صدر في جريدة المساء العدد 2493 ليوم الخميس 2 أكتوبر حوار مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، هم في جزء منه قضايا التعليم العالي والبحث العلمي والأستاذ الباحث لم يتوان خلاله، وجريا على عادته، في الكيل لمخالفيه الرأي القذف والسب ورجمهم بأحكام قيمية جاهزة، لا تليق بواجب التحفظ والرزانة المفروض التحلي بهما من طرف مسؤول سياسي يدبر قطاعا عموميا من مستوى التعليم العالي والبحث العلمي. صدر في جريدة المساء العدد 2493 ليوم الخميس 2 أكتوبر حوار مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، هم في جزء منه قضايا التعليم العالي والبحث العلمي والأستاذ الباحث لم يتوان خلاله، وجريا على عادته، في الكيل لمخالفيه الرأي القذف والسب ورجمهم بأحكام قيمية جاهزة، لا تليق بواجب التحفظ والرزانة المفروض التحلي بهما من طرف مسؤول سياسي يدبر قطاعا عموميا من مستوى التعليم العالي والبحث العلمي. إن التصويب الذي أرومه من خلال مقالي هذا ينبع من مسؤوليتي ككاتب عام للنقابة الوطنية للتعليم العالي التي تلزمني الحديث باسم جميع السيدات والسادة الأساتذة الباحثين باختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم اعتبارا لكون رسالة النقابة الوطنية للتعليم العالي هي أكبر من سجال سياسوي فرضه منحى شعبوي في تدبير الشأن العام، ذلك لأنها نقابة مواطنة عملت على مر العقود منذ تأسيسها، إلى جانب الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للأساتدة الباحثين، فرادى وجماعات، على المشاركة الفعالة في تطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في بلادنا على جميع المستويات سواء بالمشاركة المؤثرة في المناظرات الوطنية حول التعليم أو بالمساهمة الوازنة في اللجان المتعددة للإصلاح، أو لمراجعة القوانين والمراسيم أو على مستوى المشاركة في بلورة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي اعتمده المغرب بكل مكوناته خارطة للطريق لإصلاح منظومة التربية والتكوين. ذلك الميثاق الذي يعتبر اليوم منطلقا أساسيا لأي توجه استراتيجي لهذه المنظومة التي تعاني الكثير من الخلل. لم يحد السيد الوزير في "حواره" مع جريدة المساء عن المنحى الذي أصبح يسم القراءة الرسمية للأوضاع العامة للمغرب، من حيث مجاراتها للمنتقدين في انتقادهم بعد أن ثبُت عبثُ إنكار الواقع الصارخ، محدثة قطيعة مع خطاب "الكل على أحسن حال" وأصبح الرسميون يزايدون أحيانا في النقد، في محاولة لسحب البساط من المنتقدين وتقديم فشل السياسات العمومية وكأنها قضاء وقدر، في عملية تمويهية لتعويم المسؤولية عن الأزمة وعن التراكمات السلبية لتدبير الشأن العام. وهكذا ففي مقابل إقرار السيد الوزير بالتدني المهول لنسبة التأطير البيداغوجي، وسكوته عن دواعيه ومسبباته، ليس أقلها ما عرفته الجامعة العمومية من نزيف لأطرها العلمية جراء عملية المغادرة الطوعية التي شكلت عملية استرزاقية تعد حقا إجراما في حق التعليم العالي العمومي، يزف لنا السيد الوزير "بشرى" اهتدائه للحل السحري والطريقة المثلى لمواجهة ذلك التدني من خلال تعديل النظام الأساسي للأساتذة الباحثين في اتجاه المزيد من البلقنة والتفريق في صفوف الأساتذة الباحثين باقتراحه إحياء هيأة المساعدين التي ألغاها نظام 1997 على درب توحيدهم في نظام ذي إطارين كما هو الشأن في الدول المتقدمة والذي يبقى المطلب الأساسي للنقابة الوطنية للتعليم العالي. