طنجة كبيرة، ليس فقط بتاريخها العريق والتليد، بل أيضا بما يصنعه أبناؤها من جميل المبادرات، حين تفلح لوحدها في نسج دروس الوفاء لذاكرة وسيرة بعض من أبنائها الكبار، في خطوهم بالتاريخ. وذلك ما فعلته مع الأخ عبد الرحمان اليوسفي، الزعيم التاريخي للإتحاد، ورجل الدولة الكبير، احتفاء بصدور مذكراته في أجزائها الثلاثة تحت عنوان "أحاديث في ماجرى"، التي حررها رفيقه في النضال الوطني والتقدمي مبارك (عباس) بودرقة. كانت قاعة أحمد بوكماخ الواسعة والعريضة، قد ضاقت بما وسعت من حجم الحضور الكبير، النوعي والوازن، مساء الجمعة 29 يونيو 2018، الذي تنادى لحضور ذلك اللقاء الإحتفائي، ترجمانا على المكانة التي يحتلها اليوسفي في الوجدان العام للمغاربة. ورغم طول ساعات اللقاء (أكثر من 3 ساعات)، بقيت كثافة الحضور كبيرة، منضبطة، منصتة ومتفاعلة. وهو الحضور، الذي سجل ضمنه، حضور لفعاليات ومواطنين من مدن الشمال، من تطوان حتى وزان. كثيرة هي الرسائل التي أعلنت عن نفسها في تلك الإحتفالية الكبيرة، التي نظمها مسرح بوكماخ بالتنسيق مع هيئة المحامين بطنجة وبيت الصحافة بها، وفعاليات محلية متعددة، في مقدمتها الكلمة الدالة والعميقة التي ألقاها عبد الرحمن اليوسفي، تحية وفاء منه لطنجة، التي صنعته وجدانيا ومعرفيا وإنسانيا، وحتى سياسيا (هناك اكتشف لأول مرة شعارات الأممية الإشتراكية، في الشارع العام، حين كان يرفعها مناضلوا الحركة اليسارية الإسبانية زمن الحرب الأهلية ما بين 1936 و 1939. أنظر نصها الكامل ضمن هذا العدد). وكذا الكلمة البليغة والحميمية، التي أصر على إلقائها وزير العدل المغربي محمد أوجار، التي كانت رفيعة في مبناها، سامية في مقاصدها، وعميقة في ما قدمته كمثال لثقافة الإعتراف من موقع الإختلاف السياسي الحزبي مغربيا. لأنه مع كلمة أوجار، الذي تسامى وانتصر، هو الدرس المغربي، ذاك الذي يقدم للعالمين، معنى أننا نشترك في السقف الوطني، وأننا نمارس السياسة من مواقعنا المختلفة، بأخلاق. ففي تلك الكلمة، كان تمة تشريح مدقق لتجربة التناوب، التي قادها اليوسفي، وكيف كان الرجل صارما، صرامة قائد الفريق، في أمرين: النزاهة ونقاء الذمة لكل وزرائه، وتقديس قيمة العمل وإعلان شأنه. وأن الرجل لم يلعب فقط دورا حاسما في الإنتقال الديمقراطي، بل في الإنتقال السياسي للملك، لم يحدث أبدا بذلك التطريز الدقيق، مثلما حدث مع اليوسفي. كان بوح أوجار بليغا، نوعيا وغير مسبوق، برز من خلاله الرجل كفاعل سياسي مغربي، من طراز وطني رفيع، من الجيل المغربي الجديد. كانت الزميلة، إيمان إغوثان، الصحفية المتألقة بقناة ميدي آن تيفي، محترفة في تقديم وتنسيق فقرات ذلك الحفل الكبير، الذي تتابعت فيه المداخلات والعروض ولحظات التكريم، بشكل سلس رفيع. وظلت القاعة تتفاعل وجدانيا وإنسانيا، مع تلك الفقرات، تبعا لما ظلت تحدث من أثر في وعيها وانتباهها، وكثيرا ما كانت رسائل ذلك التفاعل غنية ونافذة. إذا كانت كلمة وزير العدل أوجار «مسك الختام» كما وصفتها الزميلة إغوثان، فإن أولها كان أيضا ممتعا على درجات عالية، المتمثل