشئة والمختزلة في الكلمة اللاتينية «بريك» أي برازيل وروسيا والهند والصين، هي دول عرفت كيف تحافظ على سيادتها الاقتصادية. وتعتبر الصناعة في الدرجة الأولى بجانب الفلاحة الركيزتين الأساسيتين لهذا المشروع. وقد لاحظ المهدي بن بركة أن نجاح التصنيع رهين بانعتاق البادية وبالمجهودات التي كان من المفروض أن تبذل لتأهيل العالم القروي. وأدرك مبكراً أهمية العالم القروي في حسم الصراع على السلطة. فإذا كانت الحركة الاتحادية مقتنعة بضرورة العمل على جعل هذا العالم إحدى القاطرتين المعول عليهما لإخراج البلاد من التخلف، فإن خصومه كان لهم رأي آخر، ذلك أنهم عملوا على تحييده، وذلك بعزله وحرمانه من أبسط حقوق الإنسان من تعليم وتطبيب وتوفير الشروط الأدنى للعيش كالبنية التحتية والكهرباء والماء الصالح للشرب. فهذا العالم القروي الذي يجسد المغرب العميق أو بلاد السيبة، كما يحلو للبعض، كان مهاباً لكونه، وكما قال المهدي بن بركة هو، من صنع تاريخ المغرب. ولقد كان على وشك استعادة المبادرة عن طريق جيش التحرير. فهذا العالم القروي الذي كما أشار إلى ذلك بن بركة، قضى الأربعين سنة من الحماية تحت نظام السجن الجماعي سيقضي الخمسين سنة ما بعد الاستقلال في عزلة تامة، ليكرس تخلف المغرب وتعمق الفوارق الاجتماعية والمجالية. ولازلنا اليوم نؤدي فاتورة هذه السياسة الخرقاء. لابد في هذا السياق أن نستحضر حكومة عبد الله ابراهيم التي يرجع الفضل إليها في وضع أسس الإقلاع التنموي وتنظيم الشأن الاقتصادي في المغرب، عبر ما كان يدعى آنذاك ب «السياسة التحررية الاقتصادية» التي سلكها المرحوم عبد الرحيم بوعبيد الذي شيد هياكل الاقتصاد المغربي كاقتصاد وطني تحكمه استراتيجية التحرر من التبعية. سينكب فريق فقيدنا الزعيم عبد الرحيم بوعبيد في إطار هذه الحكومة على إصلاح الحقل المالي والنقدي، وكان الهدف من فتح مثل هذا الورش المهيكل للاقتصاد والمنهجية المتبعة في إنجازه هو: تعزيز السيادة الوطنية من خلال التحكم في إصدار النقد وفصل العملة الوطنية عن الفرنك الفرنسي. مراقبة أو تأطير القرض لتمويل القطاعات التي تحظى بالأولوية، وعلى رأسها قطاعي الصناعة والفلاحة وتحريك عجلة التصدير. أما على مستوى المنهجية، فقد سلك بوعبيد مسلك التفاوض دون أي تنازل على ما هو جوهري. وفي هذا الصدد، استرجع المغرب البنك المركزي، وانسحب من منطقة الفرنك بطريقة حافظت على مصالحه العليا، وسهلت مسلسل الانتقال من اقتصاد تابع ومتكامل إلى اقتصاد متحرر متعاون. في نفس الوقت، خضع القرض الفلاحي إلى الإصلاح ليستجيب ومتطلبات تأهيل العالم القروي، وأنشئت مؤسسات مالية أخرى كصندوق الإيداع والتدبير والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي والبنك المغربي للتجارة الخارجية. وبعد أن كانت منطقة الشمال مندمجة اندماجاً كلياً في الاقتصاد الإسباني، كان لابد بعد الاستقلال، وبعد عملية توحيد العملة في مجموع التراب الوطني، أن يتم إدماج الشمال في الواقع الوطني المغربي، وهو ما كان يقتضي فك ارتباط المنطقة بإسبانيا بإدخال لإعادة إدماجها