في ما يلي أبرز خمس نقاط تثير تساؤلات حول الحكومة الايطالية الجديدة المؤلفة من حركة خمس نجوم الحديثة في الاوساط السياسية وحزب الرابطة الانفصالي السابق والذي تبنى توجها قوميا. ندد حزبا التحالف الحكومي بشدة باليورو وكانت مسودة برنامجهما الحكومي المشترك تتضمن خروجا محتملا من منطقة اليورو كما دافعا بشدة عن ضم باولو سافونا خبير الاقتصاد الذي يعتبر اليورو "سجنا ألمانيا" إلى الحكومة. الا ان ايا من الرابطة أو حركة خمس نجوم التي تخلت عن فكرة اجراء استفتاء بهذا الصدد باستثناء مؤسسها بيبي غريو، لا تؤيدان الخروج بصورة انفرادية من منطقة اليورو. وأظهرت عدة استطلاعات للرأي اجريت مؤخرا ان بين 60 و70% من الايطاليين يعارضون الامر. في المقابل، تعتبر الرابطة ان اليورو "تجربة اقتصادية واجتماعية خاطئة"، وتدعو الى سلسلة من الاصلاحات تفضي الى خروج بالتنسيق مع دول أخرى. الا ان برنامج الحكومة المشترك بين الحزبين والمعارض بشدة لاجراءات التقشف يمكن ان يثير توترا مع شركاء البلاد في منطقة اليورو. أدت البلبلة التي شهدتها الحملة الانتخابية ثم احتمال اجراء انتخابات جديدة في غياب تحقيق غالبية الى بعض التوتر في الأسواق المالية. كما أثار البرنامج المشترك غير التقليدي للحزبين تصعيدا ازداد بشدة مع احتمال خوض انتخابات مبكرة عند فشل المحاولة الاولى لجوزيبي كونتي في تشكيل حكومة. وتجاوز الفارق في نسب الفائدة الالمانية والايطالية على عشر سنوات 300 نقطة في مطلع الاسبوع في مقابل 130 نقطة قبل ثلاثة أسابيع قبل ان يعود الى التراجع مع استئناف المشاورات بين الحزبين. وكان اقترب في العام 2011 من 600 نقطة ما حمل رئيس الحكومة آنذاك سيلفيو برلوسكوني على الاستقالة. يؤكد زعيما حزبي التحالف لويجي دي مايو وماتيو سالفيني انهم يعتزمان تولي الحكم على مدى خمس سنوات. الا ان الغالبية التي يتمتعان بها ضيقة وهي 32 صوتا في مجلس النواب وبضع عشرات في مجلس الشيوخ كما ان المجلسين لهما السلطات نفسها. وسيتعين عليهما ضمان ولاء كل اعضاء حزبيهما في المجلسين حتى الذين لا ينظرون الى التحالف بعين الرضا. حصل حزب دي مايو على أكثر من 32% بينما لم تتجاوز هذه النسبة 17% للرابطة. لكن سالفيني المصمم والذي تتعزز شعبيته في استطلاعات الرأي عرف كيف يفرض نفسه سيدا في الساحة السياسية الايطالية. ونفوذه داخل الرابطة أقوى من دي مايو في حركة خمس نجوم التي لا يزال مؤسسها بيبي غريو مرجعا فيها. كما لا يزال من غير المعروف مدى النفوذ الذي يتمتع به سيلفيو برلوسكوني حليف سالفيني والذي رفض دي مايو مجرد الحديث معه. وبعد شهرين من العرقلة، أعطى الملياردير موافقته لتشكيل الائتلاف لكنه وبعد ان استعاد الأهلية للترشح تعهد بأن يقود "معارضة عادلة وناقدة" خصوصا وانه غير راض بتاتا عن الجوانب القضائية في برنامج الحكومة. عندما رفض الرئيس سيرجيو ماتاريلا تعيين باولو سافونا خبير الاقتصاد المعارض