في تقديم شريط وثائقي مصور، كتب له السيناريو الأستاذ امحمد جبرون، الأستاذ الباحث المعروف بجرأته الفكرية ومواقفه الوطنية الرصينة. وهو الشريط، الذي أخد الحضور إلى قصة اليوسفي مع طنجة، وقصة طنجة معه، منذ الميلاد حتى لحظة إطلاق اسمه على واحد من أهم شوارعها، الذي هو الشارع الوحيد الذي دشنه العاهل المغربي محمد السادس شخصيا، بالمغرب، حتى الآن. وهو الشريط الذي تفاعل معه الحضور، من خلال الوقوف لدقائق ممتدة تحية لليوسفي ورفيقة دربه السيد هيللين اليوسفي، قبل صعوده إلى منصة الإحتفال. كانت أول الفقرات، هي مداخلات الأساتذة الباحثين الذين تم اختيارهم لتقديم أوراق تحليلية حول مثن تلك المذكرات، حيث توقف الأستاذ شوقي بنيوب عند السيرة الحقوقية لليوسفي، التي تعتبر مرجعا ليس فقط بالمغرب، بل في كل العالمين العربي والإسلامي. وأن الرجل يعتبر ممن نحتوا مفاهيم حقوقية خاصة بعالمنا العربي، تعتبر إلى اليوم المرجع التأسيسي لثقافة حقوق الإنسان عربيا. وأن كتاباته في هذا الباب تعتبر ذات قيمة أكاديمية جد رفيعة، اعتبرت السماد الذي أنضج شروط تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان واتحاد المحامين العرب وكذا كل الصيرورة الحقوقية بالمغرب، على مستوى إنضاج العفو العام السياسي سنة 1994 أو تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة وتحقيق العدالة الإنتقالية بالمغرب، كنموذج، تكاملت فيه الأدوار بسلاسة نادرة بالعالم، بين رئاسة الحكومة ومسؤولي تلك الهيئة الدقيقة الأدوار، الحاسمة في منح المغرب صورة مشرقة غير مسبوقة أمام العالمين. بينما توقفت مداخلة الأستاذ الطيب بياض، أستاذ التاريخ بكلية الحقوق عين الشق بالدار البيضاء، عند الدلالة التاريخية لقيمة المذكرات السياسية لأي زعيم سياسي، حين تتكامل فيها الشهادة السيرية مع الوثيقة. هنا نكون إزاء مذكرات موثقة، تصبح مرجعا في التاريخ، ومادة خام جد غنية لكل أجيال المؤرخين. وأنها تؤسس بذلك لحجيتها في تفسير الأحداث والوقائع. معتبرا أن المؤرخ عادة، ينتصر أكثر للتقاطع بين الشهادة والوثيقة التاريخية، وأن مذكرات اليوسفي، لخصت كثيرا الطريق لأي باحث مثله، من واجبه العلمي الحرص على الإنتصار ل «الحقيقة التاريخية» كما حدتث فعليا ك «واقعة في التاريخ». وهنا متعة قراءة مذكرات «أحاديث في ماجرى» بالنسبة له، التي يجب أن تكون مادة مغرية للأجيال الجديدة لقراءتها بغاية فهم ما جرى من تطورات تاريخية وسياسية بالمغرب الحديث، خاصة وأن أحداثها لا تزال طازجة وذات راهنية. لأنها مادة مصوغة بحس رفيع للنزاهة الفكرية، ومدركة لأهمية الوثيقة في التاريخ. وأنها في مبناها محتاطة جدا من السقوط في تمجيد الذات، بل حرصت على إنصاف الموضوع والواقع كما هو. مداخلة الباحث محمد خرشيش، الأستاذ بكلية الآداب بتطوان، تركزت حول التيمة الكرونولوجية لبناء المعنى السياسي من خلال صيرورة الأحداث السيرية لفاعل سياسي مغربي. وكيف أن تلك التيمة تخلق معناها الخاص، الذي يقدم تفسيرات عدة حول انعطافات حاسمة عاشها المغرب والمغاربة خلال القرن