في الكيان الوطني المغربي من خلال برنامج طموح تجلى في توحيد العملة وسحب البسيطة من التداول في الشمال، وكذلك التوفر على بنية تحتية اقتصادية في الشمال تماثل ما في الجنوب كأداة للتنمية والتطور الاجتماعي. وهذه البنية تتطلب بناء الطرق الثانوية والطرق وتحسين الموانئ وإنجاز برنامج فلاحي يرمي إلى تشجير منطقة الشمال وحماية غاباتها واستصلاح الأراضي وتزويد سائر المدن والقرى بالماء والكهرباء وذلك بنفس الجهد الذي يتم بذله في الجنوب. والى جانب هذا كان يتعين إنجاز مشاريع اجتماعية ومرافق ضرورية، منشآت ومراكز طبية قروية ومدارس ابتدائية تقنية وثانوية. ويمكن القول إن الجهد المالي والتقني الموجه للشمال في ميزانية التجهيز (1958 / 1959) لم تحصل عليه أي منطقة أخرى في المغرب في مدة سنتين. حيث روعيت حاجيات الشمال وأعطت الحكومة للمنطقة أسبقية وأولوية بالنسبة لنواحي المغرب الأخرى. لقد تنوعت أوراش الإقلاع الاقتصادي ضمن المشروع النهضوي الاتحادي. ففي القطاع الصناعي، تم إنشاء قطاع عمومي يلعب دور المحرك وقوة الدفع: المركب الكيماوي بآسفي، معمل الصلب والحديد بالناظور، إنشاء وحدات صناعية من أجل تركيب و صناعة الشاحنات (اتفاقية المغرب. بيرلي) وتركيب الجرارات وصناعتها (اتفاق لابوريي) إنشاء وحدة صناعية العجلات اتفاقية جنرال طاير( صناعة مركب للوحدات النسيجية منها وحدة كوفيطس بفاس) إنشاء محطة لتكرير النفط بالمحمدية (سامير). والتي كانت ربما أول محطة للتكرير في بلد من العالم الثالث (اتفاقية ماطيي) اتفاقية في طور الإعداد لتركيب وصناعة السيارات (سوماكا) إصدار ظهير منظم للبحث واستغلال باطن الأرض، تأميم مناجم جرادة. تأميم الشركة الشريفة للبترول الخ. وكان مكتب الدراسات والمساهمات الصناعية هو الذي تكلف بالدراسات والسهر على التنفيذ المادي. ولا سيما ما يخص التمويل وتكوين الأطر المغربية. في القطاع التجاري: تنويع الصادرات والتراجع الواضح لتبعيتنا إزاء سوق منطقة الفرنك (انتقلنا من %80 الى %40) تأميم استيراد الشاي والسكر (المكتب الوطني للشاي والسكر) بدء العمل بتعريفة جمركية جديدة مع التوجه نحو حماية المنتوجات الوطنية. في قطاع القروض والعملة: هناك تأميم بدون تعويض لمؤسسة الإصدار (بنك المغرب) إنشاء بنك وطني للتنمية الاقتصادية مخصص لتمويل المشاريع الصناعية الواردة في المخطط الخماسي، إنشاء بنك للتجارة الخارجية من أجل تشجيع الصادرات والسهر على تنفيذ تنويعها نحو أسواق جديدة، كذلك خروج المغرب من منطقة الفرنك وإنشاء العملة الوطنية الجديدة (الدرهم). حيث أن احتياطاتنا الخاصة من العملة الأجنبية كانت تسمح لنا. في سنة 1960 بالصمود لمدة ستة أشهر. ثم إنشاء الصندوق الوطني للإيداع والتدبير المخصص لجلب جزء كبير من الادخار وتوجيه ما تراكم نحو القطاعات المنتجة المنصوص عليها في المخطط الخماسي. في قطاع الإنتاج الفلاحي: الإصلاح الزراعي عبر استعادة أراضي المعمرين (مليون هكتار) وأراضي الملك العقاري والحبوس (حوالي مليون هكتار)، وخلق وحدات التعاون والإنتاج. انطلاقا من الأراضي