أود في البداية، ومن باب تفادي أي سوء فهم، أن أشير إلى أنني لا أتحدث عن شهر رمضان المبارك من زاوية مفهومه الدّيني وأهميته الفريدة في الرقي الروحاني، بل أتطرق إلى زاوية واقعه الثقافي والاجتماعي في عصرنا هذا. كثيرا ما ألاحظ في كل سنة خلال شهر رمضان، تفشي الحديث عن ظاهرة «التّْرَمْضينَة» عند المغاربة، ونقرأ عددا كبيرا من التحليلات، مع تقديم باقات من الحلول والنصائح الدينية والسلوكية والأخلاقية. كما أتابع كيف يلقّن المغربي دروسا لأخيه حول مفهوم الصيام، إلى درجة اتهام «المْرْمْضْنينْ» بالجهل وضعف الإيمان، ونحن الآن في هذه الأيام في شهر رمضان المبارك كيف بدأت الصحف والرأي العام كالعادة بفتح ملف هذه الظاهرة، التي أشارككم التحليل بشأنها بدوري. «التّْرْمْضينَة» أمر خاطئ في مفهومه الثقافي في الواقع ما نسميه بِ «التّْرْمْضينة»، ما هو إلا سلوك العنف الاعتيادي الذي نراه داخل وخارج المنازل طيلة السنة، باعتباره أمرا عاديا، ومع ذلك لا أحد يتحدث عنه أو يلقبه بِ «التّْفْطيرَة» على غرار «التّْرْمْضينة». وبما أن الكل يعلم أن رمضان شهر الغفران والسلم والسلام، فإنما نرى ونتعامل مع «الترمضينة» وكأنها سلوك جديد علينا، بينما هو سلوك حاضر في الواقع المغربي على طول السنة، ولهذا لا أرى فرقا بين «الترمضينة» و «التّْفْطيرَة». من البديهي أن السلوك والأخلاق والتربية السائدة في المجتمع المغربي سوف لا تتغير فجأة بحلول رمضان بطريقة سحرية عجائبية، لكن بإمكانها أن تتغير خلال السنة بالتدريب وتنمية القدرات النفسية والروحانية والأخلاقية لدى الأفراد، إلا أنه وبكل أسف نجد في هذا المجال فراغا كبيرا سواء داخل المنزل أو المدرسة، مع غياب تام للتربية الروحانية والتدريب عليها في مقررات التعليم. «كَرْنَفالْ» رمضان «راني مْرْمْضْنْ» لقد تعشعشت ثقافة الترمضينة في المجتمع المغربي منذ الطفولة بحيث تحذر الأم أبنائها بالقول «ما تْهْدْروشْ مْعا بَّاكُمْ راهْ كَيْتْقْلّْقْ بْزّافْ مْعا الصيام»، وبالإضافة إلى هذا، يعيش الطفل رعدة القلق التي يثيرها الأب أو الأخ الكبير مثل «قْليبْ الطّْبْلة وْالغْواتْ»، كما يسمع الطفل نفس الشيء عن العَمّ والخال والجار… أمام كل هذا يدرك الطفل أن الصيام خلال شهر رمضان هو يبرر «التّْرْمْضينَة» وأي سلوك همجي أو عدواني، ومن هنا يُنتج الطفل عند كبره نفس السلوك واعيا بأنه يلعب دور «الترمضينة»، لهذا أصبحت هذه الأخيرة شبه مهرجان أو «كرنفال» موسمي رمضاني، ونجد عند عدد من المغاربة استعدادا وقابلية شديدة لِ»تْرْمْضينة». ونعرف أن «الكرنفال» يُبيح عددا من السلوكيات في وقت معين من السنة والتي لا يتقبلها المجتمع في نظامه العام الاعتيادي، وهكذا أصبح شهر رمضان في شكله المجتمعي والثقافي والتقليدي (وليس الدّيني) شبه كرنفال يبيح «الترمضينة»، وعددا من السلوكات ليلا ونهارا، حيث نرى تغييرا كبيرا في نمط الحياة الاجتماعية من حركة ودينامكية وتحولا في التوقيت الزمني إذ نعيش انقلاب دورة الليل والنهار وتغيير مواعيد وجبات المأكل والمشرب، ونفس الشيء بالنسبة لساعات النوم والعمل. «الترمضينة» والاضطرابات النفسية إن الإنسان المصاب بالترمضينة أو»التّْفْطيرَة» ، هو في الواقع «مْرْمْضْنْ» طيلة العام، وهو ليس في حاجة لشهر رمضان لكي «يْتْرْمْضْنْ»، بل نجده على مدى شهور قبل رمضان مضطرب المزاج وسريع القلق والغضب مع انفعالات عنيفة فجائية تؤثر سلبيا عليه وعلى محيطه العائلي والمهني. إن «الترمضينة» هي بالفعل مؤشر قوي ودلالة على اضطراب مزاجي وسلوكي وأمراض نفسية غير مُدرَكة إلى حد الساعة، وصار شهر رمضان صدفة بروزها وتفجرها . *طبيب ومحلل نفساني