الأخير. وأن قيمة مذكرات اليوسفي، تكتسب راهنيتها من منطلق أنها تقدم الجواب حول قصة الحياة الشخصية وأيضا قصة الحياة العمومية للفاعل السياسي. وهما القصتان اللتان حين تتعاضدان تنتجان معنى سياسيا، حول الدور الذي يلعبه القائد السياسي في صيرورة وطنه، وأثره الرمزي على أبناء بلده. كونه يتحول إلى مرجع وإلى مثال إيجابي، وهذا مهم جدا. مداخلة الأستاذ لحسن العسبي، التي توقف فيها عند تيمة «الخطاب» كأداة سياسية عند اليوسفي، اعتبر أنه لا يمكن تمثل أهمية ما جاء في تلك المذكرات، دون الجواب عن سؤال «كيف أنضج الواقع المغربي رجل دولة وزعيما سياسيا مثل اليوسفي؟». أي كيف أصبح الرجل ما أصبحه انطلاقا من التربة والواقع الذي أفرزه. هنا ربط العسبي، بين أمرين: معنى أن يكون حظ اليوسفي أن يولد بطنجة، كفضاء استثنائي مغربي، عاش أهله فعليا مكرمة التعدد، والإنفتاح على مختلف التجارب الإنسانية عبر العالم، ما جعل اليوسفي يكبر على تربية عدم إصدار الأحكام الإطلاقية وعلى تنسيب المواقف والحقائق. وأنه بسبب من ذلك أصبح من القادة السياسيين بالمغرب وبالعالم، الذي كان الخطاب عنده «وسيلة سياسية» أي منظومة فكرية مفكر فيها، وأنه حرص دوما على كتابة كل خطبه بخط يده، مما يعني أنها خطب تصدر عن رؤية معرفية، وعن رؤية تحليلية مسنودة بالمعرفة والفكر. وهذا أمر نادر في المجال السياسي الحزبي المغربي، لأن الأمر يفرض على صاحبه زخما من القراءة متعددا ومنفتحا. ثم أنه ثانيا، يكاد يعتبر من القادة القلائل، لمغرب ما بعد صدمة الإستعمار، في القرن 20، الذي تحققت فيه فعليا مقولة غرامشي التي تقول ب «دور المثقف العضوي». فالرجل هو الوحيد من النخبة الوطنية المدينية الممتلكة لمعرفة أكاديمية جامعية عليا، الذي نجح في الإنخراط في الفعل الميداني العمالي النقابي وأيضا المقاوم المسلح. هنا تكمن قوة اليوسفي كقائد، لأن النظرية السياسية عنده مجربة في الواقع، وأن الواقع ينحتها ويصقلها. وهنا يكمن السر في ذلك الصمت الناطق الذي ظل يميز الرجل. فيما توقف مؤلف المذكرات مبارك بودرقة عند تفاصيل قصة إنجاز هذه المذكرات الهامة التي تعتبر اليوم مرجعا مهما لكل المؤرخين وعلماء السياسة والفاعلين السياسيين بالمغرب وبالخارج. كونها تقدم مادة خام تفسر الكثير من الانعطافات الكبرى التي عاشها المغرب خلال السبعين سنة الأخيرة.مؤكدا أنه بدل مجهودا كبيرا لإقناع اليوسفي بالبوح. مستعرضا المراحل التي قطعها في تحرير وإنجاز وإخراج تلك المذكرات. توالت بعد ذلك الشهادات، المقرونة بهدايا تكريمية، شملت مؤسسة أحمد بوكماخ وهيئة المحامين بطنجة وعمادة المدينة وجهة طنجة – تطوان – الحسيمة ونائب المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير وبيت الصحافة وغرفة التجارة والصناعة. وهي الشهادات التي أجمعت على سمو المبادرة التكريمية، واتفقت جميعها على أن ما يرمز إليه الأستاذ اليوسفي، بسيرته النضالية والسياسية، يرقى إلى مصاف رجال الدولة الكبار. مع تسجيل أن كلمة كل من هيئة المحامين بالمدينة، قد توقفت عند القيمة الحقوقية