الجماعية بمساعدة مالية وتقنية من الدولة، تطوير القطاعات المسقية بهدف الوصول الي مليون هكتار مسقية (المكتب الوطني للسقي) ولأول مرة ثبت أن الشمندر مادة ذات مردودية. ومن هنا جاء مشروع إنشاء وحدات للتكرير والتصفية. ومن أجل وضع حد للمضاربات المحمومة حول أراضي المعمرين. تم إصدار ظهير يمنع في غياب ترخيص مسبق من الحكومة أي عملية عقارية بين شخص مغربي وشريك متعاقد أجنبي. لم يكتب لهذا المشروع الشامل والطموح الذهاب أبعد من الإصلاحات المشار إليها أعلاه، ففوت على المغرب موعده مع التاريخ. وهكذا سنوات بعد توقيف هذا الورش قامت الدولة بما يمكن تسميته بإصلاح مضاد على أساس مراجعة الأولويات. في هذا الصدد أعيد النظر في مكتب الدراسات والمساهمات الصناعية وأصلحت بورصة الدارالبيضاء كما أعيدت هيكلة صندوق القروض العقارية ليتحول إلى سياش. وهكذا فما أن تم الشروع في تنفيذ الخطة الإنمائية الخمسية التي أعدتها (1960- 1964) والتي كانت ترمي إلى الدخول بالمغرب في مرحلة «ما بعد التخلف والتبعية». في أفق بناء اقتصاد وطني متحرر ذي اتجاه اجتماعي اشتراكي. حتى اشتد الضغط على محمد الخامس فأقال هذه الحكومة. على مضض وبعد تردد طويل (26 ماي 1960). فتولى بنفسه، اسميا، رئاسة الحكومة التي أسند فيها منصب نائب رئيس الحكومة إلى ولي العهد آنذاك. المرحوم الملك الحسن الثاني. وقد تبع ذلك سلسلة من الإجراءات والتغييرات في مراكز الإدارة والمؤسسات العمومية وشبه العمومية أبعدت ما تبقى من العناصر المنتمية للحركة الوطنية داخل الإدارة المغربية بمختلف مستوياتها. إن القوى الاستبدادية والتقليدية التي كانت تخشى أن يودي تسريع وتيرة تنمية المغرب وتحديثه إلى تفكيك البنيات الاجتماعية التقليدية. هي التي سارعت إلى إجهاض الثورة الاقتصادية الأولى في المغرب. وها هي اليوم قوى الارتداد الاجتماعي والرجعية الثقافية تسعى جاهدة لإتلاف الرأسمال البشري وتعطيل قوته تمهيدا لإجهاض الثورة الاقتصادية الثانية. اليوم بالفعل. يمكن للمغرب أن يحقق ثورته الاقتصادية. فالمقومات التي يملكها توفر له إمكانات واسعة لزيادة الإنتاجية وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي والتفعيل الأمثل لرأسماله البشري والاجتماعي الذي يعتبر من أكبر وأغنى ثروات البلاد. لكننا نعتبر كذلك أن الرأسمال البشري اللامادي في غياب الحرية والكرامة يصبح عديم الجدوى وعالة على نفسه وعلى بلاده. ونحن نرى مع الأسف أن الثروة اللامادية الحقيقية. ثروة الطاقات الخلاقة والمواطنة الواعية المسؤولة. ثروة العزة والكرامة. ثروة المغاربة الأحرار. المغاربة المحتررين من قيود الوصاية البليدة. هو آخر شيء يمكن أن تهتم به هذه الحكومة. وهو شرط لا يدخل ضمن رؤية هذه الحكومة. ببساطة لأن «الحكومة العميقة» الحكومة البيجيدية الرجعية هي أصلا ضد الحرية وضد الكرامة وضد المواطنة. فنحن إذا لا يمكن أن نستبشر بأي إقلاع اقتصادي ونهضة تنمية في ظل حكومة تجهز على قوت المغاربة وفي ظل حكومة تنتهك حريات المغاربة. وفي ظل حكومة مرتبكة عاجزة وفاقدة لبوصلتها