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن السيد الوزير لا يعير أدنى اهتمام للمفارقة الغريبة للنظام الأساسي للأساتذة الباحثين حيث مثلا إذا أراد أستاذ مغربي، عامل لسنوات عديدة في جامعة أجنبية وحاصل على عدة جوائز تقديرية وله إنتاج معتبر في البحث والتأطير، أن يلج سلك الأساتذة الباحثين المغاربة فليس له إلا منفذ واحد ووحيد هو "أستاذ التعليم العالي مساعد" كأي شاب مبتدئ انتهى لتوه من إعداد دبلوم الدكتوراة. فلا يمكن إذن والحالة هذه أن تكون للنظام الأساسي الحالي أي جاذبية تمكن الجامعة المغربية من الاستفادة من كفاءات الشتات. فالنظام الأساسي للأساتذة الباحثين حينما نقرأه اليوم يوحي لنا كأنه نوع من التجميع الفسيفسائي، لدرجة أن البند الواحد قد يتكرر لأكثر من مرة وهو بذلك يحمل الكثير من التناقضات والهفوات من الضروري إصلاحها. أما أن نظيف إطارا جديدا فلن يزيد إلا في بلقنة نظام من الضروري أن يكون واضحا وأن يساعد الأستاذ الباحث على بذل مجهود أكبر على مستوى التأطير والبحث اللذين يعتبران المهمتان الأساسيتان له داخل الجامعة. مخطئ حقا من يقول أن تطوير البحث يجب أن يرتبط بترقية الأستاذ في السلم الإداري. فالبحث العلمي مهمة على الأستاذ القيام بها كلما وُجدت الإمكانيات لذلك، ولا يمكن أن نتحدث عن الجودة دون بحث علمي. لكن هذه المهمة لن تستقيم إلا حينما تتوفر لها الظروف المادية واللوجستيكية والتي تفتقر لها لحد الآن المختبرات التي بدأ العمل بها منذ 2005 . وبعيدا عن القراءة السياسية المشروعة والمساءلة الموضوعية للأهداف المبيتة لمحاولة بعث إطار المساعد، أقول إن هذا الاقتراح يبين زيف ادعاء السيد الداودي بكونه وزير التوحيد للتعليم العالي. فلئن اعتبرت النقابة الوطنية للتعليم العالي إيجابا تجميع جامعتي الرباط وجامعتي الدارالبيضاءالمحمدية مع مطالبته بإشراك المعنيين بهذا التجميع من أساتذة وإداريين، فإنها تعتبر أيضا أن وقوفه عاجزا أمام دوائر الضغط المستفيدة من حال الشتات التي يعرفها التعليم العالي، والمتجلية في تبعية جملة من المدارس العليا والمعاهد لوزارات مختلفة، يُبقي على واقع الشتات هذا، ويُرجئُ تنفيذ مطلب التوحيد الذي ما انفكت تطالب به النقابة إلى أجل غير مسمى. ليس هذا فقط، بل تعداه إلى تخلي الوزارة عن دورها الرقابي فيما يخص جودة التكوين في المعاهد الخصوصية بتخليها عن سلطتها التقديرية في منح معادلات الشواهد كما حصل بمناسبة تعديل قانون ممارسة مهنة الهندسة المعمارية الذي مررته الحكومة في البرلمان في عملية التفاف على تلك السلطة التقديرية إذعانا لضغوط الدوائر المستفيدة، غير عابئة بالمصلحة العليا للمواطنين. فيما يخص ما يصر السيد الوزير على تسميته "شراكة"، ونسميه في النقابة الوطنية للتعليم العالي ريعا، والذي فيما يبدو كان ولا زال همه ومهمته الأساس، فإن المكتب الوطني للنقابة لازال ينتظر من السيد الوزير، منذ الاجتماع المشترك ليوم 11 يناير 2014، مده بمفهومه المفصل والمكتوب لمضمون معتقده بهذا الخصوص حتى نتمكن من النقاش والتفاعل بهذا الخصوص. فتملصه من فتح هذا الورش مع النقابة لدليل على أن وراء الأكمة ما وراءها. وللتوضيح هنا، ورفعا لكل مغالطة أقول، لم يكن النضالُ ضد التعليم الخصوصي، همنا في يوم من الأيام في النقابة الوطنية للتعليم العالي، طالما ظل خاضعا للضوابط القانونية