بينما كان موضوع محاربة الإرهاب هو المحور الوحيد المشترك لكلمات رؤساء الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، كان الخليفة أردوغان يعترض بتشنج على «الانقلاب» على الرئيس المصري السابق محمد مرسي. لم يتم التعرف على سبب مغادرة معظم الوفود القاعة أثناء صراخ الرئيس التركي، هل هي حِدَة صوته، أم أن الرذاذ المتطاير من فمه أصاب الحضور ففضلوا الخروج من القاعة. ليس من المستغرب وصف الخارجية المصرية كلمة أردوغان بال«أكاذيب والافتراءات»، بل ربما اتهام مصر له بدعم الجماعات الإرهابية موثّق بالأدلة الدامغة. كلنا نتذكر تصريح رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو بأن تركيا تسير بخطى هادئة نحو «عثمنة المنطقة»، مما يؤكد شكوك الخارجية المصرية. ما زاد الطين بلة هو انتقاد وزير الدفاع الفرنسي، جون إيف لودريان، تركيا هذا الأسبوع في قضية إفلات «جهاديين» خطيرين كانوا عائدين من سوريا. الجماعات الإسلامية الراديكالية في تركيا ظهرت مع ظهور نجم الدين أربكان الذي تحالف مع الحركة النورسية- التابعة لمنهج «الاخوان»، والتي كانت تدرس رسائل وكتب حسن البنا وهو الذي كوّنَ أول تنظيم سياسي إسلامي منذ زوال الخلافة عام 1923. بعد مضي خمسة أعوام على زوال دولة الخلافة، قام حسن البنّا بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928 في مسعى للعودة الى حلم الخلافة، مما عزز ولاء الإخوان المسلمين في مصر وسورياوالعراق لأنقرة. ولكن أردوغان كرر نفس خطأ البنا في معاداة الأديان، فاتُهِم عام 1988 بالتحريض على الكراهية الدينية، مما تسبب في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية. في يونيو 2006 حرص إخوان مصر على المشاركة في الاحتفال بمرور 553 عاما على فتح القسطنطينية، وهو الاحتفال الذي نظَّمه «حزب السعادة التركي»، وشارك فيه محمد الكتاتني- العضو الإخواني البارز آنذاك. ذكّرني خطاب أردوغان في الأممالمتحدة بالخطبة العصماء لأبي بكر البغدادي الذي يرأس الدولة الإسلامية في العراق والشام. العامل المشترك بين أردوغان والبغدادي طموحهما لاستعادة الخلافة الإسلامية، هذا الطموح الذي يتقاطع مع الحركات الإرهابية الأخرى مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي يرعاها ويتبناها ويمولها أردوغان. كذلك يتقاطع طموح الرجل مع تنظيم القاعدة الذي يسعى لإعادة فكرة الخلافة، كما أكد، مراراً وتكراراً، أبو محمد المقدسي، أستاذ أبي مصعب الزرقاوي. العامل المشترك الآخر بين إخوان مصر وتركيا- أردوغان هو معاداة حريّة الصحافة. ميليشيات جماعة الإخوان المسلمين في مصر قامت بالاعتداء على صحفيين في أكثر من موقع وأكثر من مناسبة. أما تركيا- أردوغان، فقد صنفتها لجنة حماية الصحافيين العالمية، وهي منظمة خاصة مقرها نيويورك، بأنها أكبر سجن في العالم للعاملين في مهنة الصحافة، قبل الصين وإيران. أجاد أردوغان «الرقص على الحبلين». من المفارقات المضحكة أنه- عندما كان رئيساً للوزراء- تسلم في نوفمبر 2010 جائزة معمر القذافي لحقوق الإنسان! في نفس الوقت، تنصل أردوغان من رؤاه المتشددة في محاولته لإعادة صياغة صورته كمحافظ لكسب ود الغرب. بالتالي، لم يصر أردوغان على ترك حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بينما مازال يؤكد حرصه على عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي تحقيقا لطموحاته الشخصية. كذلك أجاد أردوغان الرقص على الحبلين في الحرب على «داعش»، فهو لا يريد أن يبدو منعزلاً عن التحالف العالمي في الحرب ضده، ولكنه في نفس الوقت يخشى المجاهرة بالحرب على التنظيم، لأن هناك من يؤيد «داعش» من الحزب الحاكم. يتخوف أردوغان من أن يسفر الإجهاز على «داعش» عن قيام كيان كردي مستقل في كردستان سوريا، ليكون ثاني إقليم كردي مستقل على حدود تركيا الجنوبية. العامل المشترك الآخر بين أردوغان وجماعة الإخوان الإرهابية في مصر، هو استخدامهم لتعبير «الدولة العميقة» في خطبهم وكتاباتهم. بعد مرور 10 أيّام على تنحّي حسني مبارك، أعلن المرشد العام لجماعة الإخوان عن تأسيس حزب سياسي يحمل اسماً قريباً من اسم الحزب التركي: «حزب الحرية والعدالة». لاشك أن الحكومات العربية تثمّن علاقة الصداقة التي تجمعها مع الشعب التركي، إلا أن التوجه الشاذ من قبل الرئيس التركي بإثارة الفوضى وبث الفرقة في منطقة الشرق الأوسط، ودعمه لتنظيمات إرهابية يعدُّ خروجا عن إطار هذه العلاقة بين الشعوب العربية والشعب التركي. قبل الخطبة العصماء للرئيس التركي في القاعة شبه الخالية في الأممالمتحدة، صرح أردوغان خلال عودته من قطر، بأن بلاده ترحب بقيادات جماعة الإخوان المصرية التي طلبت منها قطر المغادرة بعد ضغوط دول الجوار. في كلا الحالتين، مثله مثل قناة «الجزيرة»، كان الرئيس التركي... يغرد خارج السرب.