للرجل، مقدمة له هدية عبارة عن لوحة ببدلة المحاماة مديلة بالمرجع القانوني الذي تم من خلاله تعيين اليوسفي محاميا بطنجة يوم 17 أكتوبر 1952، وكذا التوقف عند مرحلة انتخابه نقيبا للمحامين بها ما بين 1959 و 1962. بينما توقفت كلمة الأستاذ محمد جبرون (الذي كانت له أياد بيضاء كثيرة في نجاح تنظيم تلك التظاهرة الإحتفائية الكبيرة)، عند القيمة السلوكية لرجل دولة من قيمة اليوسفي، المتأسسة على قيم الأخلاق والنزاهة والكفاءة. وهو ذات اليقين الذي ذهبت إليه كلمة عمدة المدينة (من موقعه كمسؤول بحزب العدالة والتنمية)، الذي أكد أن الجميع تعلم من ذلك القائد الإتحادي والوطني قيما سلوكية ذات أفق وطني بناء، وأن سيرته تشكل مرجعا للجميع. بينما اختار سعيد كوبريت رئيس بيت الصحافة بالمغرب، أن ينزع في كلمته صوب لغة شاعرية أسيانة، مرر من خلالها رسائل بليغة، حول معنى أن تمنح طنجة للمغرب رجلا من قيمة اليوسفي، الذي انتصر دوما للإيجابي في الفعل السياسي، بعيدا عن الضغينة أو تصفية الحسابات، وبعيدا عن المنطق السياسوي الفئوي، وبعيدا عن الحسابات الذاتية الضيقة، بل برحابة رجال الدولة، المنتصرين للأفق الإيجابي لبناء مستقبل الأوطان. ولقد سلمت للأستاذ اليوسفي عشرات الهدايا الرمزية القيمة، من ريشة ذهبية لبيت الصحافة، إلى مرآة مطرزة بالأرابيسك المغربي الأندلسي من عمادة المدينة، إلى لوحة تضم اليوسفي ورفيقة دربه السيدة هيللين مهداة من جهة طنجةتطوانالحسيمة، إلى لوحة فنية مبدعة من قبل مؤسسة أحمد بوكماخ، إلى رسم زيتي مهدى من قبل الأستاذ عبد العزيز النويضي، إلى شعارات وتذكارات وزارة العدل وهيئة المحامين. كان الحفل، الذي امتد لأكثر من ثلاث ساعات، بهيا، ما جعل اليوسفي، الذي قاوم تعب المرض وأصر على الحضور مخفورا بفريق طبي وبلوجستيك حمائي خاص، أشبه بعريس منتش ضمن عائلته وأهله، الأمر الذي جعل الأطباء يجمعون على أن الجانب النفسي حاسم في صلابة الإنسان.
كلمة عبد الرحمن اليوسفي مساء الخير أهلي.. مساء الخير طنجة.. مساء الخير لبيت الطفولة ومدرسة الشباب وطريق الوطنية ومكتب المحاماة، الذين تعلمت منهم الكثير. لا أجد الكلمات، لأعبر لكم عن سعادتي بتنظيم هذا اللقاء الإحتفائي بالأجزاء الثلاثة من مذكراتي التي أنجزها مشكورا أخونا مبارك بودرقة. ذلك أن المرء، حين تأتيه التحية من المكان الذي رأى فيه نور الحياة، وتعلم في فضائه أول أبجديات التربية، فإن لذلك معنى خاصا استثنائيا. فطنجة هي في مكان ما قرينة بصورة أمي، تلك المرأة الفاضلة، التي قاومت من أجل تربية أبنائها وواجهت صروف الدهر بكرامة وصلابة وعزة نفس. وطنحة بذلك هي أم رمزية لي أيضا. هنا يكمن معنى الفرح الذي وهبتموني إياه، في خريف العمر، أنتم أبناء طنجة من أجيالها الجديدة. ولن توفيكم أبدا كلماتي حقكم في الإمتنان والتحية والتقدير. هنا، في دروب هذه المدينة، صنع قدر حياتي إلى الأبد. هنا تعلمت معنى أن أنتصر للعدل وللحقوق في معناها الكوني الإنساني الشامل، لأن طنجة ظلت دوما مشتلا للتعايش بين مختلف أبناء البشرية، من مختلف القارات