تتميز العلاقة اليابانيةالهندية بجمعها خصما مشتركا هو الصين، وصديقا داعما هو الولاياتالمتحدةالأمريكية. ورغم العلاقات التاريخية المتوترة بين البلدين الهند (3.287,263 كلم2) واليابان (377,944 كلم2) في مرحلة الحرب العالمية الثانية 1939-1944 عندما كادت اليابان أن تحتل منطقة البنغال وعاصمتها كلكوتا، إلا أن خصم الأمس أصبح صديق اليوم . ومن المعروف أن السياسة الخارجية للهند التي أرساها جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند (1947-1964) و السيدة أنديرا غاندي (1966-1984) ذات طابع استراتيجي وقد ظلت تسير على هديها كل الحكومات المركزية المتعاقبة التي وصلت إلى الحكم حتى من غير حزب المؤتمر. فالسياسية الخارجية الهندية ذات مواقف استراتيجية لا تتغير بصعود حزب ما إلى السلطة في الهند، والاتفاق النووي الياباني/الهندي تمّ وضعه أثناء حكومة حزب المؤتمر برئاسة رئيس الوزراء مانهومان سينغ و السيدة سونيا غاندي رئيسة الحزب و وقع عليه بعد صعود حزب جاناتا الهندوسي في 2014 برئاسة ناريندار مودي، وذلك أثناء زيارته لليابان في 2016. لقد حصل تعتيم إعلامي على الاتفاق النووي اليابانيالهندي بعكس الاتفاق الأمريكي الهندي في سنة 2008 الذي يصب في نفس الاتجاه، فأثناء زيارة وفد الحكومة الهندية لطوكيو في 2016 تم تركيز الإعلام على الاتفاق الهنديوالياباني على بناء القطار الفائق السرعة 320 كلم في الساعة – الطلقة- في الهند من طرف اليابان، وكانت هذه الزيارة زيارة استراتيجية فقد أبرم أثناءها اتفاقيات في مجالات الفضاء و الاستثمار والزراعة و النسيج، وبروتوكولا ثقافيا وآخر رياضيا، إلا أن الاتفاق النووي كان الأهم. ومن المعروف أن اهتمام اليابانبالهند ليس حديث العهد ، فقد بدا جليا مع الصراع الفكري والحربي بين نيودلهيوبكين في 1962، عندما استولت الصين على 03500 كلم مربع من أراضي الهند تدعي بكين أنها اقتطعت من الصين أثناء تواجد الإنجليز في المنطقة 1857-1947، بل إن الصين مازالت تنازع الهند في ولاية آرونال براديش الهندية. وقد زاد الاهتمام الياباني بعد تفجير الصين قنبلتها النووية في 1964 وتفجير الهند قنبلتها النووية في 1974، إذ تصاعد هذا الاهتمام و دخل الرأسمال الياباني إلى الهند على جميع المستويات بما فيها الإعلام، فشركة سوني اليابانية تمتلك أكثر من 10 قنوات تلفزية بالهند. كما تمت تغطية الهند بالقنصليات اليابانية والمراكز الثقافية اليابانية. واستقبال الوفود الهندية في كل المجالات بما فيها الدراسية. فاليابان التي تعتبر الصين -9,597 مليون كلم مربع- خصمها الاستراتيجي تجد أنها والهند في خندق واحد، ومع الدعم الأمريكي فإن الاتفاق الهنديالياباني يصبح مفهوما لكون الاتفاقية الهنديةالأمريكية التي أبرمت في 2008، لتأهيل البرنامج الهندي المدني دون المساس بالبرنامج العسكري، واكبتها تعقيدات المصادقة والمعارضة داخل الهند، وقد حلت اليابان محل واشنطن دون تعقيدات المصادقة، وسيشرع في تنفيذ الاتفاقية فور التوقيع. فواشنطن وطوكيو تجاوزتا العقيدة النووية التي تمنع مساعدة أي بلد نوويا ما لم يك موقعا على معاهدة عدم الانتشار النووي. والهند لم توقع على معاهدة عدم الانتشار