لليورو وزيرا للاقتصاد والمالية، اضطر الحزبان الى ان تتضمن لائحتهما الحكومية شخصيات يمكن ان تطمئن لها بروكسل. وذكر ماتاريلا الذي انتخبه برلمان غالبيته من الوسط اليسار في الاسابيع الاخيرة بان بوسعه ان يحيل أمام البرلمان أي قانون لا تغطيه الموازنة. ويظل الرئيس الضامن لالتزامات ايطاليا على الساحة الدولية حريصا على احترام المعاهدات خصوصا الاوروبية بالاضافة الى عضوية إيطاليا في حلف شمال الاطلسي. قلق بروكسل ازاء الدين يعيد وصول الشعبويين الى الحكم في ايطاليا المخاوف حول الدين الهائل للبلاد الى الواجهة ويسلط الاضواء على المخاطر المحدقة بالمصرف المركزي الاوروبي في وقت يتعين عليه التشدد في سياسته النقدية. يقول فريدريك دوكروزيه خبير الاقتصاد لدى مكتب "بيكتيه ويلث مانجمنت" ان هذه المخاوف "بديهية لان المشكلة لم تتم تسويتها" فايطاليا "هي البلد الوحيد الذي يعاني من ديون كبيرة ولم يتبن برنامجا لهيكلة" ديونه. وتؤدي حكومة تحالف بين حركة معادية للمؤسسات وحزب من اليمين المتطرف اليمين الدستورية الجمعة في روما. وأثار الاحتمال في البدء هذا الاسبوع هلعا في سوق السندات ما أدى الى ارتفاع كبير في فوائد الديون الايطالية. وعلى الفور عاد هاجس "ايطالإكسيت" أي خروجها من منطقة اليورو خصوصا لدى المانيا التي تنتقد بشدة ديون دول الجنوب، واعتبر هانس فيرنر سين خبير الاقتصاد في معهد "آيفو" الخميس ان مثل هذه الخروج "محتملا". لكن مثل هذا الاحتمال بعيد كل البعد عن الازمتين في اليونان (2009-2011 و2015) فالدين الايطالي يمثل ربع الدين العام في منطقة اليورو بينما لا يتجاوز الدين اليوناني 2,5% منه. وعلى الفور أعربت صحيفة "فرانكفورتر اليماين تسايتونغ" المحافظة عن القلق من انتقال "عدوى" القلق ازاء الدين الايطالي (130% من اجمالي الناتج الداخلي) الى دين اسبانيا (98%) أو البرتغال (125%)، ما يمكن ان يشكل تهديدا للعملة الموحدة. وكان المصرف المركزي الاوروبي الذي يتدخل عند كل أزمة مالية في غنى عن مثل هذه "الهدية" التي تتزامن مع الذكرى السنوية العشرين لتأسيسه الجمعة. ويفضل المصرف في الوقت الحالي الانتظار الى أن تهدأ الامور وهو يلتزم ببرنامجه الضخم لاعادة شراء الاصول الذي يتضمن شراء ما قيمته مليارات اليورو من السندات الايطالية كل شهر. يقول دوكروزيه ان المصرف المركزي الاوروبي الذي يملك بين "22 الى 25%" من الدين الايطالي العام "لا يمكن ان ي نظر اليه على انه يساعد بلد تحديدا". ويمكن ان يعول المصرف على ارقام تضخم مؤاتية في مايو الماضي اذ سجلت تحسنا (+1,9% في منطقة اليورو و+2,0% في فرنسا و+2,2% في المانيا) والتي أتت في الوقت المناسب لدعم التخلي بشكل تدريجي عن برنامج شراء الاصول. ومع ان ايطاليا ستكون حاضرة في الاذهان الا انها لن تشارك في الاجتماع المقبل للمصرف المركزي الاوروبي حول السياسة النقدية في 14 يونيو المقبل والذي سيتناول خصوصا اعداد الوقف