والثقافات والديانات. فهنا تفتح وعيي على مكرمة قبول الآخر، واحترام اختلافه عني واحترام خصوصياته الثقافية. هنا اغتنيت بالإنفتاح على تجارب سياسية وإنسانية جد غنية، منذ الثلاثينات من القرن الماضي. وهنا تعلمت لأول مرة شعارات الأممية الإشتراكية، التي كان يرفعها بصوت عال في الشوارع والساحات العمومية، مناضلوا الحركة اليسارية الإسبانية، أثناء الحرب الأهلية في الضفة المقابلة للمضيق. هكذا، ففضل طنجة علي، لا حدود له. طنجة عاصمة الديبلوماسية المغربية لقرون، طنجة أقدم موانئ المغرب على الإطلاق، طنجة مدينة الأسطورة الإغريقية وبطلها هرقل، طنجة إبن بطوطة أعظم رحالة العالم من المسلمين والعرب، طنجة أول عاصمة لميلاد الصحافة بالمغرب، طنجة العلامة عبد الله كنون، طنجة الروائي محمد شكري وطنجة الميناء المتوسطي اليوم. لهذا السبب، خصصت صفحات مستقلة ضمن مذكراتي، التي ليست سوى جزء من سيرتي، لهذه المدينة، ولما ترمز إليه ثقافيا وقيميا بالمغرب المعاصر والحديث. لأنه هنا، صنع جزء حاسم من تاريخ بلادنا. كون المدينة، ظلت دوما قلعة خلفية حمت الحركة الوطنية ورجالاتها الأفداد، وحمت حركة المقاومة وأبطالها، إلى جانب شقيقتها تطوان، حين كان يشتد ضدهما القمع في المنطقة الخليفية المحتلة من الإسبان أو في المنطقة المحتلة من الفرنسيين. مثلما أنها كانت قلعة خلفية لإخوتنا المغاربيين، خاصة من قادة جيش التحرير الجزائري. وليس اعتباطا أنها احتضنت المؤتمر المغاربي الوحيد لأحزابنا الوطنية المغاربية في أبريل من سنة 1958، الذي لا تزال قراراته ذات راهنية إلى اليوم. وهذا هو ما يضع على كاهل أبنائها من الأجيال الجديدة، مهمة تاريخية كبيرة للعب ذات الدور الذي ظلت تلعبه إيجابيا في تاريخها العريق. لقد ظلت طنجة دوما فضاء تجميع وفضاء تكامل وفضاء نسج الأسباب الإيجابية لخدمة المصالح العليا للمغرب وللمغرب العربي ولغرب المتوسط كله. إن مذكراتي التي أشكركم على الإحتفاء بها اليوم، غايتها محاولة إنصاف جزء من ذاكرتنا الوطنية والتقدمية والتحررية المغربية، كمدرسة للأجيال، أنضجها أبناء من تربة بلادكم، من صميم الحركة الوطنية ومن معمدان الحركة الإتحادية المناضلة. وهي الذاكرة التي تعتبر ملكا مشتركا لكل المغاربة بدون استثناء، سواء في الدولة أو في المجتمع، علينا جميعا أن نحسن قراءتها بإنصاف، وأن نستخلص منها الدروس الواجبة لحماية المستقبل المشترك لأبنائنا وبناتنا، مستقبل وطنهم المغرب. المستقبل الذي يبنى بالحوار الصادق المسؤول، وليس بالإستبداد بالرأي، بدولة المؤسسات والعدل والقانون، وبمكرمة تقديس العمل كقيمة تحقق التقدم والتراكم الإيجابي في تصالح كامل مع هويتنا الحضارية المغربية الغنية بتعدد روافدها، القوية بانفتاحها الدائم على مختلف التجارب الإنسانية والحضارية عبر العالم. فذلك واحد من أكبر الدروس التي تعلمنا إياه تاريخيا، ولا تزال، مدينة مثل طنجة. فشكرا لكم، في الختام، شكرا طنجة، والشكر موصول للأساتذة الذين شرفوني بحضورهم ومداخلاتهم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.