مداخل متعددة هي، تلك التي يمكن من خلالها الولوج إلى مرابع الجمال في الدورة الجديدة لمهرجان أبوظبي للسينما (الدروة الثامنة - 23 أكتوبر / 1 نونبر 2014). ويمكن تصنيفها بين مفاجآت قيمة الأفلام المختارة لمسابقات جوائز المهرجان، التي بعضها يفتح للمتتبع كوات اكتشاف مبهرة على ثقافات سينمائية جديدة صاعدة (خاصة بآسيا). وبين جميل الإهتمام بذكرى تجربة المخرج الفرنسي العالمي (آخر كبار سينمائيي فرنسا حتى الآن) فرانسوا تريفو، من خلال فقرة "البرامج الخاصة" (وهي فكرة غير متعودة من مهرجانات السينما العربية) الذي برمجت له 7 من أجمل أعماله، التي ليس أقلها رائعته " 400 ورطة" و "الميترو الأخير" . ثم عرض مجموعة من الأفلام العالمية الخالدة، ضمن ما أطلق عليه "كلاسيكيات مرممة" التي من أجملها فيلم "ثائر بلا قضية" للمخرج الأمريكي نيكولاس راي وبطولة جيمس دين الذي توفي صغيرا في حادثة سير عبثية، وهو الفيلم المنتج سنة 1955، ثم الفيلم التحفة للرائع الراحل الإيطالي سيرجي ليوني "حفنة دولارات" بطولة كلينث إستوود. وكذا محور "السينما العربية في المهجر" الذي يعتبر لفتة ذكية، كونه يقارب موضوعة آنية في الذائقة الفنية للإنتاج السينمائي المنتج في سماوات ثقافية مختلفة وأجنبية، مما يجعل من الصعب تصنيفها بالإطلاق ضمن "السينما العربية". ولقد انتبه إلى ذلك بدربته النقدية، وعمق ثقافته السينمائية، الباحث العراقي انتشال التميمي (مدير البرمجة العربية بالمهرجان)، حين قال: "نعلم جيدا صعوبة تأطير هذه الأعمال بالتسمية الفضفاضة والملتبسة بعض الشئ، حيث لا ينطبق مفهوم الهجرة على جميع مخرجي هذا البرنامج" مصنفا إياهم بين المنفي لأسباب سياسية وبين المولود هناك من أبوين عرب، وبين المهاجر للدراسة قبل أن يسنقر نهائيا هناك، فأنتجو ما أسماه انتشال " أعمال تتلاقح التجربة التي اكتسبوها في موطنهم الجديد مع جذورهم الثقافية التي ترفد مخيلتهم وتضفي عليها طعما فريدا". قبل الوصول إلى برنامج المسابقات الذي يميز عادة كل مهرجان للسينما، حيث تعرض آخر الأفلام المنتجة الجديدة. ولعل من أجملها التي عرضت حتى الآن، الفيلم الأردني "ذيب"، الذي هو، بدون تردد، لحظة انعطافة في كل منتوج السينما الأردنية. أبوظبي (التي أحضر مهرجانها لأول مرة)، حكاية مختلفة ثقافيا وسلوكيا في الخليج العربي. هنا تستشعر ذات هدوء المدن العواصم، تلك التي لا تتثقل نفسها بأن تكون عاصمة لكل شئ (السياسة والإدارة والإقتصاد والإعلام والفن، مثل ما يحدث مثلا في ضجيج القاهرة). بالتالي، فأبوظبي غير دبي، المدينة المصطخبة بسؤال الإقتصاد. هنا، عند جزرها المتعددة أمام الشط الإماراتي الممتد، حتى تكاد أن تكون المدينة مدينة أرخبيل جزر رائقة، تمة إحساس آخر بالزمن وبسؤال الثقافة مختلف. ومعنى الإختلاف هنا، أنه يصيغ قلقه وشغفه بهدوء ورصانة ويقين، مما يغني من تعدد وجوه