الدستورية. لذلك، فإن الوفاء اليوم هو وفاء من أجل أن يسترجع المشروع الاتحادي المبادرة، ومن أجل أن تواصل القافلة الاتحادية طريقها بإصرار. تجديد العهد في لحظة الوفاء رغم عدم قدرته على الحضور في الاحتفالات بذكرى»يوم الوفاء» التي أحياها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مساء الأربعاء بمكناس، احتفاء بذكرى شهداء الحزب وتكريما لعدد من رموز المقاومة وأعضاء جيش التحرير، لبى الكاتب الإقليمي السابق بآزرو الأخ عبد الرحمان حرمة الله وغيره من المناضلين وعائلات المناضلين الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن الكرامة والقيم السمحاء والحرية والعدالة وناضلوا من أجل أن نعيش في وطن حر ومجتمع ديمقراطي، نداء رفاقه في درب النضال وجدد العهد، وهو طريح الفراش، من أجل مواصلة النضال على نفس النهج الذي رسمه شهداء الحزب حتى اقتلاع جذور الرجعيين والظلاميين والمرتدين المتربصين بالحزب ومناضليه وبهذا الوطن، منوها بما حققه الاتحاد الاشتراكي وهو يدافع عن الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، موضحا في اتصال هاتفي بالجريدة، قائلا» من يدافع عن الحق لا يخاف من نقنقة الضفادع التي تسبح في ماء عكر ومتسخ». كما كانت المناسبة بأن ينتقد زعيم الشعبوية الذي يحاول عبثا أن يخوف هذا الشعب بالتماسيح والعفاريت، معلقا، «أنه لا ينجح أبدا في جر هذا الشعب إلى المستنقع الأسود والمتسخ تحت يافطات الإسلام، والإسلام بريء من كل ما يلصق به من أكاذيب وفتاوى الصادرة من طرف بنكيران وبطانيته التي أبانت عن فشلها لا في تسيير شؤون الأمة فقط، بل حتى في خطاباتها البهلوانية التي صار العالم يهزأ منها وهذا يشكل خطرا على الدبلوماسية المغربية ووحدة ترابه... وفي سياق متصل أكد حرمة الله، «أن التاريخ يحتم علينا مواصلة النضال حتى تنكسر كل القيود الظالمة التي تحاول عبثا طغمة الضبابيين أن تكمم أفواهنا كي تمرر كل أكاذيبها، وبذلك تضرب الدستور في العمق من أجل المزيد في وتفقير هذا الشعب برفع الضرائب على الطبقات المتوسطة والفقيرة وضرب القوة الشرائية والمزيد من الاقتطاعات والضرائب اعتقادا منها أنها بهذا العمل الدنيء يمكن لها أن تركع الجميع أمام أنصار» اردغان»، لكن لن يركع هذا الشعب المناضل الأصيل المتماسك مادام حزب القوات الشعبية يرفع راية النضال والتضحية عالية حتى يقتلع كل جذوع الرجعية والظلامية من هذا الوطن. مشاعر الوفاء تقاسمها الأخ إدريس لشكر في هذا اليوم مع الحضور، ليس وفاءا فقط لأرواح «الشهداء الأبرار» الذين استرخصوا أرواحهم من أجل الحرية والديمقراطية وإنما هو وفاء للمشروع المجتمعي الاتحادي «الطموح» الذي كان، منذ بداية الاستقلال، يروم بناء مجتمع متوازن ومتناغم يضمن العيش الكريم للشعب المغربي، مذكرا، بالإنجازات التي حققتها حكومة التناوب والأوراش التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة في مختلف المجالات، قبل أن يتحدث عن عجز الحكومة وإخفاقها، معتبرا اختياراتها باللاشعبية أجهضت كل المشاريع التنموية وأقبرت الاختيار الديمقراطي.