أعاد محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، خلال حفل تتويج الفائزين بجائزة بلند الحيدري للشعراء الشباب، في دورتها السادسة المغربية نسيمة الراوي والتونسي محمد العربي، عقارب الساعة إلى الوراء وتحديدا إلى الزيارات الأولى للشاعر العراقي الكردي بلند الحيدري إلى أصيلة وإلحاحه الدائم عليه بإحداث جائزة للشعراء الشباب يكون منبتها أصيلة التي شكلت وطنه اللانهائي بعد أن احترق بلهيب الاغتراب والمنفى، فكانت شرارة هذا اللهيب صداقة عميقة بشاعر لا يقل موهبة، نسجت أوصالها بهذه المدينة هو الشاعر الكونغولي تشيكايا أوتامسي، وهو ماجعل مدينة أصيلة تحفظ لهما جميل الود بإنشاء حديقتين باسميهما، وفاء لروحيهما وروح الشعر التي سكنتهما. واعتبر بن عيسى أن الراحل الحيدري، ورغم مجايلته لشعراء الحداثة العربية من أمثال البياتي وأدونيس وأحمد عبد المعطي حجازي، فإن الحيدري، يضيف بن عيسى، لم ينل حظه من الاهتمام. وعن المعايير التي اعتمدتها لجنة التحكيم لاختيار الفائزين، عبر الشاعر البحريني علي عبد الله خليفة رئيس اللجنة أن هذه المهمة شكلت بالنسبة إليه فرصة لجس نبض حركة وحيوية الشعر العربي الحديث، معتبرا أن التأسيس لهذه الجائزة تأسيس ذو مغزى مادامت حركة الشعر هي القلب النابض لحركة الفكر والثقافة، ومكانته في العالم العربي. وأشار خليفة إلى أن الجائزة تسعى أيضا إلى مصالحة الشباب العربي مع لغته التي اعتبرها مستهدفة بعد تغول اللغات العامية في العديد من الأقطار العربية، مقدما مجموعة من التوصيات التي خرجت بها اللجنة من أجل الاسترشاد بها في الدورات القادمة. بدوره تحدث الأستاذ شرف الدين ماجدولين، منسق الجائزة، عن الشاعر بلند الحيدري معتبرا أن الجائزة التي تحمل اسمه تستعيد تجربة شاعر ترجمت حياته بشكل بليغ تناغما وتطابقا بين وضعه كشاعر ووضع الشعر عموما، واصفا إياه ب» الشريد، المنفي، الهامشي الذي يعيش عزلة تشبه وضع الشعر الذي بات الجنس الابداعي المعزول في الوجود كمعنى حقيقي»، مضيفا أن الجائزة جاءت لتجاوز وضع الهامشية هذا ورد الاعتبار لقيمة الشعر والشاعر. وأضاف ماجدولين أن الجائزة تشق أفقا يتم ضمنه احتضان هذا الفن للتصالح مع الذات وتجاوز وضع غير ثقافي، وكذا لوضع مسألة التفاضل بين الأجناس جانبا وفسح المجال للقول الشعري ليحقق امتداده باعتباره التراث الذي يضمن هويتنا الثقافية. وعن حيثيات اختيار الفائزين، أشار شرف الدين إلى أن لجنة التحكيم اطلعت على جميع الحساسيات الشعرية والهويات المرشحة، متبنية خيار الانتصار للأعمق، بعيدا عن أي شوفينية أو انحياز لأفق جغرافي أو معرفي معين، مشددا على أن الجائزة وجدت لتجاوز هذه الهويات الضيقة نحو هوية مشتركة هي هوية المعنى. وقد تم خلال حفل التتويج أيضا، عرض ورقتين نقديتين تناولتا تجربة الشاعر الراحل بلند الحيدري قدمهما كل من الشاعر المهدي أخريف والشاعر اللبناني شوقي بزيع، حيث اعتبر أخريف أن الحيدري أحد رواد القصيدة الحداثية العربية لكنه اختط لنفسه طريقة خاصة من حيث الصنعة الشعرية والبساطة والتقشف في اللغة والذي لا ينتقص من قيمة ما أنتجه، متوقفا عند بعض دواوينه التي سجلت انتقالا بين مرحلتين وعالمين في الكتابة، أشرت عليهما مرحلة توقف اختياري، معتبرا أن عمله «حوار عبر الأبعاد الثلاثة» أهم إنجاز شعري في تجربته الإبداعية. في حين لامس الشاعر اللبناني شوقي بزيع، العناصر التي أثثت فضاء الحيدري الشعري، متوقفا عند مراحل وأحداث مفصلية كان لها بالغ الأثر على مساره الشعري، رؤية وأسلوبا، كمرحلة الطفولة واليتم والاغتراب والحرمان والاحساس بالتهميش بسبب انتمائه العرقي الكردي، ما ولد لديه حسا احتجاجيا وتمردا عالي التوتر، وشعورا دائما بالغبن والاضطهاد. ووقف بزيع عند العديد من الخصائص الجمالية في تجربة الحيدري، وأولها اللغة التي تأتي على قدر المعنى وبدون إفاضات، لغة تنأى عن القوالب المقعرة أو الاستعصاء، بالإضافة إلى عنصر البتر في قصائده كإحالة على الحياة المبتورة التي عاشها، مشيرا إلى أن بلند شكل حالة خاصة في الحداثة الشعرية العربية أبعدته عن الإطناب الرخو وقربته من أسئلة العالم التي واجهها بسخريته السوداء. وفي تصريح للجريدة، اعتبرت الفائزة بجائزة بلند الحيدري هذه السنة نسيمة الراوي أن» الجائزة تعني لي الكثير، نظرا للقيمة العلمية للجنة التحكيم بتاريخها النقدي والأدبي وهو ما يمنحها رمزية خاصة». يذكر أن اللجنة ضمت أيضا في عضويتها كلا من الشعراء: محمد بودويك، محمود عبد الغني، مزوار الإدريسي من المغرب، مهى عتوم من الأردن وآمال موسى من تونس.
نسيمة الرواي: شاعرة وروائية مغربية، عضو بيت الشعر بالمغرب، وعضو حركة شعراء العالم بالشيلي. حائزة على جائزة طنجة الدولية لسنة 2012. من إصداراتها الشعرية: «شغب الكلمات»، «مراتيج باب البحر»، « قبل أن تستيقظ طنجة»، «تياترو سيرفانتيس»، لها قيد الطبع ديوان «على حافة سطح».
محمد العربي: شاعر تونسي ينشر نصوصا شعرية وقصصية في صحف ومجلات تونسية وعربية. ترجمت نصوصه الى العديد من اللغات: الفرنسية، الإنجليزية، الفارسية، الكردية. حائز على جائزة بيت الشعر التونسي ل2014. من أعماله الشعرية: «حتى لا يجرك العطر» «القتلة مازالوا هنا».