التدريجي لبرنامج شراء الاصول بحلول نهاية العام والذي يشكل مرحلة أولى قبل زيادة في معدلات الفائدة متوقعة خلال العام 2019. لكن المشكلة لا تزال تنتظر حلا ويمكن ان تعود على المدى المتوسط عندما ستؤدي زيادة معدلات الفائدة التي تطالب بها بعض الدول في مقدمتها المانيا الى تعقيد تمويل الدول الاكثر ديونا بينها ايطالياواسبانيا. لكن اذا التزم الحزبان الشعبويان في روما بتعهدات حملتهما بان الحكومة ستقوم بنفقات جديدة فان العجز الايطالي يمكن ان يرتفع الى ما بين "5 و7% من اجمال الناتج الداخلي" بحسب المحللين في مصرف ووربورغ ما سيؤدي الى "مواجهة" بين ايطاليا وشركائها الاوروبيين. بالطبع بوسع المصرف المركزي الاوروبي اللجوء الى حلول جذرية على غرار ما قام به في العام 2012 عندما أعلن حاكمه ماريو دراغي تعهد بذل "كل الجهود" لانقاذ اليورو من خلال برنامج لشراء الديون السيادية لم يستخدم بعدها أبدا. الا ان هذا البرنامج يشترط اصلاحات هيكلية صارمة اي "العكس تماما" عما يتوقعه الناخبون الايطاليون المشككون باليورو ما يجعل مثل هذا الحل مستبعدا بحسب ووربرغ. ويرجح دوكروزيه أكثر "اعادة تفعيل برنامج سابق اطلق في 2010 تحت اسم برنامج اسواق السندات لكن ينطوي على اثار كبيرة على ايطاليا ولو ان المانيا ستسارع الى التنديد بالهدر. وحذر دوكروزيه "لا يوجد خيار سهل اذا اردنا مساعدة ايطاليا غدا" مضيفا "لهذا السبب يلتزم المصرف المركزي الاوروبي الحذر الجديد عندما يرفع معدلات فوائده". مواقف وتحديات أدى اول تحالف حكومي بين حركة فتية مناهضة للمؤسسات وحزب يميني متطرف، اليمين الدستورية بعد ظهر الجمعة في روما برئاسة جوزيبي كونتي رجل القانون الحديث العهد بالسياسة، الذي وعد باتباع سياسة امنية ومعارضة لاجراءات التقشف. وبعد نحو ثلاثة أشهر من المفاوضات والتطورات غير المسبوقة حتى في هذا البلد المعتاد على الازمات السياسية، توصلت حركة خمس نجوم (المناهضة للمؤسسات) والرابطة (يمين متطرف) الى تسوية مع الرئيس سيرجيو ماتاريلا الذي طالب بضمانات حول بقاء ايطاليا في منطقة اليورو. وكان الرئيس لجأ الى تعطيل لائحة أولى للحكومة مساء الاحد. لكنه وقع مساء الخميس لائحة معدلة بوزراء من المفترض ان يقسموا الدستورية عند الساعة 16,00 (14,00 ت غ)، على ان تعقد جلسة طلب الثقة في البرلمان في مطلع الاسبوع المقبل. واختار التحالف الحكومي كونتي استاذ الحقوق والمحامي البالغ 53 عاما الذي لم يكن معروفا في الاوساط السياسية قبل 15 يوما، لتولي رئاسة الحكومة. وسيجلس الى جانب ماتاريلا السبت لحضور العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني. وسيمثل كونتي الذي كان لا يزال يواصل صباح الخميس محاضراته في جامعة فلورنسا، ايطاليا في قمة مجموعة السبع الاسبوع المقبل في كندا. وع ين لويجي دي مايو زعيم حركة خمس نجوم وماتيو سالفيني زعيم الرابطة نائبين لرئيس الحكومة بعد ان كانا في مقدمة