يمكن القول إن الجسم الصحافي والإعلامي، قد خطا خطوة جبارة، وهو يؤكد عزمه على إنجاح محطة التنظيم الذاتي للمهنة، وفاءً لتقاليد الصحافة التي ما إن أخذت في التطور، وأصبحت لها مكانة في المجتمعات الغربية المتقدمة، حتى ظهرت الحاجة ملحة لتبني مواثيق الأخلاقيات، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر، لتخرج إلى الوجود، بعد ذلك، في بداية القرن العشرين، المواثيق الأولى، في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية. أما في المغرب، فإن المبادرات الأولى في هذا الاتجاه، كانت قد اتخذت من طرف النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما أسس المرحوم، محمد العربي المساري، الذي كان يشغل منصب كاتب عام النقابة، لجنة من شخصيات بارزة في مجال الصحافة والكتابة والقانون، لصياغة ميثاق أخلاقي، وتنظيم ندوات حول هذا الموضوع. وفي بداية القرن الحالي، طورت النقابة هذه الفكرة، عندما أسست الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير، والتي تشكلت من ممثلي نقابة الصحافة وفيدرالية الناشرين وجمعيات حقوقية… وترأسها آنذاك الأستاذ مشيشي العلمي الإدريسي، وقد تبنت ميثاقا مفصلا لأخلاقيات الصحافة، كان ثمرة نقاش جماعي وموسع بين الصحافيين في الدارالبيضاء، سنة 2001، وأرست الأسس للتنظيم الذاتي للمهنة، الذي سار بعد ذلك في اتجاه العمل على قانون لإحداث مجلس وطني للصحافة. ومن المعلوم أن كل هذه المبادرات، كان لها تأثير إيجابي على الوعي بأهمية التنظيم الذاتي واحترام أخلاقيات المهنة، خاصة وأنها كانت نتاجا لمناقشات وندوات ولقاءات، في العديد من مدن المغرب، شارك فيها عشرات الصحافيين، في إطار المجهود المتواصل لتعميم مبادئ ما يسمى بالممارسات الفضلى في مهنة الصحافة. اليوم، دخلت الصحافة المغربية في مرحلة تاريخية جديدة، بتأسيس مجلس وطني للصحافة، يتولى الحرص على احترام الأخلاقيات، ويساهم في مشاريع اجتماعية لصالح المهنيين، ويمارس اختصاصات الوساطة والتحكيم، ويمنح البطاقة المهنية، ويقترح القوانين، وينجز دراسات وتقارير حول الصحافة والمقاولات المهنية… لذلك لا يمكن إلا أن نعتز بهذا العمل، الذي أنجزه الجسم الصحافي، الذي أكد نضجه وانخراطه القوي، في مسيرة الصحافة العالمية، التي أصبح شعارها الأول هو: «الصحافة الأخلاقية»، في مواجهة الصحافة السيئة، التي تنهش أعراض الناس، وتتخصص في السب والقذف، بهدف الابتزاز، وتصفية الحسابات، وخدمة أجندات اللوبيات المنفعية، في تخلٍ تام عن مسؤوليتها الاجتماعية.