النووي و لم تفتح المفاعلات النووية التي لديها للمؤسسات الدولية وهي غير ملتزمة كدولة نووية بمعاهدة 1 نونبر 1968، ومع ذلك فالولاياتالمتحدةواليابان أبرمت الاتفاق النووي مع الهند وتجاوزتا كل المعاهدات الدولية في هذا الصدد. ومن المعروف أن اليابان وكندا و ألمانيا دول نووية و إن لم تتوفر على القنبلة لكن برامجها قابلة للتحول إلى دول تمتلك الجانب العسكري في ظرف أسبوع أو شهر على الأكثر فلا ينقص إلا التخصيب لدرجة 90 وهو مكفول علميا بالنسبة لهذه الدول. العقيدة النووية عندما فجرت الهند قنبلتها النووية في منطقة بوكارام الصحراوية في 1974، صرحت السيدة أنديرا غاندي قائلة: «إنها قنبلة من أجل السلام»، وكان القصد أن امتلاك الهند للقنبلة يصب في مسار السلام بينها وبين الصين بعد امتلاك الأخيرة للقنبلة النووية في 1964 والهيدروجية في 1967 وبعد حربي 1958 و1962، فالحرب مع الصين أصبحت أكثر خطورة مما سيشجع فرص إحلال السلام بين البلدين، وهو نفس الرأي تقريبا الذي عبرت عنه باكستان بعد التفجير النووي الهندي في 1974 و 1998 بعد التفجير النووي الباكستاني في نفس السنة . والعقيدة النووية هي أن كل دولة نووية كانت أو تطمح لذلك يجب أن يكون لها عقيدة نووية، هل ستستعمل قنبلتها النووية في أي حرب؟ – مثلما فعلت الولاياتالمتحدة في هيروشيما و ناجازاكي في 1944- أم أنها لن تستعملها إلا في حال مهاجمتها نوويا، أو تكتفي بالتهديد بها فقط، في إطار التوازن العسكري كما هو الحال في شبه القارة الهنديةوالصين، أو كما هو الشأن في منطقة الشرق العربي حيث نووية الكيان الصهيوني موجهة لمنع الدول العربية من امتلاك القنبلة حتى لا يحصل التوازن العسكري و مما يشجع العرب على النضال لتحرير فلسطين نظرا للفارق البشري الضخم بين الكيان الصهيوني و أي دولة عربية ويمنع قطعا الكيان الصهيوني من استعمال السلاح النووي لامتلاكه من الطرف الآخر – مثلما هددت غولدا مايير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني باستعماله في حرب 1973-. لكن ما يميز الاتفاق النووي الهندي/الأمريكي في 2008 والهنديالياباني في 2016 أن الهدف من تحسين جودة المفاعلات النووية الهندية ذات الطابع المدني هو تمكين الهند من رفع مستوى برنامجها العسكري الموجه أصلا ضد الصين -حوالي مليار ومائتي مليون نسمة-. وقد حلت اليابان محل الولاياتالمتحدةالأمريكية في تأهيل البرنامج النووي الهندي أو على الأقل شاركت في التأهيل بهدف تقوية الهند – حوالي مليار وخمسين مليون نسمة- ذات الديمغرافية البشرية الضخمة التي تستوعب أي ضربة نووية صينية بعكس اليابان – 126 مليون نسمة – التي لا مقدرة لها على ذلك. ومع استحضار التاريخ الياباني/الصيني الذي يتميز بعقد الاستعمار والاستغلال الذي مارسته اليابان ضد الصين في القرن 19 وبداية القرن 20، وفي ضوء القوة الاقتصادية والبشرية المتنامية للصين التي لن تجد انتشارا ونفوذا لها إلا في المجال الياباني ومناطق أخرى تتأثر بها اليابان مثل شبه الجزيرة الكورية. ومع احتمال التأثير في النفوذ الأمريكي على مستوى العالم فإن الاتفاق الياباني / الهندي لن يكون بعيدا عن الإستراتيجية الأمريكية لتطويق الصين.