الحملة ولعبا دورا اساسيا في المفاوضات الطويلة، على ان يتولى الاول وزارة التنمية الاقتصادية والعمل والثاني وزارة الداخلية. وافتتحت بورصة ميلانو تداولاتها الجمعة على تحسن بالمقارنة مع اليوم السابق وارتفع مؤشر "ميب" بنسبة 2,10% ليسجل 22,241 نقطة بعد زيادة بأكثر من 2,5% في التبادلات الاولى. ويسود الترقب الجمعة ازاء رد فعل الاسواق المالية التي شهدت نشاطا حثيثا في الاسابيع الماضية خصوصا مع ارتفاع الفارق بين معدلات الفائدة الألمانية والإيطالية على عشر سنوات. تم تعيين جيوفاني تريا استاذ الاقتصاد السياسي المقرب من رؤية الرابطة لكنه مؤيد لبقاء البلاد في منطقة اليورو، في منصب وزارة الاقتصاد والمالية الحساسة. وبعد ان كان باولو سافونا (81 عاما) خبير الاقتصاد الذي يعتبر اليورو "سجنا المانيا"، مرشحا لحقيبة الاقتصاد، تم تعيينه في الحكومة الجديدة وزيرا للشؤون الاوروبية. ويتولى وزارة الخارجية اينزو موافيرو ميلانيزي المؤيد لاوروبا والذي عمل طيلة 20 عاما في بروكسل وكان وزيرا للشؤون الاوروبية في حكومتي ماريو مونتي وانريكو ليتا (2011- 2014). وفي النهاية، تتألف الحكومة من 18 وزيرا بينهم خمس نساء فقط وموزعين بشكل شبه متساو بين الحزبين مع ان الرابطة لم تحصل سوى على 17% من الاصوات في الانتخابات التشريعية في الرابع من اذار/مارس في مقابل أكثر من 32% لحركة خمس نجوم. وكان كونتي تعهد الخميس بعد ان عرض لائحة حكومته "العمل بجد لتحقيق الاهداف السياسية التي أعلناها في اتفاق الحكومة وسنعمل بتصميم من أجل تحسين مستوى معيشة كل الايطاليين". وبموجب "اتفاق الحكومة" الذي استغرق عشرة أيام من المفاوضات وتم اعلانه قبل اسبوعين، ستتخلى البلاد نهائيا عن اجراءات التقشف و"تعليمات" بروكسل لتركز على سياسة نمو اقتصادي من اجل الحد من العجز الهائل في الدين العام الايطالي. وتعهدت الحكومة بخفض سن التقاعد والحد بشكل كبير من الضرائب وهو احد الوعود الاساسية للرابطة، وتأمين "مدخول للمواطنين" بقيمة 780 يورو في الشهر وهو احد ابرز وعود الحملة الانتخابية لحركة خمس نجوم. وتمثل هذه التشكيلة الحكومية مواقف حركة خمس نجوم ازاء البيئة والتقنيات الحديثة وايضا خطاب الرابطة الداعي الى اعتماد مبادئ اخلاقية في الحياة السياسية وتشديد الاجراءات الامنية والمعادي للهجرة والمسلمين. ورحبت زعيمة حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) الفرنسي مارين لوبن بتشكيل الحكومة في ايطاليا معتبرة انه "انتصار للديموقراطية على تهديدات" بروكسل. وقال سالفيني أمام مؤيدين مساء الخميس "بدون ان أعد بتحقيق معجزات، آمل ان نتوصل بعد الاشهر الاولى لحكومة التغيير هذه الى ضرائب اقل وأمن أكبر وزيادة في التوظيف وعدد أقل من المهاجرين غير الشرعيين"، في تأكيد لوعود حملته. كما تعهد سالفيني ب"مقاربة ثقافية مختلفة قليلا مع "اقتطاع كبير" في الاموال المخصصة لاستقبال طالبي اللجوء.