المؤسسة على الشروط البيداغوجية. وبالمناسبة فإنني أذكر السيد الوزير أن من ينعتهم ب"الذين يصرخون" ويعيب عليهم كونهم أول من أسس المدارس الخاصة، هم أبناء وحفدة أعضاء الحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار على عدة جبهات، ومنها الجبهة الثقافية، حيث عملت على التصدي للمستعمر في محاولته طمس الهوية المغربية، بإنشاء مدارس موازية للمدارس الرسمية، وبالإمكانات المادية الخاصة للوطنيين، والتي كانت تسمى بالمدارس "الحرة" كمدرسة "الشعب" ومدرسة "النهضة" في فاس العتيقة. إنها حقا مدعاة لكل فخر واعتزاز. وحفاظا على استقلالية النقابة فإنني أربأ بنفسي عن السجال في مسألة التمويلات والفوائد المادية الخفية والمعلنة، الداخلية منها والخارجية، لهذا الحزب أو ذاك في ظل اكتساح دولارات البترول لجميع الميادين، بما فيها السياسي. إننا في النقابة الوطنية للتعليم العالي نرفض رفضا قاطعا النشاط الريعي في مجال التعليم العالي، باعتباره يستفيد من التمويل العمومي نقدا وعينا، ويكدس الأرباح من أداء أولياء الطلبة. وبخصوص "الجامعة" أورومتوسطية التي تفاخر بها السيد الوزير في مقاله وقام بتدشينها يوم 22 شتنبر الماضي، فإنني أحجم عن نعت عملية التدشين هاته وأكتفي بوضع السؤال التالي: هل يستقيم للسيد الوزير أن يُقْدم في قاعة عمومية بفاس العتيقة على تدشين "جامعة" افتراضية لا توجد إلا على الورق معطيا بذلك انطلاق عملية النهب؟ حيث يبلغ الواجب السنوي للدروس في هذه "الجامعة" الافتراضية سبعين ألف درهم مقابل دروس سوف تُعطى انطلاقا من أكتوبر الجاري في أقسام اكتُريت من فضاء "أُفشور" أما بخصوص كليتي الطب بالأداء في مدينتي الرباطوالدارالبيضاء المنتميتين لمؤسستي الشيخ زايد والشيخ خليفة، فإن ما يسكت عنه السيد الوزير هو الواجب السنوي للدراسة في تلك المؤسستين، والذي يبلغ 130 ألف درهم. ودحضا للمغالطة الرخيصة التي اقترفها السيد الوزير بهذا الصدد أقول أنه إذا كان بالفعل قد صدر قانون مؤسسة الشيخ زايد سنة 1993، وقانون مؤسسة الشيخ خليفة سنة 2007، فقد تم ذلك باعتبارهما مؤسستين تعنيين بتقديم خدمات علاجية فقط. أما توسيع مجال تدخلهما ليشمل التكوين الطبي بالأداء فهذا ما اقترفته الحكومة الحالية من خلال تعديل القانون الأساسي للمؤسستين في بداية السنة الحالية. علما أن الوزارة لم تشترط أن تتوفر هاتين "الكليتين" لا على النسبة النمطية للتأطير البيداغوجي والإداري بالإمكانات الذاتية، ولا على الاستيعاب الذاتي كذلك للطلبة في التداريب السريرية، ولكن سمح لهما باستنزاف الكليات العمومية بالإغراء المادي لأطرهما، مما يفند ادعاء الهدف غير الربحي لهذه المؤسسات ما دام الربح سوف يُصرف مسبقا. في حين كان الأجدر أن يتم دعم المؤسسات العمومية واستفادتها من أسرّة مستشفيي الشيخ زايد والشيخ خليفة على ضآلتها. يأتي كل ما سبق في ظرف تظل فيه الجامعة من ناحية البنيات التحتية دون المستوى المطلوب لاستيعاب تزايد الطلب الاجتماعي على التعليم العالي والبحث العلمي، الشئ الذي يتجلى في ضعف الطاقة الاستعابية للطلبة وتدني نسبة التأطير وباعتراف السيد الوزير دون أن يجد لها حلا موضوعيا عدا بدعة "المساعد" ربما لغاية في نفس يعقوب. وبالتالي يعتبر واقع حال التعليم العالي والإمعان في سياسة الإجهاز عليه كمرفق عمومي صك إدانة بالنسبة للسياسة الرسمية في هذا المجال. لم يستحضر حوار