الإمارات الثقافية والتعبيرية، لأن روح المكان في العين مثلا، وفي الشارقة، غير ذاك التي تلتقيه فرحا في أبوظبي أو دبي، وهذا عنصر غنى يصنع قدره الجديد ثقافيا، هنا بالخليج العربي، يستوجب جديا مقاربة إعلامية وثقافية وأكاديمية جديدة. من هنا معنى ما تستشعره من إحساس برغبة الناس هنا، في ابتكار أساليب متجددة لصناعة الأثر الثقافي، الذي بدأ ينتج صوته المتميز، في مجالات عدة، في مقدمتها السينما والتلفزيون والغناء. لأنه من خلال بعض من الأفلام السينمائية المنتجة من قبل مخرجين إماراتيين شباب بدربة فنية مفحمة وبمواضيع جريئة على مستوى لغة السينما (مثل فيلم "من ألف إلى باء" لعلي مصطفى)، يسشعر المرء أن العمل المنجز خلال العشرية الأخيرة، للتعلم من العالم، عبر بوابة تنظيم مهرجانات سينمائية بمقاييس دولية في دبيوأبوظبي، قد بدأ يطرح غلته بين أبناء البلد، بأصوات متعددة، سواء نسائية أو ذكورية. وهذا مكسب ثقافي تاريخي غير مسبوق خليجيا. ولعل الأجمل في ذلك أن الأمر يتم بتواضع وهدوء ورصانة، وبدون بهرجة ادعاء، بل بيقين التعلم فقط. المشاركة المغربية، ضمن الدورة الجديدة لمهرجان أبوظبي للسينما، لسيت مشاركة منافسة، بل يكاد المرء أن يجزم أنها مشاركة عادية، إذا ما قيست بقيمة وحجم باقي المشاركات السينمائية سواء الأردنية أو التركية أو الإيرانية. وهذا يترجم في مكان ما، الصمت الفني (العادي بمنطق الزمن الإنتاجي) الذي دخلته السينما المغربية في معانيها المبدعة، خلال السنة الماضية. صحيح هناك أفلام عدة منتجة، لكنها ليست حدثا مثل الذي صنعته أفلام نور الدين الخماري أو محمد مفتكر أو أحمد المعنوني أو حسن بنجلون أو محمد العسلي وغيرهم كثير خلال السنوات الأربع الماضية. لكن الحضور المغربي هنا في أبوظبي، قوي أكثر في لجن التحكيم، من خلال ترأس المخرجة المغربية، إبنة طنجة، فريدة بليزيد، للجنة تحكيم الفيلم الإماراتي (وهي لجنة مهمة جدا هنا، لأنها مجال لاكتشاف منتوج بكر غير معروف عندنا مغربيا كثيرا). ومشاركة المخرجة المغربية ليلى الكيلاني عضوة ضمن لجنة تحكيم مسابقة "آفاق جديدة"، ومشاركة المخرج المغربي داوود أولاد السيد المراكشي ضمن لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية. فيما لا تتجاوز المشاركة المغربية في مسابقة جائزة الأفلام الطويلة، فيلما واحدا، هو فيلم "حمى" للمخرج الشاب هشام عيوش، الذي كتبت عنه من قبل مقالات عدة انتقادية من قبل متتبعي السينما المغربية، تجعل اليقين يترسخ (بدون حكم مسبق، لكن الواقع لا يرتفع) أنه ليس فيلما للمنافسة على الجائزة، وأنه مغامرة سينمائية قد تفتح الباب لمخرجه نحو أفق أكثر غنى وإبهارا في أعمال قادمة. مع حضور ضمن مسابقة الأفلام القصيرة ل 3 أفلام مغربية (بإنتاج فرنسي أو بلجيكي) هي: "جنة" لمريم العويسي، "أشباح في المصنع" لإبراهيم فريتح و"الرجل مع كلب" لكمال لزرق.