السيد الوزير القلق الذي تعرفه جميع المواقع الجامعية والظروف التي يشتغل فيها السادة الأساتذة. إن مرد القلق الذي ينتاب جميع الأساتذة الباحثين هو أولا الظروف التي يشتغلون فيها سواء على مستوى تكوين أعداد من الطلبة تفوق بكثير الأنماط العالمية. فالأستاذ الباحث يؤطر أكثر من المتعارف عليه دوليا وحتى إقليميا حيث تفوق نسبة التأطير في بعض المؤسسات 300 طالب لكل أستاذ، وحينما سيصل عدد الطلبة إلى مليون طالب فقد تكون الكارثة. فمن أجل المحافظة فقط على الوضعية الحالية خلال الست سنوات المقبلة يجب أن يصل عدد الأساتذة الباحثين إلى 22 ألف أستاذ، وما أظن أننا سنصل إلى هذا العدد خاصة أن ميزانية سنة 2014 لم تخصص سوى 300 منصب في التعليم العالي. ومن المنتظر ألا تكون ميزانية 2015 أحسن حالا بالنظر للسياسة التقشفية التي تنتهجها الحكومة في المجالات الاجتماعية ومعادلة الخسائر الناجمة عن النهب وإهدار المال العام والإفلات من المساءلة والحساب بالإجهاز على المكتسبات الاجتماعية. هذه الوضعية تجعلنا نستحضر المعطى الأساسي بالنسبة للأستاذ الباحث ويتعلق الأمر بالبحث العلمي الذي لا يزال المغرب متأخرا بخصوصه مقارنة مع جيرانه في الجزائر وتونس وهذا راجع بالأساس إلى أسباب ذاتية وموضوعية تتمثل الأولى في حكامة البحث العلمي ونقصد بها السياسة العامة للدولة بخصوص البحث العلمي، حيث تتعدد الجهات التي تحدد السياسات والأولويات بخصوصه بدون تنسيق فيما بينها، هذا بالإضافة إلى هزالة ما ترصده الدولة المغربية للبحث العلمي والذي لا تتعدى نسبته 0.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، أما الأسباب الموضوعية فلها علاقة بالظروف التي يمارس فيها الأستاذ الباحث عمله داخل مختبرات البحث التي لا تتوفر فيها أدنى الشروط للقيام ببحث علمي كما هو متعارف عليه دوليا، سواء على مستوى البنيات أو التدبير أو التمويل. هذا بالإضافة إلى أن الشروط التي يشتغل فيها الأستاذ الباحث في تكوين الأعداد الكبيرة من الطلبة تكون دائما على حساب البحث وهو ما يؤثر سلبا على جودة التكوين حيث حينما ينعدم البحث تنعدم الجودة. إن غياب الجدية وعدم الالتزام بالاتفاقات والحيد عن خط التراكم في العلاقة بين النقابة الوطنية للتعليم العالي والوزارة الوصية والذي يبقى من مسؤولية هذه الأخيرة هو ما اضطر النقابة إلى انتهاج منحى تصاعدي في مقاومتها لما يحاك ضد التعليم العالي العمومي، بدءا بإضراب يوم 19 فبراير 2014، مرورا بإضراب يومي 13 و14 ماي 2014 مع تنفيذ وقفة احتجاجية أمام مقر الوزارة، بالرغم من مناورة مكشوفة للوزارة من خلال إصدار مذكرة 13 ماي. وها نحن قد اضطررنا مرة أخرى لخوض إضراب 23 و24 و25 شتنبر 2014 أمام استخفاف السيد الوزير بالعمل التشاركي بين النقابة والوزارة والذي نؤمن به باعتباره خدمة للمصلحة العامة، وتصريحه في اجتماع 11 يوليوز 2014 أنه يضع حدا لأي حوار مع النقابة، وإصداره مرسوما لا يتضمن ما تم الاتفاق حوله، واستنفاره حاليا لبعض المريدين لإخراج عريضة تُبارك مرسوم الوزير. ولكنها جوبهت برفض الأساتذة لها مؤكدين بذلك تشبثهم، في جموعهم العامة، بالقرار الصائب للنقابة الوطنية للتعليم العالي الذي يرفض المرسوم بالصيغة التي قُدّم بها لمجلس الحكومة والذي يختلف عن صيغة توافقنا حولها مع الوزارة خلال سنة ونصف من العمل التشاركي. ألا يمكن أن نقول أن إضرابنا مشروع والحالة هذه؟